الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القمر

يوسف الأخضر

2013 / 4 / 8
الادب والفن


عند مغرب الشمس، يحتكر القمر كل الوجود، يعلن بصمت قاتل عن النهاية التالية، يتحسر كل شعاع منعكس على الماء الذهبي و يغادر، بين حبّات الرمل الكثيرة انغرست قدماي و تشبعت بالدفئ، كل قلعة ملكية أو رئاسية كان أصلها من هذا الرمل، أسوارها و جذرانها تزاحم قدمي و تحتكر المكان، يعم الفراغ حيز من الوجود الخادع ليقتنص كل فرصة بلا هوادة، لا رأفة بحبّات الرمل بعدما اغتال المستنقع آخر ما تبقى من صفاء ماء النهر، لا رحمة بملوحة البحر بعدما احتضر ملحه تحت أساسات الاسمنت و الحديد الصدئ، لم تعد شخصية القمر المغترب قادرة على التحكم بالمد و الجزر بعد الآن، ألم يقولوا ذات يوم أن القمر انشق نصفين؟ و اغتالوا أرضه دون محاكمة أو مشاهدة؟ لطالما قاوم أعاصير الكلام و كذب كل نص مقدس، و رغما عنهم أرخى بضوئه الخافت كل مساء، أبى إلا الصمود أمام شنآن القبيلة. لو أن للقمر لغة لقال : لو بودي لحجبت ضوئي عن ناظريْ عدوي، لما تركته يستفز كل أشيائي، و لانسحبت من الوجود كي يتبين له القليل من جمالي!

مالت الأرض بقوة فاعل، جاحد و حاسد، تبعثر الرمل للأعلى و تساقط أمطاراً، انساب كل ماء و ملأ وديانا و أنهاراً حتى إذ هو استقر بين ضفافها، تحطم النهر و استأدن الماء و ذهب، لا مفر حتى تصالحوا القمر في ليلة الاعتراف ، لن يعفوا عن جرائمكم حتى تقروا بها علنا، ألم تنشروا فضائلكم بالسيف لا بالقلم؟ بالكلام لا بالفعل؟ تتحدثون باسم الجميع كأن الشرائع ملك لكم، أليس من الحكمة الصمت وقت الاحتضار؟ ها هو صبري يتفجر بين أصواتكم، ويستهزئ بكل سيناريو لم تلعبوا فيه غير دور الكفيف، فأقتنص كل فرصة لأتقمص دوركم حتى أرفح عن كبريائي المسلوب بغمزة حاقد لعين.

حلّ المساء و انجلى آخر شعاع نحو أسفل البحر، تلاشت كل نقطة شفقية في السماء و تكممت بلون غامق، سرت قليلا بين القلاع الرملية في مشهد انتصار معنوي على المارد العظيم. نال القمر حيزه وسط السماء و أعلن بشدة مكانه بين كل الكواكب، لطالما أغذق بصمته صورةً زخمها الخيال القريب من كل الحقائق، و تغذت عليه النفوس و السرائر، لقد كان و لايزال حديقة مجهولة الداخل، ليس عليه ماء و لا هواء يتغلفه غير بضعة هياكل، فلأن الحياة تخلق من اجتماع أشياء و عناصر، فهناك من فنى و اختفى تحت المعابد، وما القمر إلا ضرب من المقاصد.

تقاذفت بعض الأمواج بصخب كأنها تصارع بعضها، تتسابق و الريح في اتجاه خط العبور، يستقبلهما الشاطئ برحب مكتزا بلحاف الموج المتكسر فوقه باستمرار، فتجدني في لحظة انتشاء سحري أتمشى نحوه رغبة مني في التقاء آخر مع الطبيعة، و القمر المهيب يتربص خطواتي المتثاقلة. لعله يكوِّن فكرة عن حركة الجسم الصغير الذي يضمني؟ أو أنه لا يعرف سري و لا يكترث ؟ فالكل في قبيلتي سيقول لي ما ذاك إلا القمر !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب