الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هنيالج يمه

يحيى الحميداوي

2013 / 4 / 9
كتابات ساخرة


هنيالج يمه
تشد عصابتها السوداء التي تتفن في لفها وتكويرها لتكون علامة مميزة لها بعد ان دخنت سيجارة رويال واستكان شاي .نقوشها الزرقاء ذات الفن السومري تطرز يديها فتحيل تفاصيل جسدها الى لوحة ذات ارث عظيم ,أمي سنين من الوجع وخاصرة من الألم رحلة من الأماني الضائعة وخرائط من التنقل بين مدن من الضياع ,تنقلت حيث شاء لها القدر ان تكون تبحث عن مأوى لجياع بلا معيل صرخات تشق عنان السماء لتوصل الارض السبخ بخيوط من الغيم الذي شح في زمن الطغاة ,باعة الملابس القديمة في سوق المدينة لتحمل عن صغارها حرارة الجوع ,تنقلت في عيادات الاطباء ترتب عياداتهم ,تخبز للنساء مقابل الارغفة السبعة وبعض دنانير,صراخ امي ودموعها وهي تغير الطشت من جهة الى اخرى في ليالي الشتاء الماطرة بعد ان امطر السقف علينا رحمته وابتلت ملابس المدرسة ونحن لانملك سواها يعيرها احدنا للأخر لكي نكمل الدوام فيها ..نواعيها اخر الليل مواقد لاتنطفئ :
وك ليش ما مريت بيه
وانه الفتحت اجفوف اديه
اختك وطكتني البليه
اليوع يا خويه ولاني
تندب اخوتها وتصيح في وجه الليل الساكن تتمنى حضور من رحلوا وكانوا على اعتاب بابها يسألون , أمي لم يتبق لها من أبي غير راتبه التقاعدي الذي لم يكن يكفي علاجا لجدتي الراقدة تسعون دينار تستلمها لتنوح بعد ان ينفض اخر دينار من جيبها كأنها فقدت ابي هذا حالها كلما ذهبت لاستلام الراتب التقاعدي في زمن الملعون تمضي الايام ويشتد عود اليتامى ولكن الجيش لهم بالمرصاد وأمي مازالت كما الجبل شامخة تجمع الثلج في قمتها لتمنح العطاشى الماء في لحظات العطش ترقبت وانجلت الغمه كما كانت تعتقد وانتهى عصر الطغاة وجاء من تذوق المرارة والتشرد والضياع ,استبشرت خيرا سوف تذهب للحج وقبلها تزور الرضا ستزوج ابنائها السبعة وتلطم وجه من لطمها (تستغفر الله امي ستعفو عن ما مضى ) ولكن امي لن تنسى انها جاعت وهم شبعوا ولن تنسى دفئهم ورجفات اضلعها ولن تنسى رقصهم وعويلها ولن تنسى انها تستلم كل شهرين راتبا تقاعدي لايكفي لعلاجها بعد ان رحلت جدتي وهي محملة بالمرض الذي لم تشفه الدنانير التسعين ولم توفر علاجه ,امي كتب عليها ان تكون نائحة ولاطمة وعداده ولن تنتهي مأساتها فما زالت تستلم راتبها الذي لم يكفى علاجا لها ولم تذهب للحج ولم تزور الرضا ولم تغير دشداشتها السوداء وما زالت تلف عصابتها وتدخن الرويال وتسير متعكزة على حائط النكبات لتستلم ما تجود به الحكومة التي امتهنت الشعب وحطت من قدره وأكرمت القتلة وأعادت اليهم رواتبهم لكي ينعموا كما كانوا مترفين ,بدواعي المصالحة الوطنية عاد من قتل الوطنية والإنسانية ليكون ( هو ابو الراهي ) وأمي المسكينة مدمنة للوجع والتشظي ,هنيالج يمه بهذه الحكومة التي انتظرتي سبعين سنة كما كنت تقولين ( تدعين بكل مسية ) هذا هو الفرج ,جاء ولكن ليس للجياع وإنما للذين قتلوا الجياع ......

يحيى الحميداوي
بغداد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لوحة من البؤس الحقيقي
البدراني الموصلي ( 2013 / 4 / 13 - 16:54 )
انها حقا لوحة من تراجيديا الوجع العراقي المزمن .
وهي انعكاس مليئ بالصدق العفوي المتراكم في زوايا كل انسان شريف , ينفلق دماغه الى نصفين , احدهما الدهشة الهائلة مما يفعله الدجالون المزيفون المتسلطون على رقاب الملايين , والنصف الاخر هذا الذي ينسحق تحته الملايين من امثال هذه الأم العراقية الرائعة
وان كانت هذه المقالة تحت باب ( كتابات ساخرة ) فلأنها تنضوي فعلا تحت المقولة الشائعة ( شر البلبة ما يضحك)و
شكرا اخي يحيى لانك ايقظت في داخلي الاما مشابهة تدفعني الى الشعور بضرورة ان اعود مرة اخرى الى النضال بما تبقى من سويعات العمر , ولعلها توقظ نفس المشاعر عند من يمتلكون عقودا من عمر نتمناه ان يكون لهم كما نريده انا وانت والمسحوقون تحت الركام .

اخر الافلام

.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07


.. برنار بيفو أيقونة الأدب الفرنسي رحل تاركًا بصمة ثقافية في لب




.. فيلم سينمائي عن قصة القرصان الجزائري حمزة بن دلاج


.. هدف عالمي من رضا سليم وجمهور الأهلي لا يتوقف عن الغناء وصمت




.. اختيار الناقدة علا الشافعى فى عضوية اللجنة العليا لمهرجان ال