الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضع السياسي والاجتماعي في سورية في النصف الأول من القرن العشرين

جاك جوزيف أوسي

2013 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


مزّقت اتفاقية سايكس – بيكو بين فرنسا و بريطانيا العظمى، سوريا الطبعية إلى أربع دولة هي سورية، لبنان، الأردن وفلسطين الأمر الذي فرض على الرأي العام السّوريّ صعوبة في التسليم بالحدود التي فرضت عليه ( وفاقمت عملية زرع إسرائيل في المنطقة من هذا الشعور )، الأمر الذي أدى إلى عدم تنامي إحساس الولاء والانتماء إلى الدولة في أوساط كثيرة من المواطنين. وفي ظل هذا الوضع مال الكثير من السوريين إلى البحث عن مصادر أخرى للهوية ما وراء حدود الإقليم السّوريّ، كطرح فكرة الوحدة على أساس الوطن العربي من المحيط إلى الخليج عند حزب البعث بوجه خاص والقوميين العرب عموماً، أو فكرة إعادة توحيد سوريا مع ضم العراق وقبرص عند دعاة الحزب السوري القومي الاجتماعي، أو البحث عن فكرة الوحدة على أساس ديني " إعادة إحياء الخلافة الإسلامية " عند التيارات الإسلامية وخصوصاً الأخوان المسلمين. وفي أتون هذا الصراع الإيديولوجي حول كيفية تحقيق الوحدة أصبحت أطراف الطيف السياسي والعسكري في سورية تتراشق تهم : الخيانة والعمالة والتآمر وغيرها من الكلمات التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من قاموس المصطلحات السياسية السورية حتى وقتنا الحاضر. وفي الوقت نفسه حافظ السوريون على الولاء للمنطقة وللطائفة والعشيرة، وفي بعض الأحيان للعائلة التي تشكل الإطار الأول للانتماء.
هذا الولاء انعكس سلباً على تطور الحياة السياسية في سورية أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينات، عندما بدأت السياسة تجذب انتباه الشباب السّوريّ الذي كان في مراحل الدراسة الثانوية " قبل دخوله ميادين العمل "، الأمر الذي أدى إلى نشوء ولاءات سياسية وإيديولوجية عكست الوضع السياسي والاجتماعي في مناطقهم التي أتوا منها واستمرت تؤثر في مجرى الأحداث. كل هذا جعل الأحزاب الوطنية تحاول التأقلم مع البيئة المحلية السورية، مما أفقدها المركزية القيادية وجعلها تتمركز حول خليتها المناطقية، وأدى هذا الأمر إلى استمرار إبراز المصالح الإقليمية والمناطقية في سياستها، داخلية كانت أم خارجية. وفي النتيجة استطاعت هذه الأحزاب أن تتوسع في مناطق محددة أو بين شرائح معينة من السكان بينما بقيت محدودة الانتشار في مناطق أخرى.
وفي المقابل نجد إن كل الدراسات التي حددت الأخطار التي تهدد وحدة المجتمع بقيت حبر على ورق، فلم تؤخذ خطوات جدّية لمعالجة هذه الظواهر المرضية التي تهدد الأمن في المجتمع. وهكذا نرى في أوقات الأزمات التي تعصف على المنطقة، مصطلحات من قبيل " القبيلة، العشيرة، الطائفة " تعود إلى الظهور وبقوة على المسرح السياسي للأحداث، مما يؤدي إلى إعادة إحياء الروح القبلية بشعارها المعروف " انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً " حيث يتكتل الجميع حول خطوط دفاعهم الأخيرة بأعصاب مشدودة ونفسيات متوترة تنتظر من يشعلها لأتفه الأسباب. عندئذ تعمد كل الأطراف إلى التنقيب في مجاهل التاريخ لاستحضار قصص وروايات تعمل على إثارة الغرائز، وإذكاء نار الصراع. وفي هذه الحال تكون العصبية مانعة من تحقيق العدالة القانونية أمام مفهوم العدالة القبلية، بسبب استحضار مفهوم الثأر واستعادة الشرف وغسل العار.
