الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دولوز والأسلوب والسخرية

علاء هاشم

2013 / 4 / 8
الادب والفن


دولوز والأسلوب والسخرية
Deleuze, Genre, and Burlesque

جيمس كروفورد وتيم هولاند
ترجمة: علاء هاشم


يناقش النصف الأخير من كتاب دولوز (السينما الجزء الأول) أنواع الأفلام الأمريكية، لكنه يعقد الخطاب التقليدي عبر استكشافه لتلك البنى كنماذج ومسارات سردية أكثر من كونها مقولات تتضمن أجزاءً منفصلة وقابلة للتطابق. إن الثقافة التقليدية تُمركز الأسلوب (genre) كسلسلة من العناصر السنتاكتيلية (التركيبة، النحوية) المتوقَعة (رجال الكابوي، الأحصنة، شكل الرماية على الطريقة الغربية الأمريكية، الخ...) ما يسبب معاني سيمانطيقية مختلفة (شك السلطة في فيلم جوني غيتار لمخرجه نيكولاس راي(1)، وتجسيد ذلك الشك في فيلم ريو برافو Rio Bravo (2) للمخرج هاورد هوك). في كتاب السينما الجزء الأول، يناقش دولوز تلك الأشكال بنحو واسع كنتيجة لمقولتي الوضع (و) والفعل (ف). إذ تأخذ أفلام الغرب الأمريكي في الأعم الأغلب الصيغة (و ف و)، أي تتحرك من الوضع إلى الفعل الذي حولَ الوضع؛ على العكس من ذلك، فإن الأفلام البوليسية والكوميدية تتبع الصيغة (ف و ف) حيث أن الفعل هو الذي يكشف الوضع باتجاه فعل جديد.
وتقع أفلام الكبير شارلي شابلن ضمن مفهوم دولوز عن السخرية وهو مفهوم يتخذ الصيغة (ف و). هذه الصيغة الخاصة سمحت لشابلن في خلق ميزان كوميدي بين وضعين متباينين وغير حقيقيين. يقدم دولوز مثال ذلك فيلم (تنكب السلاح) لشابلن حيث يشترك الأخير في معركة ويحقق أهدافه عن طريق الصدفة واللهو بكل طلقة يطلقها؛ وبالمثل وبينما يرد العدو الهجوم يطرح شارلي هدفا من تلك الأهداف. وبالنسبة لدولوز فإن صيغة (ف و) هي العملية الهزلية بحد ذاتها وتكمن في اصغر اختلاف عن فعل آخر (إطلاق النار من البندقية—اللعب بالرماية)، لكنها تكشف في هذه الطريقة عن سعة الفرق بين وضعين اثنين (لعبة البليارد—الحرب). في حين أن الصيغتين (و ف و) و (ف و ف) هما صيغتان تنوجدان لربط السبب بالنتيجة سوية—المستكشف الغربي العنيف (و) يُستبدل بالبطل رجل الكابوي (ف) وتولد عملية حضرية (و)—إذ تعرض الصيغة (ف و) العلاقات الكوميدية بين أوضاع تبدو متناقضة من خلال أفعال متشابهة ومترابطة. إن العاطفة والضحك يتولدان بشكل متزامن من خلال ارتباط أوضاع مختلفة. فطبقا لدولوز، تكمن عبقرية شابلن في تحفيز دورة الضحك—العاطفة هذه، والتي فيها تشير الأولى إلى الاختلاف الطفيف، أما الأخرى فتشير إلى الاختلاف الكبير دون أن تكون الأولى تمحو أو تقلل الثانية، لكن كلتيهما تتبادلان مكان إحداهما الأخرى ثم تُحدث الأولى الثانية مجددا. إن الاختلاف الشاسع بين الأوضاع—المرتبط بالإيماءة المتشابهة—يعيد مضاعفة الضحك بدقة اكبر من خلال العاطفة.
في فيلم (الدكتاتور العظيم 1940) يدفع شارلي شابلن بالسخرية إلى أقصى حدودها. ويرى دولوز أن دمج سخرية أفلام شابلن الصامتة ذات الصورة الصغيرة (المتشرد المحبوب، شارلي) مع أفلامه الأحدث، الأفلام الكوميدية الصائتة ذات الصورة الكبيرة (ادينويد هنكل، محاكاة ساخرة لأدولف هتلر) هو دمج مجازي وحرفي بنفس الوقت. فالاختلاف الفيزيائي بين شارلي والدكتاتور هو اختلاف طفيف بقدر الاختلاف ما بين شاربيهما رغم أن الأوضاع بين الشخصيتين بعيدة كل البعد ومتعارضة بقدر تلك الأوضاع التي تتعلق بالضحية والجلاد. بالنسبة لدولوز، فإن تحول شابلن من الأفلام الصامتة إلى الأفلام الصائتة (ذات الحوار)، من شارلي إلى هنكل ليس تحولا لإظهار الصراع بين الخير والشر فقط، بل هو تحول يطور قوة السينما كخطاب ينتج وسيلة أدبية مؤثرة. إن إيماءات أو خصائص فيزيائية مماثلة (الشارب) تربط أوضاع غير محتملة، وبفعلها هذا فهي إنما تعبر عن مجتمعين متناقضين، احدهما يخلق الاختلاف الطفيف بين رجلين في وسيلة الاختلاف الكبير بين وضعين (الاستبداد)، أما الآخر فيخلق الاختلاف الطفيف بين رجلين بالنسبة للمتغير في وضع كبير يتعلق بالمجتمع والمماثلة (الديمقراطية). لم تعد الأوضاع المتناقضة هي الوحيدة التي تمثل شكلا من أشكال الكوميديا بل أصبحت تمثل أشكال كاريكاتورية نقدية علانية: إنها تعارض أفلام شارلي الصامتة حيث استطاع شابلن فقط أن يبلغ الموضوع من خلال صور رومانتيكية حالمة، في حين قدمت الأفلام الصائتة شابلن على أنه قوة واقعية بل الأكثر من ذلك أنها زادت من قوة السينما في تعبيرها للخطاب.
بالتحول من المتشرد الصامت، يحاكي شابلن شكل وصوت خطابات هتلر العامة والسيئة السمعة مبتدئا بالجمل الخالية من المعنى والشهيرة للطاغية—"der weiner schnitzel mit der lager bierten" و"sauerkraut"—ساخرا من خلالها بلغة الهراء المضللة والرعب والصوت والغضب. إنها عبارة عن كلمات معقولة تنكمش إلى مقاطع صوتية صغيرة ثم تتحول مجددا إلى تقلصات وسعال كوميدي. إن مغزى الخطاب لا يتغير لكن الفرق بين المعقول واللامعقول يبقى فرقا طفيفا جدا—انه طفيف كأصغر وحدة صوتية. فمن الممكن تمييز غلو خطب هنكل اللاذعة في الحال من خلال العروض التي صممتها المخرجة ليني ريفنشتال(3) لهتلر في فيلم (انتصار الإرادة 1935)، لكن هناك فرق كبير جدا في النوع بين تلك العروض وبين خطب شابلن. إن تلك الأوضاع (المواقف) غير المتكافئة أو المتعارضة، الموضحة من خلال الفروق البسيطة في الفعل تستكشف العمليات والأشكال التي تقابلها. بمعنى، لم تعد تبقى في مستوى الوحدات المورفولوجية (الصرفية) لكنها تبقى في الوسائل المجملة التي تتصل وتتشكل من خلالها الأفكار داخل قوس مقدمة المسرح—ليس المضمون، بل الصوت والصورة والديكور والإضاءة. ففن الحكم كفن المسرح. ربما يصبح النقد متهرئا في اللحظة المعاصرة لكنه مفحِم وجلي بالنسبة لعصره بل هو يتجاوز مقتضيات العصر. تتحول مغامرات شابلن في الأفلام الصامتة مثل شخصية المتشرد، الظريفة لكن أحيانا المحكمة جدا، تتحول إلى تأمل في اللغة وفي الخطاب في فيلم (الدكتاتور العظيم).
في المشهد الذي يتبع المشهد اللاحق مباشرة، نتعلم أن هنكل، دائرته الداخلية بل في الحقيقة كل امة تومانيا الخيالية، تستطيع أن تتكلم بمعقولية وبمنطقية حتى الانكليزية المثقفة مثل الصوت الذي نسمعه يترجم خطاب الدكتاتور. لكن سيكون من الخطأ قراءة الكثير من الاختلافات الأساسية بين لغتي الأمتين المتحاربتين. فالألمانية ليست لغة عائمة كأن تكون عامية أو قبيحة أو لغة خلو من المعنى مقارنة بالانكليزية ذات الأنغام العذبة والمثقفة، بل هي لغة قد جُندت عسكريا في خدمة خطاب مختلف: الفاشية. فعندما يتم اختيار اللغة كزميلة للحقل السياسي فأنها بذلك تفقد المعنى عبر انتحالها امتلاك قوة المعنى. كل ذلك ينشأ من تشويه لفظي بسيط. وبالنسبة إلى دولوز، يحتفظ فيلم (الدكتاتور العظيم) بكل من المرونة والتنويع، السلطة والعلامات التي توظف في خدمة البرليسك (السخرية) لكن باستخدام الفيلم لذلك النمط من السخرية ودفعها إلى أقصى حدودها فإنه يقدم رؤية ثاقبة لأشكال اكبر حيث يربط المجازي بالحرفي، الفيلم بالواقع والجزء بالكل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. مخرج أمريكي (1911-1979) اشتهر بفيلمه (Rebel without a Cause، ثورة بلا سبب). تم اختيار فيلمه (جوني غيتار) في العام 2008 ليحفظ في مكتب التسجيل السينمائي الأمريكي من قبل مكتبة الكونغرس كونه فيلم ذا أهمية ثقافية وتاريخية وجمالية. (المترجم)
2. فيلم من أفلام الغرب الأمريكي (الكابوي) لمخرجه هاورد هوك وهو مخرج أمريكي (1896-1977). م
3. مخرجة وممثلة وراقصة ألمانية (1902-2003) اشتهرت بفيلمها (انتصار الإرادة 1935) وهو فيلم وثائقي دعائي يؤرخن لمقر قيادة الحزب النازي في عام 1934. تضمن الفيلم مقتطفات من الخطب التي ألقاها قادة الحزب إضافة إلى خطب هتلر. م








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??