الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة السورية ومخاوف الكورد

حسين عمر

2013 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة السورية ومخاوف الكورد
بدايةً، سأحاول أن أزيل الخلط الذي نشأ في أذهان الناس بصدد مفهوم الأقلية ومفهوم الشعب الأقلّ عدداً بالمقارنة مع شعبٍ آخر يعيشان، لظروفٍ سياسية وتاريخية، ضمن دولة واحدة وما يترتّب على ذلك من تخالط في المدلولات السياسية والحقوقية للمفهومين.
ينبني جوهر مفهوم الأقلية على تباين صفات عن مجتمع الأكثرية تَحول دون التفاعل الاجتماعي معه، وقد تكون هذه الصفات عرقية أو لغوية أو ثقافية (دينية)، أيّ أنّ الاختلاف والمغايرة يبقيان اجتماعيين لكنّ هويّة الجغرافيا محسومة.
أمّا مصطلح الشعب فيُطلَق على مجموعة من الناس الذين يعيشون على نفس الأرض ولهم ثقافة وقيم مشتركة، ونظامٌ للحكم. وتخلق هذه المشتركات في لحظة معيّنة شعوراً جامعاً بين معظم هؤلاء الناس بالانتماء إلى جماعة يجمعها مصيرٌ مشترك. ويمكن لهذا الشعور بالانتماء أن يأتي من خصيصة واحدة على الأقل من هذه الخصائص؛ ماضٍ مشترك، سواءً كان حقيقيّاً أو مُفتَرَضاً، أرض مشتركة، لغة مشتركة، دين مشترك أو قيم مشتركة.
ويرتبط مصطلح الشعب على نحوٍ وثيق بالدلالة السياسية، حيث أنّ الاعتراف بجماعة كشعب يستدعي الاعتراف لها بحقوق سياسية خاصّة، بل وحق تشكيل دولة ذات سيادة.
مسألة الخلط بين مفهومي الأقلية والشعب ليست جديدة، حيث كان مصطلح الأقليات القومية يُطلق على البلدان والشعوب المنضوية في الإمبراطورية النمساوية-الهنغارية قبل انتهاء الحرب العالمية الأولى علماً أنّها كانت تضمّ دولاً وشعوباً. ثمّ، في مراحل لاحقة، تكفّل القانون الدولي بالتمييز بين الشعب والأقلية ووضع التعريف القانوني لكلٍّ منهما.
من بين المكوّنات السورية التي تنوف على ثمانية عشر مكوّناً، يشكّل الكورد ثاني أكبر قومية في البلاد ويصفون قضيتهم بأنّها قضية أرض وشعب تمّ اقتطاعهما بموجب تقسيمٍ استعماري لوطنهم الجامع كوردستان وإلحاقهما بالدولة السورية، الناشئة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بموجب اتفاقيات ومعاهدات دولية لم تحترم لا الجغرافيا ولا التاريخ ولا إرادة شعوب المنطقة.
ونظراً لحجم الكورد في سوريا وأهمية قضيتهم ومكانتها وتأثيرها في صياغة شكل ومضمون النظام السياسي الجديد، بل وربّما شكل ومضمون الدولة في البلاد، توجّهت الأنظار إلى موقفهم من الثورة السورية ودورهم فيها منذ انطلاقتها. حيث كان من المتوقّع أن ينخرطوا في الحراك مبكِّراً وبزخمٍ كبيرٍ لما عاناه الكورد لعقودٍ من إنكارٍ وظلمٍ وحرمانٍ وتمييزٍ وقمعٍ على أيدي هذا النظام الذي في عهده وحده أُريقَت أكثر دماء الكورد غزارة ابّان انتفاضة 12 مارس 2004.
