الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جهاد النكاح..!!

حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)

2013 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


تناقلت وسائل الإعلام، في الآونة الأخيرة، أخباراً عن سفر فتيات تونسيات لتقديم خدمات جنسية "للمجاهدين" في سورية، استجابة لفتوى عنوانها "جهاد النكاح". وقيل إن صاحب الفتوى سعودي، لكن المعني أنكرها.
على أية حال، يمكن التعليق على أخبار كهذه بالسخرية. وهذه طريقة علاجية شائعة، تمارس فيها مفردات وطقوس السخرية دور المطهر. ويمكن التعليق عليها، أيضاً، بالاستنكار، وهذه طريقة شائعة لرسم خط على الرمال، أي الرفض، وتسجيل نقاط أخلاقية جديدة في سجال طويل مع عالم وأشباح القرون الوسطى.
هذه الأشياء مفيدة، لكنها لا تجيب عن أسئلة من نوع:
أولاً، متى وكيف ولماذا أصبحت "الفتوى" مرجعية للسلوك الشخصي والعام في الحواضر العربية. وقد كانت، حتى وقت قريب، محصورة في نطاق الأحوال الشخصية، تحت رقابة الدولة، ووزارات الأوقاف والشؤون الدينية، والمؤسسات التشريعية والقضائية؟
ثانياً، متى وكيف ولماذا أصبحت "الدعوة" مهنة حرّة؟ ومعنى هذا الكلام أن كل شخص يملك، نظرياً، حق الإفتاء في ما اختصم عليه الناس، دون التدليل على مؤهلات أو كفاءة "مهنية"، في ظل غياب مرجعيات تحظى بالاعتراف، وتملك القدرة والحق على التمييز بين الزبد وما ينفع الناس.
ثالثا، في العثور على إجابات محتملة على السؤالين السابقين ما يمكننا من تفسير: لماذا تلقى "فتوى" أطلقها مجهول (استنكر عدد من الدعاة وممثلي الإسلام السياسي الفتوى المذكورة، ووصفوا صاحبها بالمعتوه) استجابة من جانب فتيات في تونس أو غيرها؟
رابعاً، ومع هذا كله في الذهن، لماذا تدور الغالبية العظمى من الفتاوى حول موضوع النساء، والجنس، والزواج والطلاق، والغواية، بينما لا تحضر قضايا العدالة الاجتماعية، والمساواة، والفقر، والبطالة، والفساد، والسمسرة، والدكتاتورية، وانتهاك حقوق الإنسان، وفضائح التبذير المروّع للثروة من جانب أغنياء النفط وشركائهم في كل البلدان العربية؟
وعلى هامش أسئلة كهذه فلنقل إن ظاهرة التأثير على السلوك الشخصي والعام، بتأويلات دينية لا تحظى بقبول الغالبية العظمى من الناس، ليست حكراً على مجتمعات العرب. ففي أميركا، مثلاً، من التأويلات والطوائف الدينية الغريبة والعجيبة، ومن "المعتوهين" ما يستعصي على الحصر:
قبل خمسة وثلاثين عاماً، أقنع شخص يدعى جيم جونز، على رأس كنسية تدعى "معبد الشعب" ما يزيد على تسعمائة من أتباعه، بالانتحار الجماعي، تمهيداً للانتقال إلى عالم آخر، والعيش في سعادة أبدية. وكانت تلك أكبر حادثة انتحار جماعية في تاريخ الولايات المتحدة، وربما العالم.
ولكن الفرق بين المجتمعات العربية من ناحية والمجتمع الأميركي من ناحية أخرى، يتجلى في حقيقة أن هذا النوع من الأشخاص، وتأويلاتهم الدينية، وبقدر ما يتعلّق الأمر بالأميركيين ومجتمعات غربية أخرى، لا يتمفصل في الغالب حول الجنس، ولا يمثل التيار الرئيس في المجتمع، بينما صعد هؤلاء، في الحواضر العربية، وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية، من الهامش واخترقوا التيار الرئيس. وفي هذا ما يشعل أكثر من ضوء أحمر.
ولستُ، هنا، بصدد تقديم إجابات على الأسئلة سالفة الذكر. فهناك أدبيات كثيرة بلغات مختلفة من بينها العربية، خاصة في السنوات الأخيرة، حول عمليات الأسلمة في الحواضر العربية، وسياقها السياسي والاجتماعي والثقافي. ويعنيني، فقط، التفكير في السؤال الرابع: لماذا تحضر مشكلة الجنس، وتغيب مشاكل الحرية والعدالة، والفقر، والثروة، والمساواة..الخ.
يصعب التفكير في سؤال كهذا دون لغة خاصة. ومنها، مثلاً، تعبير "الحواضر". فتعبير "العالم العربي" مضلل، طالما أن الواقع يدل على عوالم عربية لا على عالم واحد. كان إلغاء الخصوصيات التاريخية، والثقافية، وتجلياتها الاجتماعية والسياسية والروحية، ما بين مجتمعات أودية الأنهار وسواحل المتوسط، ومجتمعات الصحراء والواحات الصحراوية، مفيداً للقوميين العرب، وهو مفيد للإسلام السياسي، لأسباب مختلفة بطبيعة الحال.
وقد تمكنت المجتمعات الأخيرة والمتأخرة، مسلحة بثروة خرافية، من اختراق الحواضر، على أمل الاستيلاء عليها. والمهم، في هذا كله، أن الدول التي نشأت في تلك المجتمعات استندت إلى تحالف الزعامات القبلية مع الفقهاء. وفي سياقه أصبح التحالف جزءاً من بنية النظام، ووُزّعت حقول الاختصاص بين الجانبين، حيث استثأر الحكّام بالسياسة، والأمن، وإدارة شؤون الثروة، واستأثر الفقهاء بالأخلاق العامة، والأحوال المدنية.
لم ينج التحالف من التوتر من حين إلى آخر، ولكنه ما يزال صامداً، بل وأصبح، نتيجة الثروة الخرافية، قابلاً للتصدير والمحاكاة. وهي عملية لا تخضع لخارطة طريق، بقدر ما تنجم عن ملايين يومية من مفردات وعناصر التجنيد والتعبئة البصرية والسمعية، في الراديو، والتلفزيون، والجريدة، والكتاب، والحضانة، والمدرسة، والجامعة، والمقهى، والسوبر ماركت، والمطعم، والطائرة، والسيارة، والشارع، وثياب الرجال والنساء، والبنايات، والفنادق، والمصارف، ودور العبادة، والفضاء الاجتماعي العام.
بمعنى آخر: طالما أن العمل بالسياسة والكلام فيها وعنها ممنوع، لا تصبح الأخلاق العامة، وقضايا الأحوال المدنية، الأمر الوحيد المُباح وحسب، بل وتتحول، أيضاً، إلى حقل للتنافس لدى العاملين في حقل إنتاج وتسويق خطاب الأخلاق، وعلى رأس أولوياته خطاب النساء والجنس. وهما مُفتاح بنية السلطة البطريركية.
وإذا رأينا هذه الدينامية في سياق عملية التصدير والمحاكاة، وهي ذات تجليات لا تحصى، ووضعنا في الاعتبار حقائق من نوع أن القوى الفاعلة في العملية لا تقتصر على أجهزة الدولة، بل وتضم ما يمكن تسميته بالقطاع الخاص: رجال الأعمال، والجمعيات والجماعات الأهلية، والجامعات والمعاهد الدينية، والهيئات الدولية العابرة للحدود، وقطاع الرياضة، والصحافة، والدعاية والإعلان، والإنترنت، والطباعة والنشر، والإنتاج الفني السمعي والبصري، والفضائيات الخاصة، سنجد أن خطاب الجنس والنساء هو الأقل تكلفة، والأوسع انتشاراً، والأقل إثارة للمشاكل سواء مع النظام في بلد المنشأ، أو مع مستثمريه وشركائهم في بلد الاستيراد.
هذا التحليل لا يقلل من شأن العوامل الداخلية، والخصوصيات المحلية في بلد الاستيراد، لكنه يركز على أمرين: عملية التصدير والمحاكاة، المحكومة بضوابط عدم الاقتراب من السلطة والثروة، والتنافس المفتوح في حقل إنتاج وتسويق خطاب الأخلاق. ولعل فيهما ما يمكننا من فهم ما أوصلنا إلى "جهاد النكاح".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات متواصلة في جامعات أوروبية للمطالبة بوقف إطلاق النار


.. هجوم رفح.. شحنة قنابل أميركية معلّقة | #الظهيرة




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي شمالي إسرائي


.. فصائل فلسطينية تؤكد أنها لن تقبل من أي جهة كانت فرض أي وصاية




.. المواطن الفلسطيني ممدوح يعيد ترميم منزله المدمر في الشجاعية