الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهدات بغدادية / 5 الكرد والوعي الامبراطوري

اسماعيل شاكر الرفاعي

2013 / 4 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


-تمر الدولة التركية بانعطافة حاسمة من حيث علاقتها بالقوميات المتشاركة معها في سكن الوطن الواحد . فقد أعلن حزب العمال الكردستاني أمام جماهير الكرد المحتفلة بأعياد نوروز في 21 / 3 بأن [ عهداً جديداً قد بدأ ، يجب ان يتم فيه تغليب السياسة وليس السلاح ] لم ينطلق هذا التحول الاستراتيجي من فراغ ، فقد سبقه تغير في نظرة كل من الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني أحدهما الى الآخر . تطورت هذه النظرة ببطئ شديد على مدى ثلاثة عقود 1984 ــ 2013 ووصلت الى ما يشبه الاعتراف المتبادل بينهما . لعب حزب العمال الكردستاني دور القابلة في تغيير نظرة الدولة التركية الى الكرد ، ولعب حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا دور المتفحص والمتمعن والدارس لتداعيات علاقة الصراع المسلح بينهما ، وتأثيرات هذه العلاقة الآنية والمستقبلية على تركيا الطامحة الى لعب دور اقليمي وبالتالي عالمي . قد يكون لتحيييد حزب العمال الكردستاني في الصراع حول سوريا ، أو للأسراع في تطبيق معايير كوبنهاكن من قبل تركيا لدخول نادي الدول الاوربية ، او التأثير الضاغط للنزيف المستمر الاقتصادي والبشري على الدولة التركية وعلى الشعب الكردي في آن معاً ..الخ دوراً في توقيت الاعلان عن هذا التحول ، ولكن هذه الظروف الآنية ليست هي العامل الحاسم في تحول نظرة حكومة تركيا الى الكرد . سبقت هذا التوقيت اجراءات ومبادرات كاستفتاء 2010 حول بعض التعديلات الدستورية ، ومناقشة البرلمان التركي عام 2009 لخطة الحكومة الشاملة لأنهاء النزاع المسلح ، وتعيين نائب رئيس الحكومة مسؤولاً عن الملف الكردي وتخويله اجراء الحوار ، وقبل ذلك في 2001 سمحت الحكومة التركية باستخدام الكردية والعربية في الاعلام والنشر . لم بنطلق حزب العمال الكردستاني اذن من فراغ ، لكن تلك الاجراءات الحكومية على اهميتها تظل عرضة للتراجع اذا لم يتم رفع العلاقة بينهما الى اطار مؤسساتي شرعي من خلال دستور جديد يعترف بحق الشعب الكردي في تقرير مصيره ، وينص على جعل اللغة الكردية لغة رسمية ثانية للبلاد . انطلاقاً من هذه الرؤية لا بد من طرح السؤال الآتي : هل تم التحول في العلاقة بين الدولة وبين الحزب انطلاقاً من تحول في نظرة حزب العدالة والتنمية الحاكم الى ارض الدولة وبالتالي الى الكيفية التي تمارس بها الدولة سيادتها على هذه الارض ؟ يمكن الاجابة على هذا السؤال بسؤال آخر : هل انشق الحزب الحاكم في تركيا على الآيدلوجية الكمالية المتعصبة ، وتحولت نظرته الى القوميات : من نظرة امبراطورية { تصر على عائدية ارض الدولة للقومية التركية وحدها } ، الى نظرة ديمقراطية الى ارض الدولة { تعترف بالاختلاف والتمايز بين ساكني ارض الدولة الواحدة من حيث اصولهم الاثنية ومن حيث ثقافاتهم ولغاتهم ، وتعترف بأن الارض التي يسكنونها هي ارضهم التاريخية التي سكنها قبلهم أجدادهم ؟ } خطوة الاعتراف بهذا التمايز تقود بالضرورة الى وعي ديمقراطي يلوّن مضمون سيادة الدولة على أراضيها ، تتخلى بموجبه عن اساليبها الامنية في معالجة طموحات هذه القوميات لصالح اساليب مدنية بعيدة عن القسوة والقسر ، أقول ذلك لأن دستور الدولة التركية لا يعترف بغير الاتراك مواطنين على ارض الدولة ، كما لا يعترف بغير التركية لغة رسمية للبلاد ، ولذلك تسمي الكرد بأتراك الجبل الذين يجب تمدينهم ، أي تتريكهم { كان كل مَن يتحدث اللغة الكردية معرضاً للعقاب } . كانت علاقة الكرد بالجمهورية الوليدة على يد كمال أتاتورك علاقة تحالف امتدت على طول سنوات حرب الاستقلال 1919 ــ 1923 ، وكان الكرد يأملون في نهايتها حكم انفسهم بأنفسهم تطبيقاً لمعاهدة سيفر 1920 . الا ان النظرة الى المسألة الكردية تحولت بعد صدور اتفاقية لوزان 1923 : من حركة قومية لها حق تقرير المصير في معاهدة سيفر ، الى شأن داخلي تركي في معاهدة لوزان تعاملت معها الدولة التركية كحالة من حالات الشغب والعصيان واتهمتها بالعمالة .

