الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاسلام السياسي وتجربة الدولة في الجزائر : الفرصة الضائعة .

ثامر ابراهيم الجهماني

2013 / 4 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


الاسلام السياسي وتجربة الدولة في الجزائر : الفرصة الضائعة .

تجربة عشتها بكل تفاصيلها الجميلة ونهايتها الحزينة ، كم تمنيت أن تلوح الفرصة في الأفق لاستلام التيار الاسلامي الحكم في دولة من الدول العربية ، التي عانت من الاستلاب عقود من الزمن . فتنتقل العدوى الى باقي الاقطار وربما تكون سوريا من ضمن القائمة للوصول لهدفين اولهما الخلاص من الطاغية حافظ الاسد وثانيهما عودة أمجاد الاسلام المشرق وخصوصا ً دولة العمرين . رضي الله عنهما .
في بداية تسعينيات القرن الفارط ، وعلى إثر استشعار الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد من إقتراب إحكام خيوط السيطرة حول رقبته ونظام حكمه من قبل أباطرة العسكر ( الحكام الحقيقيون ) وعلى رأسهم وزير الدفاع خالد نزار . وبعد ان اشتد الصراع وبات جلياً أكثر من ذي قبل أن الكفّة راحت ترجح أكثر فأكثر لجماعة خالد نزار وجنرالاته خريجي أكاديمية شرشال العسكرية ..
راح الشاذلي بنجديد يبحث عن طريقة ليقلب المجن . على رؤوس اصحابها عندما أيقن ان المجموعة التي دفعت به الى سدّة الحكم بعد أن كان قائداً مغموراً للمنطقة الغربية ( وهران وما حولها )، قررت أن تستبدله بآخر وتجعل منه كبش فداء وأضحية تُمسح بها السكاكين وتعلق عليهاأخطاء المرحلة السابقة وفساد استشرى بالبلاد حتى بلغت المديونية 26 مليار دولار .سيما وأن الشارع الجزائري بدى أكثر جاهزيةلتكرار انتفاضة 1987 العفوية التي فجرها مجموعة من الاطفال وعمت البلاد خلال 24 ساعة.
عود على بدء :
قرر الشاذلي بنجديد أن يتغدى بهم قبل موعد العشاء ، ويقطع عليهم كل السبل لتشويه سمعته . علماً أن الرئيس كان موضع تندر الجميع لغبائه .
اتخذ الرئيس مجموعةمن القرارات الجريئة التي أبهرت الجمهور وفاجأت خبراء السياسة ( كعادة الجزائر التي لاتستطيع فيها أن تتوقع أي شيء ) .
من أهم تلك القرارات اطلاق سراح مجموعة كبيرة من المعتقلين السياسيين ومنهم الاسلاميين .وفي مقدمتهم جماعة(بو يعلي ) المعتقلون من أيام الرئيس الراحل هواري بو مدين ، وهم من المجموعات المحسوبة على التيار المتشدّد والذين انخرطو في مابعد في الجبهة الاسلامية للانقاذ ( فيس ) .
أما القرار الاهم هو اعلان حالة الديموقراطية والتعددية الحزبية دون أي تمهيد ولو على المستوى السياسي.
خلط هذ القرارجميع الاوراق ، واصبح الساسة والعسكر كالسكارى . وأدهش الشعب .
تسابق الجميع الى تأسيس الاحزاب بكل انواعها على سبيل المثال، اليسارية العمالية ( لويزة حنون ) ، الاسلامية ( عبد الله جاب الله ) ، ( محفوظ نحناح ) ، ( عباسي مدني ) ، ( أحمد بن محمد ) ، وأحزاب أخرى ذات بعد قومي ( FLN) ...اضافة لحزب جبهة التحريرالوطني الحاكمة ( عبد الحميد مهري ) ,,, تكاثرت الاحزاب ختى فاقت 60 حزباً .
كل ذلك كان ضمن التطور الطبيعي والافراز السياسي والشعبي لقرار بهذا الحجم . سيما وأن الشعب الجزائري تواق للحرية والتعبير كغيره من شعوب العالم .
ما يهمنا هنا هو ظاهرة الجبهة الاسلامية للانقاذ ( فيس ) وزعيمها السياسي عباسي مدني ونائبه الزعيم الشاب علي بلحاج . الذين تداعو فور صدور القرار هم ومجموعات أخرى ظهرت الى النور بعدعقود من العمل السري واجتمعوا في عاصمة الاوراس ليعلنوا قيام جبهتهم بعد أن انخرط فيها أغلب المفرج عنهم من جماعة (بو يعلي ) . ذات البعد الاسلامي رغبة منهم إقامة الدولةالاسلامية المنشودة .
لكن ما لفت انتباهالمراقبون كثرة الاحزاب الاسلامية مقارنة مع مثيلاتها من التوجهات الاخرى .. لم تكنمن نقاط تقارب بينهم سوى اسم الاسلام ، بعضها كان ينشد بناء دولة اسلامية معاصرة منفتحةكحزب ( الجزائر المسلمة المعاصرة ) رئيسه الدكتور أحمد بن محمد وهو استاذي في الجامعةفي تلك الاوقات .
اما تيار محفوظ نحناح كان أكثر قربا من السلطة وأكثر مهادنة ، بينما جبهة الانقاذ كانت الاكثرتشدداً حتى حدوث الشرخ الاكبر وظهور تياران داخل الجبهة على الاقل هذا ما تبدى لي:
التيار الاول: تيار سياسي يتزعمه عباس مدني
التيار الثاني: تيار عسكري متشدد يترأسه ظاهرياً علي بلحاج ..أما من يتحكم بمقدراته وقراراته جماعةبو يعلي .
ظهر هذا التياربعد اعلان الحكومة عن موعد إجراء انتخابات الادارة المحلية ( البلديات ) ، وإقدام الحكومةعلى تزوير الانتخابات قبل أن تبدأ ..عبر تقسيم الدوائر الانتخابية وما الى ذلك من ألاعيب الانتخابات ..الا أن الجبهة الاسلامية للانقاذ أكتسحت الجميع وفازت بالانتخابات بنسبة100% لجميع الدوائر الانتخابية على المستوى الوطني الجزائري ..رغم أنه لم يمضي علىتأسيس الجبهة سوى عام واحد فقط ولم تضع بعد نظام داخلي مكتوب للجبهة ..واستعاضت عنه بشعارات تحاكي الشارع أحياناً وتتحداه مرة أخرى ( لا قانون لا دستور قال الله قال الرسول) .
راحت حكومة ميلود حمروش تختلق الذراع لتحبط نجاح الجبهة . فضيقت عليها بالميزانية وتعطيل القرارات المفيدة للناس عبر آليةالبيروقراطية المستشرية في العقل الوظيفي الحكومي . هذا من جهة ومن جهة أخرى حاجةالناس الملحّة لتلبية احتياجاتها النوعية وآمالها المعقودة على الجبهة لتحسين أوضاعها المعيشية .
نجحت الجبهة نسبيا ً في تأمين احتياجات الناس خصوصاً أن شهر رمضان المبارك كان على الابواب والصورة النمطية المتكرسة في عقول الناس أنه شهر الاسراف في المأكل والمشرب . إذا التحدي كبير .
اتبعت الجبهة سياسة خدمية جديدة تطوعيةاعتماداً على كوادرها وتطوع عدد هائل من الشباب الملتزم لتقديم الخدمات للجمهورعبر تطبيق شعار (( من المنتج للمستهلك )) ، أي حذف نقطة الوصول من المنتج الىالمستهلك ( ( تاجر الجملة وتاجر التجزئة )) بذلك ان أي توفير بقيمة المنتج تعود على المواطن لاسيما أن الجهات القائمةعلى العمل ( اللجان الشعبية ) لا تقتطع لنفسها اية ارباح بل هي خدمات مجانية تقرباً لله ( اسواق الرحمن ) ، كانتتلك التجربة الرائدة مثالاً يحتذى به ..
سارت الامور بين شد وجذب فترة أشهر لايستهان بها . الى أن جاءت تجربةالانتخابات البرلمانية ..كأول تجربة ديموقراطية في ظل التعددية الحزبية ..تسابقت الاحزاب لعقد الاتفاقيات والتحالفات . كانت الجبهة الاسلامية للانقاذ المنافس الأكبر لجبهة التحرير الوطني .
كعادتها أقدمت الحكومة على اللعب بالنتائج قبل بدء الانتخابات عبر آلية تقسيم الدوائر ( تزوير مبطّن ومفضوح ) ، بينما كان النظام السابق للانتخابات ينص على وجود نائب لكل 50 ألف صوت . تم تبديل النهج الى نمط نائب لكل دائرة انتخابية فالدوائرالموالية لجبهة التحرير ذات الكثافة السكانية القليلة 10 ألاف ناخب اصبحت دائرةانتخابية تفرز نائب في مجلس الشعب ، بينما الدوائر الكبيرة ذات الكثافة السكانيةالموالية للتيار الاسلامي والتي تفوق تعدادها على حساب الاصوات الـ 50 ألف ناخب لها صوت واحد ... تعالت الاصوات الرافضةوالمحتجّة لرفض تعديل الدوائر الانتخابية، وتظاهر كثيرون وشجبوا واستنكروا إلا أن عجلة الوقت سبقتهم الى أن جاء موعد الانتخابات .
قاطعت بعض الاحزاب الانتخابات وخاض التيار الاسلامي الانتخابات بعد حملة انتخابية شديدة التركيز انطلاقاً من الاحياء الشعبية التي كانت مركز ثقل في العاصمة الجزائرية ( منطقة القبة ) ، كانت النتيجة بعد التزويرالمفضوج ان فازت الجبهة الاسلامي للانقاذ بالاغلبية المطلقة بنسبة 51% من الاصوات تحت فبة البرلمان بينما تقاسمت باقي الاحزاب المقاعد الاخرى وجاء ت جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم بالمرتبة الثانية.