هذه الانقسامات العرقية ( عرب في مقابل باقي المجموعات العرقية ) والطائفية الدينية والمذهبية، كانت ولا تزال مصدراً للتوتر الاجتماعي على مدى عقود طويلة. وحتى هذا اليوم لا يزال يوجد تنافر وعداء ملموس ومتأصل تاريخياً بين العرب السنة والطوائف غير السنية. وقد تعزز هذا التنافر خلال القرن العشرين بسبب الهيمنة الاقتصادية للسنة في المدن الكبرى ( خصوصاُ في دمشق وحلب ). بالإضافة إلى اعتبار السنة للمسلمين غير السنة بأنهم منشقون والنظر إلى المسيحيين على أنهم متعاونون طواعية مع غير المسلميين طمعاً في الوصول إلى حكم سورية، في صورة نمطية تشكلت إبان الحروب الصليبية ولا تزال تستعاد عند كل أزمة تمر بها سورية والمنطقة. هذه الإشكالية ركّز عليها السيد بشير زين العابدين في كتابه الجيش والسياسة في سوريا حين اضاف مصطلح جديد إلى القاموس المصطلحات السياسية العربية، وفد إلى المنطقة العربية مع الغزو الأميركي للعراق، وهو " السنّة العرب " شارحاً له وواضعاً جميع مكونات المجتمع السوري في الخندق المقابل لهذا المصطلح.
وما عقّد المشكلة إن البرجوازية التجارية السنية في المدن الرئيسية خاضت الصراع السياسي ( الحزب الوطني وحزب الشعب ) إن على الصعيد الداخلي أو على الصعيد الخارجي معتمدة على تقليدي الخيمة والسوق. حيث يفترض تقليد الخيمة شيخاً يتوسط مجلساً محاطاً بأتباعه ومريده. كل هؤلاء عبارة عن كومبارس يؤدون حركات لزوم إضفاء طابع الإثارة والحركة على المشهد الرئيسي الذي يتمحور حول شخص الشيخ، وبمقدار تمدح وتثني على الشيخ حكمته وحنكته، فسوف يعطيك ما تريد وزيادة ! وبمقدار ما تكون قريباً من الشيخ بمقدار ما تنال من مكاسب وهدايا إضافية.
أما تقليد السوق، فهو يعتمد على المساومة أكثر مما يعتمد على التفاوض، يمارسه أصحابه بمزاج واستمتاع، وهم يبدءون الصفقة في العادة بسعر مبالغ فيه، وحين تراجعهم، تعلو أصواتهم ليقسموا لك إنهم لم يبالغوا، وإنهم من أجل خاطرك ومعزّتك سوف يتهاونون في السعر وربما في شروط الدفع أيضاً، ولكنها سوف تكون كلمتهم الأخيرة وأنت حر بالقبول أو الرفض. وحين تسمعها وتؤكد لهم إنها ما زالت أعلى من المتوقع وإنك غير قادر على الدفع سوف يعودون مرة أخرى لك حالفين وبالطلاق ربما بأن ذلك خارج قدرتهم لأن قبولهم بغير ذلك سوف يلحق بهم خسارة محققة. والخيار لك في هذه العملية التي تعتمد على الخبرة لتستطيع تقدير القاع الذي لا يقدرون على النزول بعده، القاع الذي لم تره من المرة الأولى أو الثانية.
هذه الطبقة اكتسبت خبرتها السياسية من خلال مقاومة الانتداب الفرنسي، لكن الظروف لم تتح لها كي تتعلم مهنة " بناء الدولة ". كانوا مجموعة من الساسة لا توجد علاقة بينها وبين باقي فئات الشعب على مدى الوطن، حرمتهم سلطات الانتداب من التمرّس في الشؤون الحكومية، وتقاسمت بعد الاستقلال السلطة بالأسلوب التقليدي، مع إدراك وفهم قليلين لما تعنيه الممارسة السياسية وأحابيلها، وكما قال ج. غوتمان، بين السياسة والواقع تقوم هوة من الجهل ومن منطق الرجال، وفي هذه الهوة ضاعت هذه الطبقة السياسية السورية التي قادت سورية في تلك الفترة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. علامات استفهام وأسئلة -مشروعة- حول تحطم مروحية الرئيس الإيرا


.. التلفزيون الرسمي الإيراني يعلن نبأ مصرع الرئيس إبراهيم رئيسي




.. دعم وقلق.. ردود فعل على حادث طائرة الرئيس الإيراني


.. ردود فعل دولية وعربية بشأن وفاة الرئيس الإيرانى إثر حادث تحط




.. الشعب الإيراني مستاءٌ.. كيف تبدو الانطباعات الشعبية بعد موت