الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة الناعمة لأوروبا الشرقية - النموذج الأوكراني

بازغ عبد الصمد

2013 / 4 / 10
السياسة والعلاقات الدولية


قد يستغرب القارئ للوهلة الأولى هذا العنوان، و يتبادر إلى ذهنه سؤال مشروع، هل أصبح لأوروبا الشرقية الخارجة لتوها من عباءة الإتحاد السوفياتي المنهار، قوة؟ على اعتبار أن عقدين من الزمان لا يشكلان في حياة الدول و الشعوب زمنا طويلا، و هل أضحت هذه الدول تمتلك هذه النسخة الحديثة لمفهوم القوة، و هل أوكرانيا بالذات تعتبر نموذجا لهذا النمط من أنماط القوة يتجاوز محيطها الجيوسياسي ليؤثر على منطقتنا العربية و في شقها المغاربي بالخصوص. هذه الدولة كغيرها من دول أوروبا الشرقية لا زالت تعاني من التبعات السلبية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية الناجمة عن فترة الهيمنة السوفياتية، و المثقلة بالفساد الاداري و الاقتصادي و الأزمات السياسية، و ان كانت أوكرانيا و بولونيا الشمعتان المضيئتان اللتان تبددان الظلمة التي تبدو شديدة العتمة إن صح التعبير في منطقتهما، دون ان ننسى أيضا أن وضع هاتان الدولتان قد يبدوا أفضل حالا بالمقارنة مع أوضاع العديد من الدول العربية.
إن الجواب عن هذه الأسئلة يقتضي أولا تعريف القوة الناعمة، و هذه الأخيرة مفهوم صاغه عميد مدرسة كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفرد – جوزف س ناي- و عرفها على أنها القدرة على الحصول على ما يراد عن طريق الجاذبية، التي تتولد من الانجذاب إلى القيم المشتركة و العدالة و توليد التعاون..و تعرف أيضا على أنها القدرة الروحية و المعنوية للدولة من خلال ما تجسده من أفكار و مبادئ و ثقافة و فن...، مما يؤدي بالآخرين إلى احترام هذا الأسلوب و الإعجاب به و إتباع مصادره و من تم تستطيع أن تمتلك عقول و قلوب الآخرين و تدفعهم للتضامن معك، و بالتالي فللقوة الناعمة آليات عمل من خلال السلوك و الذي يمكن أن ندرج ضمنه الثورات و التحركات الشعبية العالمية و التظاهرات الرياضية و الفنية و على هذا الأساس لا يمكن نفي امتلاك دولة من الدول أو مجتمع من المجتمعات هذه القوة لكن الأمر لا يعدو أن يكون في نظري تفاوتا في درجات هذه القوة و القدرة على تحويل هذه القدرات إلى هذا النمط من القوة للتأثير في الآخرين.
و من هنا تشكل الثورة البرتقالية في أوكرانيا مطلع 2005 و التي تمكن من خلالها مئات الألوف من المتظاهرين سلميا، من تغيير نظام الحكم في هذا البلد في مشهد عد الأكثر تأثيرا منذ سقوط جدار برلين و الذي أفزع العديد من الدول و أولها روسيا التي حذرت مواطنيها من أن أي تحركات برتقالية سيتم سحقها بدون رحمة، و إن كانت هذه الثورة اليوم في احتضار إلا أنها آنذاك وضعت أوكرانيا في صلب المواضيع الدولية و التي شكلت في ذلك نموذجا يحتذى بالنسبة لمن يتطلعون إلى تحول مماثل على المستوى العربي، و لعل السبب الرئيسي لذلك هو النموذج السابق الذي شكلته دول أوروبا الشرقية كمثال لاستلهام نموذج الحزب الواحد و الملكية العامة للاقتصاد و الإيديولوجية الشمولية في العالم العربي.
لكن القوة الناعمة لأوكرانيا اليوم و التي تحاول أن تترك من خلالها بصمة لدى الدول العربية مؤسسات و شعوب من وجهة نظري المتواضعة بغض النظر عن مدى تأثير هذا النموذج، هو التبادل الثقافي و التعليمي، إذ لا شك أن التبادل الثقافي يفتح الباب أمام الإنسان العربي للاختيار بوعي بين الثقافات الإنسانية الأخرى عكس الغزو الثقافي الذي يتم بالقسر و الإلزام و فرض ثقافة معينة من طرف واحد، وهو يسهل انتقال الثقافات بين الأمم عبر الوسائل المشروعة و الإرادة الحرة في اختيار ما يناسبها من ألوان و أصناف الثقافات.
