الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة زيارة محمد الخامس إلى طنجة

القجيري محمد

2013 / 4 / 10
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير


في مثل هذا اليوم، تحل علينا الذكرى الـ 66 للزيارة المشؤومة التي قام بها مجرم حرب التسعة وخمسون؛ المدعو محمد العلوي لمدينة طنجيس (طنجة) الدولية آنذاك، والتي جاءت مباشرة بعد مجزرة الدار البيضاء التي سببها بتر قضيب (العضو التناسلي) لأحد المرتزقة في الجيش الفرنسي-المخرني من فصيلة "إسمغان" أو "سليگان".
وبالطبع، فالزيارة المشبوهة للخامس في يومه 09 أبريل 1947 جاءت كرد فعل على خبر نقل الرئيس الشرعي للريف محمد بن عبد الكريم الخطابي من منفاه بجزيرة لارينيون إلى فرنسا. وإذا كان شارل أندري جوليان في كتابه "المغرب في مواجهات الأمبرياليات" قد حاول ما أمكن تبرير هذه الزيارة قائلا: "أراد سيدي محمد أن يؤكد وحدة مملكته بالذهاب إلى طنجة التي لم يسبق أن زارها أي سلطان منذ نصف قرن"، فإن الغاية الحقيقية منها كانت محاولة تأكيد السلطان المغربي أحقيته في احتلال "الريف بدون دولة" وفي الوقت ذاته تأكيد عروبة الريف الأمازيغي ضمن وحدة مملكته العلوية العربية في خطاب قومي-عربي أطلقه من حدائق المندوبية بطنجيس أمام أنصاره، تميز باعلان رسمي وصريح لعروبة مملكته المزعومة وانتماء المغرب للأسرة العربية في المشرق.
حيثيات هذا الزيارة المشؤومة، تنكشف أكثر في تفاصيل مرسومة بدقة متناهية منذ وصول الخامس لطنجة الريفية وعلى الأخص بعد اجتماعه بعلال الفاسي الذي كان إذاك تحت الإقامة الإجبارية وكذا مع عبد الخالق الطريس رئيس حزب الإصلاح الوطني، دون أن ننسى محمد بن عبود مدير مكتب "المغرب العربي" بالقاهرة ورئيس الوفد الخليفي التطواني بالجامعة العربية، وبما يمت تواطؤ هذه المشبوهة الأخيرة التي كانت قد تأسست قبل عامين بفرنسا بدعم قلّ نظيره من طرف المخابرات البريطانية على حساب الأتراك العثمانيين.
بطنجيس إذن، التقى المغاربة المتآمرون على بلاد الريف واتفقوا على إبعاد الرئيس محمد بن عبد الكريم الخطابي عن وطنه المصادر، فوضعوا خطة إفشال وصول الرئيس الريفي إلى فرنسا بتنسيق محكم مع المخابرات الاسبانية، وبتواطؤ بريطاني-عربي.
الشبهات الدولية، تبدأ مع تحرك الفرنكاوي المغربي عبد الخالق الطريس بمعية توأمه في الخيانة ابن عبود إلى مدريد للقاء بمسؤولين أسبان تحت عنوان صفقة مغربية-اسبانية على حساب مصالح الريف. ثم بعدها طارا إلى القاهرة يرافقهما مسؤول إسباني يعمل بسفارة إسبانيا في القاهرة ثم التحقا بمكتبهم بالقاهرة المسمى مكتب "المغرب العربي" في انتظار وصول الباخرة التي تقل رئيس دولة الريف إلى قناة السويس بحوالي أسبوع. أما علال الفاشي الذي كان تحت الإقامة الإجبارية وممنوع عليه من دخول فرنسا، فقد طار فجأة إلى فرنسا تحت غطاء أنه سيشارك في المهرجان الفكري الاستعماري الذي نظمه "دار الفكر الفرنسي".
كتب محمد اليمني الناصري عن رحلة الفاسي لباريس، في الوقت بالذات؛ مقالة بجريدة الأهرام القاهرية، تحت عنوان "لا صداقة لنا مع الاستعمار" يقول فيه: "وفي هذه المناسبة سافر زعيم حزب الاستقلال إلى باريس ليصرح هناك فور وصوله بقوله: "إن الفرنسيين أصدقاؤنا، وإن الشعب المغربي الذي أخلص لفرنسا في أخطر أوقاته، لن يغير موقفه منها في المستقبل وأنه يريد أن تكون فرنسا حليفته الدائمة..."؛ الكلام كان لعلال الفاسي أو الزعيم الوطني الكبير كما يحلو للاستقلاليين تسميته في حفل تكريم أقيم له في "دار الفكر الفرنسي"، والذي بنهاية هذا الحفل التكريمي الاستعماري، اجتمع مع بعض الفرنسيين الموالين لأطروحة المخزن مطالبا منهم المساعدة في قضية إبعاد الرئيس محمد بن عبد الكريم الخطابي عن فرنسا والريف، ثم طار إلى القاهرة، قبل وصول باخرة كاتومبا المشؤومة بثلاثة أيام فقط إلى قناة السويس. يقول محمد سلام أمزيان قائد ثورة الريف لسنة 1958: إنه "حينما زار الملك محمد الخامس طنجة، وقبل أن يصل عبد الكريم إلى القاهرة، ذهب علال الفاسي إلى طنجة واتفق مع الملك على أمور كثيرة، ومن هناك ذهب إلى فرنسا حيث اتفق مع الفرنسيين، ومن فرنسا ذهب مباشرة إلى القاهرة لترتيب إنزال عبد الكريم من باخرته في القاهرة قبل أن يتوجه إلى فرنسا كما كان مقررا من طرف الفرنسيين الذين كانوا يتوقعون أن يكون وجود عبد الكريم في فرنسا في صالحهم وضد الإسبان".
لنعد إلى زيارة علال الفاسي إلى فرنسا التي يلفها الكثير من الغموض والاستغراب في آن واحد، خصوصا وأنها جاءت في ظروف جد حساسة؛ مباشرة بعد الخطاب السلطاني العروبي بطنجة الدولية الذي طالب خلاله بمغربة الريف وعوربته.، إذ أن ما يثير الاستغراب بعد ذات الخطاب المغربي في الريف هو التحرك السريع لعلال الفاشي إلى باريس في الوقت الذي كان فيه تحت الإقامة الإجبارية وممنوع عليه من مغادرة طنجة، لكنه غادرها بسهولة إلى باريس، وهذا ما يثير الشكوك في تورط بعض الأطراف السياسية من الحكومة الفرنسية في رحلة علال الفاسي إلى باريس ثم القاهرة في قضية إبعاد الزعيم الريفي موراي محند عن المنطقة.
أسئلة كثيرة تبقى عالقة بالقدر نفسه من الحيرة عن هذه الفترة المنسية وعن حلقاتها المفرغة والمفقودة في التاريخ المعاصر للريف بعدما طمسته الايديولوجيا الرسمية، لكن ما سنتساءل عنه هنا؛ هو هل كان هذا التحرك السريع لعلال الفاسي (وهو تحت الإقامة الإجبارية) من طنجة إلى باريس ثم القاهرة كان لأهداف "وطنية" تتمثل في إنقاذ مولاي محند أم أن ذلك كان لأهداف تآمرية تتمثل في إبعاد مولاي محند عن الريف. وطبعا، فالمرجح هو الشطر الأخير من التساؤل، خصوصا وأن مواقف علال الفاسي اللاحقة من مولاي محند كانت جد عدوانية ومناهضة له. ثم لماذا هذا السكوت الكلي عن الرئيس أيام تواجده في منفاه السحيق بجزيرة لاريونيون لمدة تزيد عن عشرين سنة، ولم يطالب لا علال الفاسي ولا الطريس ولا ابن عبود ولا أي حزبي آخر، ولو مرة واحدة بإطلاق سراحه، لكن حينما قررت فرنسا إطلاق سراحه من لارينيون، رأوا أن عودته تشكل حظرا عليهم وعلى مستقبلهم السياسي، فراحوا يتآمرون عليه ويخططون لإبعاده عن المنطقة.
وإجمالا يمكن القول، إن التحرك السريع لكل من علال الفاسي وعبد الخالق الطريس ومحمد بن عبود إلى مدريد وباريس ثم القاهرة بعد اجتماعهم بمحمد الخامس في طنجة يبين بوضوح أن خطة إبعاد الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي عن المنطقة كانت خطة مغربية-اسبانية قام بتنفيذها عملاء مغاربة مقابل رشاوي ومراكز سياسية مضمونة، وفي مقدمة هؤلاء علال الفاسي الذي كان يمثل السلطان في الرباط، والطريس وابن عبود اللذين كانا يمثلان خليفة السلطان في تطاوين، وهؤلاء في نفس الوقت يمثلان فرنسا وإسبانيا على اعتبار أن وصولهم إلى القاهرة كان عن طريق مدريد وباريس.
وعموما ومهما يكن من الأمر، فإن هؤلاء المتآمرون المغاربة الخبثاء لم يسبق لهم أن طالبوا ولو لمرة واحدة بإطلاق سراح الزعيم الريفي أيام كان في منفاه السحيق، بل كانوا يعارضون عودته، وفي مقدمة هؤلاء المعارضين، عبد الخالق الطريس الذي سبق أن كتب مقالة في جريدة "المساء" القاهرية في الثلاثينيات من القرن الماضي يعارض فيها عودة الأمير الريفي إلى أرض الوطن، بشكل مضمر وخبيث، يلخص محمد أمزيان مضمون المقالة في العبارة التالية: "فإذا كانت إسبانيا عارضت بصراحة، فإن الطريس يعارض بلباقة". وارتباطا بالسياق ذاته، فقد كتب والد محمد أمزيان بدوره يقول إن "كل البيانات التي أصدرتها هذه الأحزاب من سنة 1928 إلى غاية سنة 1948. لم تذكر اسم عبد الكريم نهائيا مع أنه في سنة 1928 كان رجال عبد الكريم ما يزالون في الجبال. نفي عبد الكريم سنة 1926 ... والأحزاب السياسية لم تذكره أبدا ولم تكن لها أية علاقة به، ولما أنزلوه في القاهرة - أقول أنزلوه ولم ينزل هو عن طواعية- فعلوا ذلك حتى لا يلجأ إلى فرنسا ويثير القلاقل انطلاقا من هناك. لقد تآمروا ضده"، بعدما نسوه لعقود طويلة وحاربوا دولته.
وعودة على ذي بدء، فزيارة محمد الخامس لمدينة طنجيس الريفية، في مثل هذا اليوم 09 أبريل، كانت من أجل إبعاد الرئيس محمد بن عبد الكريم الخطابي عن فرنسا وعن الريف، وحتى لا يسحب البساط عنه، وعلى الأخص بعد انتشار القصاصات التي كانت تتحدث وقتذاك عن مفاوضات دولية بشأن مستقبل الريف ومراكش (المغرب حاليا دون مستعمرته: الريف المحتل) وبما يرتبط ذلك بمشروع دولة الجمهورية الريفية الديمقراطية الشعبية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يكثف غاراته على مدينة رفح


.. مظاهرات في القدس وتل أبيب وحيفا عقب إعلان حركة حماس الموافقة




.. مراسل الجزيرة: شهداء ومصابون في قصف إسرائيلي على منازل لعدد


.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟




.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة