الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


9نيسان2003:تدشين مرحلة جديدة في الإقليم

محمد سيد رصاص

2013 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


إذا أخذنا الأحداث بمدى تأثيراتها على عموم الاقليم ،فإن سقوط بغداد بيد الغازي - المحتل الأميركي في يوم9نيسان2003هو بين ثلاثة أحداث هي الأكثر تأثيراً على مدى خمسة وثمانين عاماً مع سقوط الدولة العثمانية وهزيمتها في الحرب أمام الإنكليز والفرنسيين في عام1918ومع حدث قيام دولة اسرائيل في عام1948.
في 6شباط 2003وقبيل أربعين يوماً من بدء غزو العراق رسم وزير الخارجية الأميركي كولن باول (خريطة طريق)الغازي الجديد للمنطقة:"النجاح في العراق قد يعيد ترتيب هذه المنطقة جذرياً بطريقة ايجابية تخدم أكثر المصالح الأميركية":كان الهدف الأميركي هو (إعادة صياغة)منطقة، اعتبرت مصدراً لكرات اللهب التي أصابت العاصمتين الاقتصادية والسياسية للعالم في يوم11أيلول2001 ،انطلاقاً من (البوابة البغدادية)،وهو ماجعل جورج بوش الإبن في عام2003 يجتاز الخط الذي وقف عنده والده في نهاية حرب1991لماامتنع عن الوصول إلى بغداد بعد أن كان الطريق سالكاً أمام الأميركان بعد هزيمة القوات العراقية في الكويت،وترك صدام حسين يسحق انتفاضة الجنوب التي نشبت بعد أيام قليلة من استسلام القوات العراقية في (خيمة صفوان)،ويبدو أن حسابات بوش الأب،مع تقديرات حلفائه في الخليج والقاهرة وأنقرة، كانت منطلقة من أن سقوط "البوابة الشرقية للوطن العربي"،كماكان يسميها صدام حسين في أيام حرب الثمان سنوات مع الخميني والتي سقط على جدرانها ثلاثة أرباع المليون من الجنود الايرانيين،سيجعل الإقليم بكامله مفتوحاً أمام نفوذ وامتداد طهران،مثلما حصل في عام539قبل الميلاد مع سقوط بابل بيد الفرس وماأدى إليه ذلك خلال أربعة عشر عاماً من تداعي الهلال الخصيب ومصر بين أيديهم ،ماأدى إلى سيطرة فارسية على الاقليم لقرنين من الزمن حتى مجيء الإسكندر المقدوني،وهو ماتكرر لدورة تاريخية في القرنين السادس عشر والسابع عشر للميلاد من محاولات للصفويين للسيطرة على العراق كان الجدار العثماني حائلاً أمامها.
كان سقوط بغداد بيد الأميركي زلزالاً جعل المنطقة تنقلب رأساً على عقب،بالذات لأن العراق يمثل،في تركيبته الدينية- الطائفية- القومية- الإثنية الأقوامية ، صورة مصغرة للمنطقة الممتدة بين كابول والشاطىء الشرقي للبحر المتوسط،كماأن العراق يمثل الفالق أوالحاجز أوالجدار الذي كان عمر بن الخطاب واعياً لخطورة اجتيازه قبيل معركة نهاوند بعد سنوات من معركة القادسية التي أدت لفتح الطريق أمامه إلى بلاد فارس ولكنه لم يجتازه،وهو ماجعله يتمنى لمااضطر إلى (نهاوند) لو كان هناك"جبل من نار"بينه وبينهم خوفاً من عواقب سيطرة المسلمين على أرض حضارة مثل الحضارة الفارسية.
عند بدء الإعداد لغزو العراق ،كان جورج بوش الإبن مضطراً لمحالفة ومشاركة ايران في العملية:من أجل ذلك أدار الظهر لحلفاءه في الخليج والقاهرة وأنقرة،وعملياً كان هناك ثالوث ضم واشنطن وطهران وتل أبيب،غريب في شكله وفي اجتماعه، ظهر وتجمع احتفالياً لمرتين،أولاً في يوم سقوط بغداد،وثانياً في يوم اعدام صدام حسين،ثم انفرط عقده،وكان اثنان من أضلاع هذا المثلث قد اجتمعا في الحرب العراقية- الايرانية لمازودت اسرائيل ايران بالأسلحة،وكاد هذا المثلث أن يجتمع في (ايران غيت)أواسط الثمانينيات قبل أن يقرر رونالد ريغان أن المصلحة الأميركية هي في منع سقوط"البوابة الشرقية"أمام الخميني.
في المحصلة،أدى حدث يوم9نيسان2003إلى تكسر وانفراط عقد النظام الاقليمي برمته،الذي استطاعت الولايات المتحدة تأسيسه وبناؤه عبر محطات(مشروع أيزنهاور)في 1957لملء الفراغ البريطاني،و(حرب حزيران1967)و(حرب1991):لم تكن واشنطن تعرف ماهو(اليوم التالي)ل 9نيسان2003ليس فقط في بلاد الرافدين،بل وأيضاً في عموم المنطقة.في العراق لم تستطع واشنطن وحاكمها بول بريمر السيطرة على وضع داخلي انفجرت فيه مقاومة سنية عربية كانت واعية منذ البداية في عام2003بأنها ضد تحالف واشنطن- طهران،واستيقظ المارد الكردي من قمقمه،فيماكانت القوى السياسية الشيعية العراقية (حزب الدعوة،التيار الصدري،آل الحكيم)تحت العباءة الايرانية بهذا الشكل أوذاك. في الاقليم،أصبحت طهران تلقائياً مع سقوط "البوابة الشرقية"هي القوة الاقليمية الأكبر في عموم المنطقة الممتدة من أفغانستان إلى الشاطىء الشرقي للبحر المتوسط وصولاً إلى المنامة وصعدة بالجنوب ،وأصبحت أيضاً أقوى من واشنطن التي صارت قوة اقليمية شرق أوسطية مع مجيء جنودها لبلاد الرافدين.