في هذا السياق، زارنا بماستر العلاقات الدولية و القانون الدبلوماسي و القنصلي، بكلية الحقوق و الاقتصاد التابعة لجامعة الحسن الثاني بمدينة المحمدية المغربية، طلبة من معهد العلاقات الدولية - تراس شيفتشينكو- بكييف العاصمة الاوكرانية، في اطار اتفاقية تعاون أكاديمي بين المؤسستين يتم بمقتضاها تبادل زيارات طلابية في كل سنة، هذا العام كانت البعثة الاوكرانية تضم 7 طلبة، 4 ذكور و 3 إناث، هؤلاء من المفترض أن يصبحوا أفرادا من النخبة في بلدهم على المستوى الأكاديمي و الرسمي، (إذ أن المعهد سابق الذكر درس و يدرس به طلبة من باقي دول أوروبا الشرقية بعضهم أصبح في ما بعد رؤساء دول و حكومات...) و بالتحديد دبلوماسيين و على الأرجح بالمنطقة العربية و شمال إفريقيا على الخصوص، لكن المدهش و غير القابل للقفز عليه، هو الاختيار الذكي و الغير عشوائي أو الاعتباطي لهؤلاء الطلبة، على غرار ما يحدث في دولنا العربية و دول العالم الثالث على العموم، و التي تحكمها البيروقراطية الاكاديمية و الفساد المؤسساتي، هؤلاء الطلبة لم يتجاوزوا السنة الثالثة بالمعهد، و أكبرهم لم يختم ربيعه الثاني و العشرين، إلا أن جميعهم يتقنون اللغة الانجليزية غاية الاتقان، إلى جانب تكوينهم الفرنسي أحسن منا نحن المغاربة الذين تحكمنا روابط تاريخية ثقافية استعمارية مع اللغة الفرنسية، بالإضافة إلى أن بعضهم يتكلم اللغة الفارسية، دون أن ننسى العربية التي تلوكها ألسنتهم بنوع من التحدي و الاعجاب و الاصرار على تعلمها. و هذا هو بيت القصيد من بعثتهم هو التحدث بالعربية و اعمالها في حيز اجتماعي يستعملها، في وقت أصبح الكثير منا نحن العرب و الطلبة على الخصوص الكثير ممن لا يتقنون التحدث بلغتهم فما بالك باتقان لغة ثانية أو ثالثة.
كل هذا يؤكد أن دول أوروبا و أوكرانيا على الخصوص أخدت على عاتقها التخلص من دبلوماسية الايديولوجيا و الرسولية الشيوعية السابقة الى استعمال قنوات أكثر ذكاء و مردودية و إعادة اكتشاف العالم و العربي منه بوسائل ناعمة، قد يرى البعض أن هذا الأمر ليس غريبا على دولة سباقة الى اكتشاف العالم العربي الحديث، فالتاريخ يذكر المستشرق الاوكراني – غاتنغل كريمسكي- هو كأول من أسس مدرسة لعلم الاستشراق في بدايات القرن الماضي، وسافر الى تركيا و عدة دول عربية ليتعمق بدراسة الاسلام و الثقافات الشرقية، و المستشرقين الأوكرانيين من الناس القليلة التي بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، نظرت للعرب بعين الانصاف و ازدادوا اقداما على دراسة ثقافة الشعوب العربية و لغة الضاد و أصروا على أن ينقلوا الصورة التي رسموها في ذهنهم إلى العالم ليمحوا الفكرة التي سادت في الغرب خلال السنوات العجاف الماضية، أوكرانيا اليوم تسير على منوال مستشرقيها الأوائل، بتوقيعها على العديد من مذكرات التفاهم في مجالات البحث العلمي و التعليم الصفقة الكاملة هذه الأيام والسياحة و السفر، و هي على رأس الدول المصدرة للسياح لمصر، و التي بهذه المناسبة أشكرها نيابة عن كل عربي لإنشائها المعهد العربي الأوكراني للعلاقات الدولية باسم الفيلسوف ابن رشد و الذي تأسس بمبادرة من المثقفين المصريين و الأوكرانيين في 2003. إذ من شأن هذه المبادرات أن تغير الصورة التي رسمها الاعلام الغربي عن الانسان العربي كما يقول الدكتور خليل السعيد لدى المواطن الأوكراني، و هي باختصار إنسان فاحش الغنى محدود التفكير، متوحش و يعاني من جوع جنسي مزمن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثوره البرتقاليه
عبد المطلب العلمي ( 2013 / 4 / 10 - 18:52 )
لدي اعتراضان على ما اسميته الثوره البرتقاليه.من المسلم به ان الثوره هي تغير جذري للاصطفاف الطبقي في مجتمع معين ،اي استبدل طبقه حاكمه بطبقه اخرى.في اوكراينا التحالف الطبقي الحاكم لم يتغير.كان هناك صراع بين تياريين من البرجوازيه الصاعده ،تغلب احدهما على الاخر ثم كانت الغلبه للتيار الثاني بعد سنوات.تقول مئات الالاف من المتظاهرين السلميين . ،فهل تعلم ان الاعتصام و ليس المظاهره كان في العاصمه ،و الميدان الذي كان فيه الاعتصام بالكاد يتسع لمائه الف .لكن الم يخطر ببالك سؤال عن ممولي المسرحيه،و التي كلفت ما يقرب المليار دولار،النقل من و الى العاصمه كان مجانيا بالاضافه لاجر يومي للمعتصم يعادل 15 دولار ،كذلك تامين الماكل و الملبس و المشروب،بالاضافه الى التامين اللوجيستي :خيم و ادوات تدفئه و اغطيه صوفيه و مراحيض متنقله ...الخ.
في اكثر من مكان في المقاله ،يوجد لمز و تشويه بالاتحاد السوفياتي ،و تمتدح معهد العلاقات الدوليه (مع انك اوردت اسما خطأ فهو معهد العلاقات الدوليه في جامعه تراس شيفشنكو و ليس معهد العلاقات الدوليه_تراس شيفشينكو_)الفضل و مجد هذا المعهد يعود للاتحاد السوفياتي،