هنا جاء مخاض جديد داخل الجبهة الاسلامية (الفيس ) أفرز اصوات مختلفة داخل الجبهة ممكن تحديده بثلاث اتجاهات :
1- تيار وسطي يناديب قبول النتيجة مع ابداء الاستياء والرفض للتزوير ودخول المعترك السياسي تحت قبةالبرلمان ، سيما ان اي قرار او قانون هم قادرون على ايقافه او تمريره باعتبارهم اصحاب الغالبية المطلقة . والتحضير بكثافة للمرحلة القادمة وهي انتخابات الرئاسة .
2- تيار رافض لكنه سلمي دعى لرفض النتيجة وادواتها المخالفةللقانون بالطرق السلمية والاعتصامات بالساحات العامة حتى يستجاب لمطالبهم باعادةالانتخابات بعد تصحيح قانون المناطق الانتخابية . وكان له ذلك .
3- تيار متشدد دعى لرفض الانتخابات واللجوء للقوة ضد الكفرة .
رجح موقف التيارالثاني بالنتيجة بعد صراع داخلي خطير وضع الجبهة امام استحقاق وجودها مقابل استحقاق وطني مهم .
تم اصدار بيان بموقف الحركة ونودي للاعتصام السلمي المفتوح في ساحة الشهداء بالعاصمة والتحق بهذا الاعتصام المفتوح اعداد غفيرة ..شل العاصمة الجزائرية سياسياً ..وراح الجميع يبحث عن حلول ووساطات لتخفيف الهوّة والبون الشاسع بين الجبهة والحكومة التي يترأسها مولود حمروش .
وللتذكير ان رئيس الحكومة حمروش قد انزل بالبارشوت على المشهد السياسي وهو ابعد مايكون عن السياسة وهو الشخص الذي كانت مهمته حمل المظلةللراحل هواري بومدين ..وقد دعى لاجتماع عام بالجماهير في ملعب رياضي وسط العاصمةوحال دخوله الى المنصة فوجئ كما فوجئ الجميع أن الجمهور بالاجماع فتح المظلات ترحيبا به واستهزاءً بقدراته .
بعد ايام الغليان في الشارع السياسي والتهاب المشاعر لدى الشعب الجزائري والتجاذبات اتبعت الحكومة الجزائرية اسلوب التشبيح والاستعانة بالمرتزقة للتحرش بالمعتصمين وجرهم الى رد الفعل الغاضب وقد نجح بذلك بعد عدة محاولات قاموا بها باطلاق النار بالهواء مما اثار حفيضة التيار المتشدد وكانت تلك شرارة الحرب الاهلية بالجزائرالتي أدت الى ازهاق الاف الارواح البريئة وتأزيم الحراك السياسي واعادته الى المربع الاول واعطاء الفرصة للجناح العسكري باللجوء الى القوة واستخدامها بعنف مفرط ..وبذلك دخلت الجزائر نفق العنف المتبادل فالدولة متمثلة بالجيش تتمسك بالامن الوطني واستقراره كوسيلة لقمع مخالفيها واحكام السيطرة على البلاد ..في خضم تداعيات استقالة بن جديد . اما التيار الاسلامي فقد خسر كل ما حققه من انجازاتسياسية اضافة للمد الجماهيري الساحق . تحت وطأة بحث المواطن عن الامن والاستقرار .
بعدة سلسلة من العمليات العسكرية المتبادلة والتي شوهت سمعة الاسلاميين ولا ننكر ان الجيش الجزائري ارتكب العديد من المجازر والاغتيالات لوصم التيار الاسلامي المتشدد بالقتلة والارهابيين . ولا ننكر اخطاء فئات متشددةصعدت الى الجبال واعلنت الجهاد المقدس .
بذلك تكون الحركة الاسلامية والشعب الجزائري قد اهدروا فرصة تاريخية لنتتكرر .
كل ما كتب هو ما عشته وشاهدته وسمعته من نبض الناس فيذلك الوقت تعمدت الحياد في نقل ذلك قدر المستطاع والله من وراء القصد
المحامي ثامر الجهماني
8/4/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس الحرب الحالية.. ما الخطر الذي يهدد وجود دولة إسرائيل؟ |


.. مجلس النواب العراقي يعقد جلسة برلمانية لاختيار رئيس للمجلس ب




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقف مفاوضات صفقة التبادل مع حماس | #


.. الخارجية الروسية تحذر الغرب من -اللعب بالنار- بتزويد كييف بأ




.. هجوم بـ-جسم مجهول-.. سفينة تتعرض -لأضرار طفيفة- في البحر الأ