كان من الطبيعي أن لايمتد هذا الزواج المصلحي لمدة طويلة من الزمن،وأن تتجه طهران إلى الإنشقاق عن واشنطن مع استئناف برنامجها لتخصيب اليورانيوم في آب2005بعد أن شعرت بأنها على ضوء مكاسبها في بلاد الرافدين،وعبر تحكم حلفائها المحليين بالسلطة في بغداد، قد أصبحت قادرة على أن تضع رأسها في مقابل رأس واشنطن،وليتحول الوضع الاقليمي برمته للدوران منذ النصف الثاني من عام2005 وحتى الآن على ايقاع الصراع الأميركي- الايراني على المنطقة،من اسطنبول إلى عدن ومن اسلام آباد إلى القاهرة.
على ضوء هذا الصراع بين واشنطن وطهران ،حصلت تطورات كبرى:حرب تموز2006. تعويم واشنطن منذ2007للدور الاقليمي التركي. تظهير وتطييف الصراع السني- الشيعي في عموم المنطقة،وهو ماأسماه هنري كيسنجر بعام2008بأنه"حرب المئة عام"،مثلما حصل بين الكاثوليك والبروتستانت في القرنين السادس عشر والسابع عشر. انقلاب حركة حماس في غزة بيوم14حزيران بغزة.7أيار2008ببيروت. تفرد طهران بالسلطة في بغداد مع حكومة المالكي الثانية في25تشرين ثاني2010بعيداً عن الثنائية التي كانت قائمة بعراق مابعد9نيسان2003بين واشنطن وطهران.تفرد طهران ودمشق في تقرير الأمور ببيروت مع سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري بيوم12كانون ثاني2011بعد أن كانت حكومته منذ2009تمثل توازناً بين (واشنطن- الرياض- طهران- دمشق) انبنى على (معادلة الدوحة)في أيار2008التي انبنت عليها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في لبنان.كان اهتزاز التوازن الاقليمي لغير صالح العاصمة الأميركية بين أعوام2006-2010عاملاً أساسياً في اهتزاز البنية الداخلية لأنظمة حليفة لواشنطن في تونس و القاهرة وصنعاء والمنامة وهو ماأدى إلى موجة زلزالية اجتاحت تلك العواصم في عام2011قبل أن تصل إلى طرابلس الغرب ودمشق.
قبل ذلك كله،كان سقوط بغداد قد أدى إلى نظرة أميركية جديدة للدور الاقليمي السوري،هي مختلفة عن ماكان من واشنطن تجاه دمشق منذ الدخول العسكري السوري إلى لبنان بعام1976ثم تعزز مع اتفاق الطائف بعام1989.لايمكن عزل الانفجار الداخلي اللبناني،الذي بدأ مع القرار1559الصادر عن مجلس الأمن الدولي في2أيلول2004بقوة دفع أميركية- فرنسية،عن الصراع الأميركي – السوري الذي بدأ مع ماقدمه كولن باول من مطالب لدمشق في زيارته للعاصمة السورية بعد ثلاثة أسابيع من سقوط بغداد، وقد أعلن في المطار عند وصوله "سأوضح للرئيس الأسد جلياً كيف تنظر الولايات المتحدة إلى تبدل الوضع في المنطقة مع رحيل نظام صدام حسين".في تلك الفترة كان الصراع بين واشنطن ودمشق منفرداً على لبنان بمعزل عن طهران التي كانت شريكة مع واشنطن في غزو واحتلال العراق،ولكن منذ 2006أصبح الانقسام اللبناني بين(14آذار)و(8آذار)انعكاساً للصراع بين (واشنطن وحلفائها الاقليميين) ضد (محور طهران- دمشق- حزب الله).
في المجمل العام،أدى حدث9نيسان 2003إلى فوضى اقليمية تناثرت فيه القطع من أمام صانع ذلك الحدث الآتي من وراء البحار:لم تستطع واشنطن السيطرة على تلك الفوضى ولاتنظيمها.انطلقت قوى من عقالها(الأكراد،مثلاً)بحكم انفراط البنية الاقليمية القديمة التي أقيمت عقب الحرب العالمية الثانية إثر وراثة واشنطن للندن في الاقليم . تمددت قوى(ايران) بحكم انكسار جدار عمره آلاف السنين(بلاد الرافدين).كان اهتزاز البنى الداخلية من تداعيات انفراط البنية الاقليمية القديمة.أمام ذلك كله كانت واشنطن بدون خطط ل(اليوم التالي)،لاأمام التمدد الايراني ،ولااستيقاظ الأقليات القومية،ولآامام موجة التغيرات الداخلية التي ااضطرت على عجل قبيل أيام من سقوط الرئيس المصري لنسج تحالف ظرفي مع(الاخوان المسلمين)،يبدو أنها على ضوء (بنغازي)و(مالي)قد أصبحت في عام2013في وضعية مراجعة وربما ارتداد عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلم الدولة الكردية.. بين واقعٍ معقّد ووعود لم تتحقق


.. ا?لعاب ا?ولمبية باريس 2024: سباح فلسطيني يمثل ب?ده ويأمل في




.. منيرة الصلح تمثل لبنان في بينالي البندقية مع -رقصة من حكايته


.. البحث عن الجذور بأي ثمن.. برازيليون يبحثون عن أصولهم الأفريق




.. إجلاء اثنين من الحيتان البيضاء من منطقة حرب في أوكرانيا إلى