منذ بداية الثورة، ظهر تفارقٌ في الموقف بين الفئات الشبابية، وخاصّة التي لم تترعرع في حضن الأحزاب التقليدية، والتي انخرطت منذ أبريل 2011 في الحراك السلمي المتمثّل بالتظاهر الأسبوعي في بعض المدن والبلدات الكوردية وبتشكيل التنسيقيات والهيئات المنظّمة والمفعّلة للحراك وبين القوى الحزبية التقليدية التي ظلّت وفية لتوجّهها المهادن مع النظام ومحاولة التحرّك السياسي على محور التواصل معه على الرغم من التباين الجزئي في مواقفها وأخذت موقفاً حذراً ومتردداً بل وأحياناً ممانعاً للتحرّك في الشارع وأطلقت، مقابل ذلك، باسم (مجموع الأحزاب الكوردية) مبادرة سياسية حملت عناصر إيجابية آنذاك تمثّلت بوقف عنف النظام وسحب قواته من المدن وإطلاق حوار وطني شامل يفضي إلى تغييرٍ ديمقراطيٍّ حقيقيٍّ في البلاد. حاول النظام، من جهته، أن يلعب على ورقة تحييد الكورد من خلال إجراءات فعلية أحياناً كمرسوم (منح الجنسية) لمن جُرِّدوا منها بموجب إحصاء 1962، وبوعود وهمية أحياناً أخرى، وبغضّ الطرف عن نشاطات وفعاليات الحركة الحزبية التقليدية في آحايين أخرى. لم تستطع هذه الحركة أن تثني الحراك السلمي الكوردي من المشاركة والتفاعل مع الحالة الثورية العامّة في البلاد، فحاولت مقاربته بأسلوب مغاير من خلال تفريخ تشكيلات شبابية وتنسيقيات من حواضنها ودفعها إلى صفوف الحراك للتأثير على توجهاته والتحكّم بفعالياته بل ومن خلال مشاركة قيادات بعض الأحزاب في مظاهراته الأسبوعية. ولكن مواقفها ظلّت متباينة بين من دعا إلى المشاركة في التظاهر طالما بقي سلمياً (أطراف من المجلس الوطني الكوردي) وبين من حاول منع التظاهر حتى ولو كان سلمياً واستعاض عنه بمسيرات شعبوية تركّزت شعاراتها وفعالياتها على مناهضة تركيا ( الاتحاد الديمقراطي PYD والتشكيلات المتفرّعة عنه)
حاولت قوى سياسية كوردية أخرى التماهي مع الحراك الثوري منذ اندلاعه وتبنّت شعاره في إسقاط النظام وافترقت عن الحركة الحزبية التقليدية وعملت على تشكيل إطارٍ سياسي موازٍ لها وتحالفت مع المعارضة السورية الراديكالية ولكنها لم تستطع أن تتحوّل إلى حالة سياسية وشعبية بديلة.
مع اشتداد وتيرة عنف النظام ودمويته في قمع الحراك وتحوّل مسار الثورة السلمية نحو العسكرة، بدأ الانحسار التدريجي لا للمظاهرات السلمية فحسب بل وكذلك للخطاب الوطني والمدني الراقي الذي كان يعبّر عن المشتركات السورية الجامعة والمعبّر عن التوق إلى استرداد الحرية والكرامة وبناء وطن للجميع وبدأت تبرز باضطراد جماعات متطرفةً قومياً ودينياً وطائفياً تجاهر بأهدافها المغايرة تماماً للأهداف التي ثار من أجلها الشعب السوري.
عمّق هذا المنحى، الذي أراد أن يُظهر الثورة السورية بغير وجهها الحقيقي كثورة لكلّ السوريين ضدّ الاستبداد، من حذر المكوّنات المغايرة في هويتها للأكثرية وتحوّل الحذر إلى مخاوف حقيقية جرى التعبير عنها جهاراً وأدى إلى استقطاب اجتماعيّ ارتسم سياسياً من خلال مؤتمرات وتكتّلات ضمّت كلّ مكوّن من المكونات السورية لوحده.
تعود مخاوف الكورد في سوريا إلى ثلاثة أسباب رئيسية: أولاً: تجربتهم التاريخية مع الثورات في الدول المقتَسِمة لوطنهم. ففي تركيا، لعب الكورد دوراً بارزاً في إنهاء النظام القديم وإقامة الجمهورية وحين استقرّ النظام الجديد ورسّخ دعائمه، تنكّر لجميع حقوق الكورد وارتكب المجازر الوحشية بحقّهم.
في إيران، شارك الكورد بكثافة في الثورة الشعبية التي أطاحت بالشاه واختير زعيمهم السياسي عبد الرحمن قاسملو عضواً في مجلس الخبراء، ولكنّ الملالي الرجعيين تنصّلوا من كلّ وعودهم وشنّوا حرباً قذرة ضدّ كوردستان واغتالوا زعماءها السياسيين غدراً.
وفي العراق، بعض أن شارك الكورد على نحوٍ فعّال في إسقاط النظام الديكتاتوري وقاموا بالدور الرئيسي في إعادة بناء القوات والمؤسسات المنهارة للدولة، ورغم إقرار دستور اتحادي، إلا أنّ الحكومة الاتحادية، بعد أن تمكّنت من تعزيز سلطتها وسيطرتها، تنتهك هذا الدستور وتتنصّل من التزاماتها حيال استحقاقاته وتلجأ إلى لغة التهديد والوعيد في تعاملها مع إقليم كوردستان الفيدرالي.
وفي سوريا نفسها، كان للكورد دورٌ بارز في مواجهة سلطة الانتداب الفرنسي ونيل سوريا لاستقلالها، إلا أنّهم حرموا من جميع حقوقهم فيها بعد أن قاموا بكلّ واجباتهم اتجاهها.
ثانياً: موقف المعارضة العربية المتردّد والغامض بل والمقلق من حقوق الشعب الكوردي وخطاب قادتها وزعمائها وتصريحاتهم التي تعكس هذا الموقف القائم على تحجيم دور الكورد وتفريغ قضيتهم من مضمونها كقضية أرض وشعب وتقزيمها إلى حدّ بعض المطالب الثانوية، الأمر الذي يعمّق الهواجس والمخاوف الكوردية.
ثالثاً: تأثير الدول الإقليمية الرافضة لنيل الكورد لحقوقهم على المعارضة السياسية والمجموعات المسلّحة بل وعلى بعض المكونات الاجتماعية السورية وما سيكون لذلك من نتائج ومفاعيل على شكل وطبيعة النظام السياسي الجديد الذي سيحكم البلاد بل وعلى بنية الدولة السياسية والدستورية.
لكن يبقى السؤال الأهمّ: ترى هل عوامل التخوّف والتوجّس هذه ينبغي لها أن تُبعِد الكورد عن الثورة السورية وقواها أم أنّها تستلزم اتّخاذ التدابير المناسبة والمطلوبة لاجتناب مفاعيلها؟
لا شكّ أنّ الكورد من أهمّ المستفيدين من إنهاء النظام الذي اغتصب حقوقهم ومارس الاضطهاد والتمييز الشنيعين بحقّهم ولهم مصلحة حقيقية في ذلك. ولا شكّ أنّ الظروف التاريخية قد تغيّرت ايجابياً لصالح الكورد وقضيتهم العادلة، ولذلك يمكن لهم أن يلعبوا، أكثر من أيّ وقتٍ مضى، دورهم في الثورة السورية من جهة وأن يدافعوا عن حقوقهم ومصالحهم من جهة أخرى على أن يتبنّوا إستراتيجية متكاملة تمكّنهم من اجتناب تكرار تجاربهم المريرة وتضمن لهم حماية حقوقهم على الأرض في مواجهة أيّ نظامٍ جديدٍ قد يسعى إلى إقصائهم أو تهميشهم.
حسين عمر – كاتب ومترجم












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مجلة المراسل 01-06-2024 • فرانس 24 / FRANCE 24


.. حزب الله يعلن قصف بلدتين في شمال إسرائيل وسط تصعيد متواصل




.. تصعيد بجنوب لبنان.. مسيّرات وصواريخ حزب الله تشعل حرائق في ا


.. الانقسام الداخلي في إسرائيل يتفاقم.. ماذا تعني تهديدات بن غف




.. تصاعد المعركة المالية بين الحكومة اليمنية والحوثيين يهدد بان