2ــ حزب العمال الكردستاني واستراتيجية الكفاح المسلح

- لم ينفرد حزب العمال الكردستاني بهذا الخيار الاستراتيجي لوحده ، كانت كل الحركات الكردية { أشهرها مجزرة درسيم عام 1937 التي اقترفها حزب مصطفى اتاتورك نفسه } التي سبقت ولادته قد أخذت طابع الانتفاضات والثورات المسلحة . يعود السبب في ذلك الى مناخ الكبت السياسي ، والى الرؤية الواحدية للدستور التركي الذي لا يعترف بغير وجود العنصر التركي في الفضاء السياسي للدولة ، واذن لا وجود لقوميات أخرى ولا شرعية لأي حركة سياسية تدعي تمثيلها . صحيح ان الحزب كان منحازاً الى الرؤية الماوية في موقفها من الرأسمالية العالمية وطريقة ادارة الصراع معها ، لكن يمكن لذلك الانحياز ان لا يكون الخيار الاول والأخير للحزب لو كانت دولة كمال اتاتورك دولة حديثة . كان ينقصها لكي تحوز على شرط الحداثة اعتماد الديمقراطية مرجعية لها الى جانب العلمانية . ان التجربة التركية تشير الى ان محاولة بناء دولة حديثة بالاعتماد على العلمانية لوحدها من غير ديمقراطية يقود الى دكتاتورية عسكرية تقوم فلسفتها الدفاعية على اضطهاد القوميات الاخرى التي تشارك القومية الكبيرة سكن الوطن الواحد والى اضطرابات سياسية مستمرة . تمثل الديمقراطية سداً يقف بوجه تعديات الدولة على حقوق الاقليات القومية : حقها في الحكم الذاتي أو حق الانفصال ، وحقها الثقافي في استعمال لغتها القومية في مؤسسات الدولة . لقد اسهمت طريقة كمال اتاتورك في ابعاد الاتراك بالقوة عن مناهلهم الروحية ومشاربهم الفكرية وذاكرتهم التاريخية ، الى تعبيد الطريق أمام عودة المفاهيم السياسية الموروثة عن الاصالة والهوية وهي مفاهيم لا وجود فيها لحق تقرير المصير ولا لمسألة الحكم الذاتي أو اللامركزية والفيدرالية . استغلتها جميع دول المنطقة ودمجتها بوعي عنصري آخر متمثلاً بتمجيد الماضي الزاخر بالأفعال البطولية للسلف وقدمتها الى مواطنيها على انه الوعي السياسي الحديث المطابق لمفهوم الدولة ــ الامة . هكذا دمجت آيدلوجية هذه الدول : الوعي الطائفي بالوعي الامبراطوري مستحثة الوعي الجمعي للقوميات الثلاث : العربية والفارسية والتركية على المطابقة بين وجودها ووجود الدولة . وبمرور الزمن تولد عن هذه الآيدلوجية العنصرية ما صار يعرف لدى شعوب هذه الدول الثلاث : بالروح الوطنية التي لا تعني شيئاً غير المطابقة بين القومية الكبيرة وبين هوية الدولة { أو بين الطائفة الدينية وبين الدولة كما يتوضح من الصراع الجاري على السلطة في بلدان الربيع العربي وسوريا والعراق والبحرين ولبنان .. الخ } . الا ان النتيجة جاءت على عكس حلم القومانيون في بناء : امة واحدة ــ تركية أو فارسية أو عربية ــ مطابقة لدولتها ، اذ سرعان ما انحدر وعي هذه القوميات مرتداً الى هويات فرعية هي في الغالب طائفية أو قبلية تتعارض على طول الخط مع الهوية الجامعة التي هي الدولة . والسؤال : ماذا لو تم التلازم في التطبيق بين الديمقراطية { التي تعني في الحالة الملموسة للشعب الكردي حقه في تقرير مصيره } والعلمانية { التي يتحقق فيها حكم القانون لا العرف } لدى هذه الدول ؟ هل يمكن لنا ان نتخيل ماذا سيكون عليه حاضر شعوب المنطقة : من استقرار سياسي وتلاحم اجتماعي وازدهار اقتصادي ورقي معرفي لا مكان فيه للمؤامرة والعمالة كتهمتين جاهزتين تنمان عن سطحية تفكير السياسي الشرق الاوسطي الذي فسر ويفسر بهما الثورات المتكررة للأقليات الطامحة الى زحزحة اسوار سجون كبيرة تسمى تجاوزاً بالدول . هذا المناخ الاستبدادي المهيمن هو الذي دفع ويدفع باقليات الشرق الاوسط مثلما دفع بحزب العمال الكردستاني الى اختيار الكفاح المسلح ، اذ ليس من السهولة ان تسلم القومية السائدة بحق الصغرى في تقرير مصيرها ... قد نتفق وقد نختلف مع الاطروحات النظرية لأحزاب الاقليات القومية ، الا انه لا يمكن الخلاف على ان تهمة العمالة تسقط ما ان تضطر دولة القومية الكبيرة الى الاقتناع بالجلوس الى طاولة المفاوضات معها . هل يمكن أخذ الدرس ، والمبادرة الى الجلوس الى طاولة المفاوضات طوعاً قبل ان تدفعنا الاحداث الى ان نهرول اليها مجبرين؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حُرم من حلمه والنتيجة صادمة ونهاية حب مأساوية بسبب الغيرة! ت


.. إيران تلغي جميع الرحلات الجوية.. هل اقتربت الضربة الإسرائيلي




.. ميقاتي لسكاي نيوز عربية: نطالب بتطبيق القرار 1701 وأتعهد بتع


.. نشرة إيجاز - مقتل شرطية إسرائيلية وإصابات في بئر السبع




.. اللواء فايز الدويري والعميد إلياس حنا يحللان المعارك الضارية