الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعاع قبل الفجر

مجتبى حسن

2005 / 4 / 12
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


شعاع قبل الفجر
مذّكرات احمد نهاد السّيّاف
تقديم وتحقيق محمد جمال باروت

*
كتاب مذكرات أتى بـ"296"صفحة من قسمين
الأول : يتكلم السيّاف عن بداية نضاله وعلاقته مع إبراهيم هنانو والأحداث التي رافقت ذلك .
والثاني من مرحلة انتقاله إلى اللاذقية وتعيينه مديراً للريجية وحتى انتقاله إلى بيروت والأحداث المهمة التي جرت بهذه الفترة إبان الاستقلال السوري وانعكاس أعمال الحكومة يومها بالمحاكمات السياسية وتحييد الوطنيين.

- آتت المذكرات بسرد تملئه الحقائق المعاشة ،فأن يتكلم الراوي عن حقائق عاشها بدون تمذهب هذا يعني أنّ المتكلم كان لديه الحياد الايجابي في الرؤية والتصرف والذاكرة .. وخاصة أنها تكلمت عن أحداث مُغفلة أو تغافلت عنها الفعاليات والشخصيات التأريخية في سورية ، فأتى شعاع قبل الفجر ليضيء مرحلة وإحداث ،حاول التاريخ المكتوب أن يطمسها ،ويغالط في حقائقها ..