2 - الثوره البرتقاليه 2
عبد المطلب العلمي ( 2013 / 4 / 10 - 19:15 )
قلت فهو واحد من ثلاث معاهد للعلاقات الدوليه كانت موجوده في الاتحاد السوفياتي ،مع الفرق ان ابن العامل و الفلاح هم من تعلموا و تخرجوا حينها ،طبعا مجانا مع الحصول على منحه و سكن جامعي و تغذيه بسعر رمزي،اما اليوم فقسط التسجيل لسنه دراسيه واحده يقارب السبعه الاف دولار.و لمعرفه ضخامه المبلغ ،اكتفي بالقول ان الحد الادنى للاجور في اوكراينا هو130 دولار فقط.
وردت في بدايه المقال الجمله التاليه= لا زالت تعاني من التبعات السلبية الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية الناجمة عن فترة الهيمنة السوفياتية و المثقلة بالفساد الاداري و الاقتصادي و الأزمات السياسية=تقول الهيمنه السوفياتيه و كأن السوفييت شئ غريب هيمن على اوكرايينا،هل لديك اي فكره عن بنيه النظام انذاك؟ ثم هل تفضلت و ذكرت لنا عن ازمه سياسيه واحده لاوكرايينا خلال الحقبه السوفياتيه،و ماذا تقصد بالفساد الاقتصادي؟ نعم هناك فساد اقتصادي شامل اليوم في اوكرايينا لكنك تعجز عن ذكر مثال واحد من الحقبه السوفياتيه.
اقول كل هذا ،و انا متاكد من كل كلمه ،فمعلوماتي مستقاه من الحياه و ليس من الكتب و الاحاديث ،اربعون عاما هنا،نصفها كان في الفتره السوفياتيه.

اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو