الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن أقباط مصر

سميح مسعود

2013 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


مصر هي بلد الحضارة ، شهدت أرضها أرقى حضارة عرفتها الشعوب القديمة ، ارتبطت بالحضارة الإنسانية منذ عصور ما قبل التاريخ ، وتفاعلت مع غيرها من الحضارات الأخرى .

إنها أول دولة ظهرت في العالم كوحدة سياسية حول نهر النيل ، يمكن التعرف عليها من معالمها ومكنون اثارها الكثيرة التي ما زالت باقية حتى الان في الزمن المعيش.

ومصر هي بلد الفكر والحرية والثقافة والعلم والمواهب والفن الأصيل ، هي بلد أول جامعة عربية متكاملة في العصر الحديث ، وبلد أقدم ثاني سكة حديد تقام في العالم بعد بريطانيا ، وبلد أول دار للأوبرا في الدول العربية ، وبلد أول رواية عربية ، وأول فيلم سينمائي عربي ، وهي بلد أول "أمور" أخرى كثيرة دفعت الحياة بها إلى أفاق عديدة مزدحمة بالمشاغل والمظاهروالأفكارالعصرية.

إنها بلد القبطي السياسي الكبير الراحل مكرم عبيد ، صاحب المقولة الشهيرة "نحن مسلمون وطناُ ونصارى ديناً ، اللهم اجعلنا نحن المسلمين لك وللوطن أنصاراً ، اللهم اجعلنا نحن نصارى لك وللوطن مسلمين " إنه الرجل الوحيد الشجاع الذي شيع جنازة الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين بجانب والده بعد أن منع البوليس السياسي وقتذاك مشاركة الرجال في الجنازة ، وهو نفسه الذي أصبح سكرتيراً لحزب الوفد الشهير خلفاً لسعد زغلول بعد موته .

وهو نفسه رجل مصر الكبير الذي يستبيح غلاة التطرف حالياً دماء أحفاده ومواطنيه من الأقباط ، بسبب معتقدهم الديني ، لأن دينهم غير دين الدولة .

مصر "هي أم الدنيا " أكبر من غلاة التدين ومتطرفيه ، وأكبر من غلاة التكفير، ممن يروجون إلى عدم التسامح وإقصاء الأخر وسفك الدماء ، وتقسيم الشعب الواحد إلى طوائف تتناحر وتتضاغن وتتقاتل .

ثمة مقولة تاريخية مفادها : " المسلمون والأقباط في مصر عرق واحد وليسوا عرقين وأمة واحدة وليست أمتين " وثمة شواهد ودلالات كثيرة تظهر أن محمد علي مؤسس مصر الحديثة قد ساهم في القضاء على التفرقة بين المسلمين والأقباط ، حقق المساواة التامة بينهم في الحقوق والواجبات ، وفي مرحلة لاحقة لزمنه تم تطبيق قانون الخدمة العسكرية على الأقباط وألغيت الجزية التي كانت مفروضة عليهم ، ودخلوا سلك الجيش والقضاء ، مما أدى إلى تمتعهم بالمواطنة الكاملة المتساوية مع إخوتهم المسلمين في عهد الخديوي اسماعيل في القرن التاسع عشر .

هكذا كان الأمر فيما مضى قبل عشرات العقود من السنين ، والأن تعود للأسف التفرقة على أساس الدين إلى مصر في زمن العلم الحديث والنور والقرية الكونية والانترنت واكتشاف الفضاء ، يطل غلاة الدين ، ويعملون بكل قوتهم على إرجاع عقارب الزمان إلى الوراء ، تأخذهم أفكارهم التكفيرية بعيدا ً عن كل ما هو إنساني وعقلاني .

المغامرة توفر لهم أجواء عنف وارهاب ، تخلق في الحياة المصرية نوعاً من التوتر ، تتوالى تداعياته بين الحين والحين في مشاهد مؤسفة غريبة تُسفك فيها دماء الأقباط ، ويعم السلب والنهب والتخريب والحرق لدور عبادتهم وبيوتهم ومتاجرهم وممتلكاتهم ... أحداث مؤلمة وجرائم طائفيةعنصرية بشعة يرفضها الضميرالإنساني والقانون وكل الاديان .

إن المطلوب في هذه المرحلة من التطورات السياسية في مصر ، هو إيقاف التمييز والتعصب والعنصرية ضد أقباط مصر قبل فوات الأوان ، بضمان كامل الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من المسلمين، وضمان حقهم في العيش بسلام على أرض وطنهم وأجدادهم .

وهذا يستدعي التصدي لتوظيف الدين في الحياة السياسية المصرية ، لأن تسلطه من شأنه ان يؤدي إلى تطورات مأساوية خطيرة متسارعة ، ستترك بصماتها على مجريات الحياة لسنوات طويلة ، وتؤدي بالتالي إلى الدمار والخراب وانهيار الأمة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والإجتماعية .

من المؤسف والمحزن معاً ، أن تشهد مصر مع إطلالة العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تطورات تظهر فيها تيارات الإسلام السياسي ، حاملة لواء الغلو والقمع والقتل والغاء الأخر ، وعدم الإعتراف بشركاء الوطن والأرض والتراب ، وجعل المسلم هو المواطن من الدرجة الأولى ، والقبطي من الدرجة الثانية .

وفي هذا مخالفة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على أن كل الناس سواسية أمام القانون ، ويعطي كل إنسان الحق في حماية متكافئة دون أي تفرقة ، حماية متساوية وفعالة ضد أي تمييز كان على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو غيره .

إن تعزيز حقوق الانسان المصري والعربي بشكل عام ، المسيحي والمسلم على حد سواء ، يكمن في إقامة الدولة المدنية، التي تقوم على السلام والتسامح والمساواة في الحقوق والواجبات، والتي يحكمها الدستور والقانون والمؤسسات المدنية ، وتكفل المواطنة المتساوية لجميع المواطنين بغض النظرعن منابتهم ومعتقداتهم .

إنها تعطي لكل مواطن فيها الحق في حرية الفكر والوجدان والدين ، ويشمل هذا الحق " حريته في إظهار دينه أومعتقده بالعبادة وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده أومع جماعة."

لقد أثبتت التجارب الإنسانية في كثير من دول العالم ، أن الدولة المدنية قد لعبت دوراً حاسماً في تحقيق المصلحة العليا للمجتمعات المختلفة ، وهي وحدها القادرة على إلحاق الدول العربية بركب الحضارة المعاصرة ، إنها وحدها الهدف المنشود .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بدون تعليق
عدلي جندي ( 2013 / 4 / 8 - 23:04 )
رائع

اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