الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما تعلمته من حرب العراق عن سوريا

عمار عكاش

2013 / 4 / 6
مواضيع وابحاث سياسية


استثارت الذكرى العاشرة لغزو العراق فيضاً من التحليلات للأخطاء التي ارتكبت هناك، وظهرت أيضاً بعض الادعاءات المتحيزة التي تقول بأن الأشخاص الذين دعموا الحرب على العراق هم من يضغطون لتدخل الولايات المتحدة في سوريا. وأنا واحد من أولئك الناس. إذا أعدت صياغة الانتقادات الموجهة إليّ يمكن أن أخرج بالأسئلة التالية:
هل تعلمت شيئاً من العقد الأخير؟ هل أرغب بتكرار الفشل في العراق؟
لنبدأ بمناقشة السؤال الثاني أولا؟ مما لا شك فيه بأن عملية العراق كانت مكلفة وضربة موجعة للولايات المتحدة من حيث ما أنفق من الدولارات ، وأثرها على الأعراف السياسية، وقبل كل شيء من حيث الخسائر البشرية في صفوف الأمريكيين والعراقيين. حتى الآن لم تأت النتائج كما نشتهي نحن؛ أنصار الحرب. مع ذلك فيبدو أن سوريا في غياب التدخل الأمريكي في يمكن أن تنتج كارثة إنسانية أسوأ بكثير بل وأن تقود إلى هزيمة استراتيجية خطيرة للولايات المتحدة.
تتشابه سوريا والعراق في جوانب عدة. فكلتاهما لم تتشكلا بصورة طبيعية، إنما نتيجة خريطة رسمها دبلوماسيون بريطانيون وفرنسيون عام 1916. وتحتويان على مزيجٍ من مجموعات عرقية وطوائف قابل للانفجار ، يشتمل هذا المزيج على الشيعة والسنة، والأكراد، والمسيحيين. وحافظت كلتا الدولتان على تماسكهما عن طريق حكم دكتاتورعديم الرحمة، كان يمثل طائفة من الأقليات، واستخدم القمع، والعسكرة، والقومية العربية، والإبادة الجماعية عند الضرورة ليحافظ على تماسك دولته. ودعم الإرهاب وخزّن أسلحة الدمار الشامل، ولكن الأسد الأب والابن خلافاً لصدّام، لم يتخلّيا أبداً عن ترسانة أسلحتهما البيولوجية والكيماوية.
لم يكن ثمّة مفرّ من انحلال هاتين الدولتين، مع استنفاد أيديولوجياتهما واستنفاد نمطيها الاقتصاديين، ومن أن تطالب الأكثرية الشيعية المقموعة في العراق بالإنصاف ، مثلها مثل الأكثرية السنية المسحوقة في سوريا. إن الاختلاف بين الحالتين هو أن الولايات المتحدة أطلقت عمليّة التحوّل عسكرياً في العراق، وأنهت النظام القديم مخففةُ من النزاع الطائفي اللاحق. أما في سوريا فتراجعت الولايات المتحدة خطوةً إلى الوراء، وبدأت بتقديم المساعدات الإنسانية، وراحت تحثّ المعارضة على التوحّد، لكنها رفضت التدخّل العسكري.
ما هي النتائج؟
لم يُقتل أو يُصَب أي جندي أمريكي في سوريا، وكانت التكاليف بمئات ملايين الدولارات بدلاً من مئات البلايين في العراق. ولكن حتى الآن التكلفة الإنسانية الكبيرة في سوريا هي أضخم بكثير. فقتل سبعون ألف سوري خلال عامين فقط. ويبلغ معدل الوفيات في سوريا ضعفي معدلها في العراق بعد الغزو الأمريكي، إضافة إلى فرار مليون ومئة ألف سوري إلى البلدان المجاورة، ومن المتوقع أن يرتفع العدد إلى 3 ملايين نهاية العام الحالي. وهذا يعني سوريا الآن في طريقها لأن يفوق عدد لاجئيها لاجئي العراق بنسبة خمسين بالمئة. كما واجهت الولايات المتحدة في العراق القاعدة، وفي نهاية المطاف تعاملت الولايات المتحدة مع الموضوع العراقي كهزيمة ساحقة. وفي سوريا تزداد جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة قوةً وتدفع عبر الحدود نحو إحياء تنظيم القاعدة في العراق . ولا تقدم سياسة عدم التدخل التي تنتهجها إدارة أوباما أية وسائل لضبط هذا التهديد أو لمنع تنظيم القاعدة من أن يسيطر في نهاية المطاف على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية. دفعت حرب العراق إلى مستوى منخفض من التدخل من قبل إيران وسوريا ودول الجوار الأخرى، ولكنها لم تخرّب السلم في دول الجوار، بفضل الحضور الأمريكي. أما في الحالة السورية فالمذبحة المستمرة دون رادع تلقي بظلالها على لبنان والعراق، وتهدد حلفاء الولايات المتحدة إسرائيل وتركيا ولبنان. وتتدفق الأسلحة من إيران ودول الخليج إلى سوريا، بل وحتى وحدات مقاتلة في بعض الأحيان.
خلق العراق توتراً مؤقتاً في العلاقات بين الولايات المتحدة وفرنسة وألمانيا، ولم تقبل الأنظمة الملكية العربية بشكل كامل بالحكومة التي يقودها الشيعة والتي أفرزتها العملية الديمقراطية، مع أن تأثير الولايات المتحدة ما يزال قوياً في الشرق الأوسط. غير أنه يتراجع الآن: فلم تكن وحدها فرنسا وبريطانيا وألمانيا من صدمت وفزعت من فشل القيادة الأمريكية بل كذلك الحال بالنسبة لدول الجوار جميعها. وإذا استمرت الأمور على هذا النحو، فستبرهن سوريا وليس العراق بأنها نقطة تحوّل عندما تتوقف عن اعتبار أمريكا أمّةً لا يمكن الاستغناء عنها وفقاً لتسمية بيل كلينتون.
هل يعني هذا الكلام بأنه يتوجب على الولايات المتحدة إرسال قواتٍ مكونة من مئات الآلاف إلى سوريا؟ . بالطبع لا. فمنطق مأساة ما بعد الحرب في العراق والذي تبناه الرئيس أوباما، لا يستبعد فقط سياسة الغزو التي تبنّاها بوش وإنما أيضاً سياسة التدخل المعتدل التي اتبعتها إدارة كلينتون في التسعينيات لمنع وقوع كوراث إنسانية، ولحماية مصالح الولايات المتحدة. وكما كان الحال في البلقان أو ليبيا كان من الممكن وضع حد لنظام الأسد منذ سنة ونصف عبر الاستخدام المحدود للقوة الجوية الأمريكية بالتعاون مع قوات برية، وبالتالي ما كان ليسقط ستون ألف قتيل، ولما شهد تنظيم القاعدة هذا الصعود. وكان هذا التدخل سيحمي المنطقة ككل من الخراب.
ليست المشكلة هنا في أن أنصار غزو العراق لم يتعلموا من دروسه. بل إن معارضي تلك الحرب تعلموا الدروس الخاطئة.
المقالة الأصلية موجودة على الرابط التالي نشرت بتاريخ 1 -4-2013
http://www.washingtonpost.com/opinions/jackson-diehl-what-the-iraq-war-taught-me-about-syria/2013/03/31/5ef2e6d0-97b2-11e2-814b-063623d80a60_story.html
ترجمة: عمار عكاش








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تصحيح من المترجم عمار عكاش
عمار عكاش ( 2013 / 4 / 6 - 20:53 )
سقط اسم كاتب المقال الأصلي وهو الأمريكي جاكسون ديل- واشنطن بوست أرجو إضافة اسم كاتب المقال، ولكم جزيل الشكر أما أنا فمن ترجمت المقالة
عمار عكاش

اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