- يأتي تقديم وتحقيق محمد باروت في شكل وأسلوب سهل عظيم الصنعة ،إذ يعطي للقارئ الفواصل الهامشية التي لا تقطع السرد، بل تبين وتشرح كل حدث أو غموض وتعطي نبذة عن الشخصيات المتكلم عنها وذلك من مراجع كثيرة عربية وأجنبية ،قاربت ستين مرجع وست عشر جريدة ومجلة رسمية وخاصة ،صدرت يومها ، وكان للكاتب مقابلات هامة مع شخصيات مازال لديها المعلومة الصحيحة عن هذه الحقبة ..
وأفضل مَن يتكلم عن الكتاب مُقدمه المحقق في معلوماته إذ يقول في الصفحة "33" سطر "7"وما بعدها:
إن احمد السّيّاف المديني الحلبي ، التلميذ المباشر لإبراهيم هنانو ، هو صاحب هذه الشهادة " التاريخية-الصدمة". يخترق السيّاف الوطني ثمّ الكتلوي الشاب والناضج في هذه الأوراق بشكل جذري السردية الرسمية وشبه الرسمية عن ذلك الفصل ،ويضعها في مواجهةٍ حقيقيةٍ أمام أسئلة الأنصاف في محكمة التاريخ . في الآونة الأخيرة أخذت بعض هذه الشهادات المحدودة كمياً تبرز من موقع تجربتها بعض الجوانب من ذاك الفصل ،ولكن ليس لدينا في المدوّنات السورية الحديثة كلها سرديةٌ متكاملةٌ عن مرحلة العقدة في سردية المرشد كما نجدها في أوراق السيّاف ، بل إن وثائق المحكمة مفقودة ولم يتبق منها سوى نص الحكم المحفوظ فردياً وليس مؤسسياً في أي أرشيف قضائي أو رسمي .
إن سردية السيّاف تخترق السردية السائدة والمكوّنة والمنتشرة عن ذلك الفصل ،وتلقي عليه أسئلةً هي في منظور التاريخ الاجتماعي من أعقد وأصعب أسئلة التاريخ السوري الحديث . فبكل بساطة يقول السيّاف إن إعدام المرشد لم يكن له أي صلة بقضية "الخيانة العظمة " التي اتهمته حكومة سعد الله الجابري بها ،وبرأته المحكمة نفسها منها ،واعتبرها المرشد أهم شيء في كل الفصل الدرامي حين اعتبر في بدء المحاكمة أن ما يهمه فقط من كل التهم الموجهة إليه هو مسألة اتهامه بالخيانة العظمى وليس الاتهامات الأخرى، واعتبر في نهايتها أن المحكمة تستحق الشكر لأنها برأته من تلك التهمة ،وبالتالي لا يطلب أي رحمة ، بل يسير مطمئناً إلى المشنقة .
السيّاف في تعاطيه مع تلك القضية لم يعطِ أي وزن ٍلذلك ،فلقد كانت قناعته راسخة في أن جوهر الصراع هو مابين إقطاعيي اللاذقية وزعمائها المحسوبين على العهد وبين المرشد ،حيث قام إقطاعو اللاذقية بتلبيسه بالخيانة العظمى ، التي تبنتها الدولة بموجب مرسوم جمهوري جعل من المحاكمة سابقة ل"محاكم الشعب"الثورية الاعتباطية اللاحقة التي تختنق فيها العدالة نفسها .
يضيء السيّاف في الأوراق هذه الرؤية المختلفة بل النقيضة جذرياً للرؤية السائدة،بأكبر قدرٍ من تفاصيله ومحنته في هذا الاختبار المصيري الصعب.في لغة السيّاف رنين الصدق واستقامة الضمير، وإرادة المواجهة لدفع ثمن الموقف .وهذا شيء مهم ٌفي مصداقية المذكرات التي يفترض بها أن تكون شهادةٌ وليس بحثاً أكاديمياً .بغض النظر عن الموقف من سلمان المرشد فأن سردية السيّاف تخرق الوعي السائد بتلك القضية ،وتحكي روايةً متناقضة أشدّ التناقض معها .والحقّ أن شهادة السيّاف مع شهادتين استثنائيتين لكلٍ من قائمقام الحفة الأمير عبد الله التامر وقائد الدرك العقيد محمد علي عزمت ، إذا ما عدنا إلى طريقة انخراط الدولة نفسها بالقضية قد قلََََََََبت الحسابات الحكومية كلها ،وأحرجتها في الربع ساعة الأخير،فتخلّت الحكومة –وفي الواقع الدولة ممثلة برئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير العدل بموجب مرسومٍ جمهوري بالمحاكمة وتفسير القضايا المسنَد إلى المرشد- مرغمةً عن شنق المرشد بالخيانة العظمى لشنقه بقضايا جنائيةٍ لها بدورها ملابساتها المعقدة ،وتكشف أوراق السيّاف لنا معضلاتها التي تطرح أسئلة عديدة عنها .
وفي ذلك تقول لنا أوراق السيّاف ، أن التاريخ ليس سردية مكونةً نهاية ،بل سرديةً مستمرة في التكوين ،وأنه مهما صمت التاريخ بمعنى مدرسته لأسباب شتى عن بعض القضايا لابد أن يأتي يومٌ ويجهر فيه بصوت طليقٍ بما يزحزح السرديات الرسمية .
واختتم كلام السيد محمد باروت في تقديمه للكتاب "المذكرات" بهذه الفقرة من الصفحة "39" سطر"2"وما بعده :
يمثّل متن هذه الأوراق في النهاية منظور صاحبها احمد السيّاف وأفكاره وشهادته بوصفه ينتمي إلى الجيل الثاني في الكتلة الوطنية لتجربته مع كل من إبراهيم هنانو وسلمان المرشد،قبل الاستقلال وبعده. بينما تمثل هوامشنا مجرد شروحاتٍ لها تنطلق من بؤرها،وتنطوي أحيانا على قدرٍ من التحليل . وتمثّل هذه الأوراق إحدى المدّونات الإضافية في مصادر دراسة بعض جوانب التاريخ السوري الغامضة والمغيّبة أو المطموسة في الفترة الانتقالية المعقدة من الانتداب الفرنسي إلى الاستقلال ،التي ينكب الباحث على دراستها ،وفي سياقها القسم المطموس المتعلق في" قضية المرشد " وتعقدها خلال العامين 1945-1946، ونشأة المرشد وتطوره ومصائره بأكبر ما يمكن فيه التحليل أن يعتمد على أوسع بياناتٍ بما فيها الفرنسية والبريطانية والسورية ،وتنخيل الدراسات الفرنسية والأمريكية والألمانية "الأكاديمية " المحدّدة والعديدة التي صدَرت حول ذلك ،والمتأثرة كثيراً في حدود اطلاعنا على بعضها بمعطيات السردية المسيطرة .ولقد تمّ بالفعل جمع جزء مهم من ذلك إن لم يكن معظمه . بل وتم العثور أساساً على هذه المذكّرات في سياق ذلك البحث.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هكذا علقت قناة الجزيرة على قرار إغلاق مكتبها في إسرائيل


.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح




.. -صيادو الرمال-.. مهنة محفوفة بالمخاطر في جمهورية أفريقيا الو


.. ما هي مراحل الاتفاق الذي وافقت عليه حماس؟ • فرانس 24




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان على «موقع الرادار» الإسرائيلي| #ا