الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعث الشيعي والبعث السني

محمد قاسم

2013 / 4 / 11
مواضيع وابحاث سياسية



لا نأتي بجديد إذا ما قلنا بأن الجغرافيا الحاضنة للبعث هي المناطق السنية ، والجغرافيا الطاردة له هي المناطق الشيعية. والجغرافيا هنا لا تقتصر على المكان فحسب، بل تشمل منظومة القيم والأفكار والأعراف والأطار الأديولوجي للفرد. لقد أشبعنا ساسة اليوم بشعارات تعني سلوكياتهم في نفاق الآخرين . وأمطرونا بمقولات لا تخدم الأ غرائزهم في تثبيت مؤخراتهم على كراسي السلطة.
وأول من أطلق تلك الشعارات هي الأحزاب الدينية الشيعية بأدعاء فضفاض ، سطحه اللحمة الوطنية وباطنه النفاق السياسي. وأكثر تلك الشعارات عبثية هو ( أخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعة)، حيث ما زالت ذاكرتنا الجمعية تحتفظ بصورة أكفّ الصدريين ملتحمة بأكف هيئة علماء المسلمين وحناجر الطرفين تردد هذا الشعار. ونتذكر جيداً بحور الدماء التي سالت تحت راية ذلك الشعار الدموي . ولم تنته شعارات تلك الأحزاب عند هذا الحدّ، بل أمتدت لتطرح اكذوبة الأكاذيب ونادت وماتزال تنادي بتلك الأكذوبة وهدفها من وراء ذلك هو ترسيخ بقائها بأستمالة الشارع السني ، أو منافقة ساسة السنة لأجل مغانمها فقط. فبين الحين والآخر يخرج أمراء الأحزاب الشيعية وأتباعهم فوق المنابر أو من خلال شاشات التلفاز يذكروننا بأساليب صدام حسين في قمع الشعب العراقي ويدعّون بعدالته في توزيع الظلم بين العراقيين . والحقيقية المرّة التي يعرفها هؤلاء قبل أن نعرفها نحن هي أن صدام كان يقيم ولائمه على شرف ضحاياه من الشيعة والأكراد فقط لا غير. وإذا ما سمعنا من هنا وهناك عن قتل سني فهي لدواعي جنائية أو لحالة معارضة فردية.
ولنسأل سؤالنا الجارح للأحزاب الشيعية (لماذا تنافقون؟!) . قطعاً سوف لن تخرج أجابة شافية من لسان نظيف واحد، لأننا ندرك تماماً بأن الألسنة قد أتسخت وأصبحت شفاه هؤلاء تقبّل الدولار أكثر من تقبيلها للقرآن. والأمر المحير أنك ما أن تنتفض بأضعف أيمانك وهو النقد حتى تتبارى تلك الأحزاب برمي الكرة في ملعب الأخرى،وتحميل جهة ما مسؤولية الضيم دون أخرى .
فيصبح الصدريون،مثلا، هم قادة المظلومين وسادة المنتفضين إذا ما تعلق الأمر بمناكفة المالكي. ويصبح المجلس الأعلى رمزاً للنزاهة وأباً للفقراء مع أقتراب مواعيد الأنتخابات. وترتفع غيرة حزب الفضيلة بالدفاع عن نفط البصرة عندما تخلو سلة الفاكهة من نصيبه. ويلبس حزب الدعوة دشداشة الفقراء ويصبح نموذجاً للكادحين وأباً لأولاد الشوارع وراعياً للحرائر الشيعيات اللاتي أزكمت أنوفهن روائح جبال النفايات ونمن تحت سقوف الصفيح، وأوجعت ظهورهن جبال الطابوق في المعامل سيئة الصيت.
والسؤال الأكثر حراجة لهذه الأحزاب هو متى ستقولون الحقيقة. ؟ ومن منكم سيصعد منبر الحق ليقول أننا قوم لانعبد الأ الدينار. والعمائم التي فوق رؤوسنا هي لنغطي بها عوراتنا ، او لنعبر بها كلام الحق الى كلام الباطل. ومن منكم سيجترح من مآسي العراقيين غيرةً ليروّض بها نفسه الأمّارة بالسوء. ومن منكم سيكون رجلاً من ضلع أبيه ويقول نحن خذلنا الفقراء ودسنا عليهم بكعوب الأحذية. وهل سنجد بينكم من يواسينا ويربت على أكتافنا ويقول أنا من سيصارحكم فأصغوا جيداً. ساقول لكم بفم صادق وبلا رياء (نحن كذابون). وكم سننتظر ليصعد أحد المرتدين من أتباع الكذب والدجل منبراً للحق ويقول ، نعم أن البعث اليوم حاضنته سنية خالصة ومريديه هناك في الأنبار ونينوى وتكريت . وأن صدام لم يكن عادلاً في توزيع كعكة الظلم على العراقيين . وأن قوافل القتلى والمقابر الجماعية وسجون الشعبة الخامسة والمخابرات ودوائر الأمن كانت تكتظ بالشيعة والأكراد فقط.
لم يكن البعث فكراً ، بل كان سلوكاً. والفرق بين النظرية والتطبيق كالفرق بين معمم منافق وبين سكير صادق.والمبدأ أن النظرية تتطلب حزمة من الآليات الضابطة لسلوك مبتكريها لكي تجترح لاحقاً وعياً يؤثر بالآخرين وينظم دواعي أعتقادهم بتلك النظرية. ومخرجات فكر البعث كانت سلوكاً دموياً قلّ نظيره. لكن هذا السلوك أنتج له قاعدة كبيرة من المريدين والأتباع في حواضن جغرافية طائفية . وأقل ما يقال عن هذه الحواضن أنها مشبعة بفلسفة الأستحواذ التاريخي على السلطة، وليس من سياقات حضورها السياسي التنازل عن مكاسب منحتها لهم ظروف تاريخية كبيرة . لكنهم ولأسباب معروفة فقدوا تلك السلطة مرغمين وبقي البعث ملاذهم التاريخي المعول عليه في الأنطلاق مجدداً نحو معركة الحكم. لكن بالمقابل أفرزت الحالة التأريخية في العراق أحزاباً دينية شيعية ضمن أطارها الجغرافي أيضاً. وتمكنت هذه الأحزاب من الأنخراط في النموذج السيء والمتعارف عليه ب(العملية السياسية) . وأحتوت المشهد برمته من خلال مدّ الجزرة وتكسير العصا تارةً ، وتارةً أخرى من خلال أكل الجزرة كلها .


ولهذه الأحزاب نظرياتها أيضاً، فهي لم تأتِ من خواء فكري أومن أعتبارات البطر في التماهي مع الجماهير . بل ظهرت كرد فعل على حالة سياسية كانت سائدة، تطورت تلك الحالة فيما بعد الى جهاز تصفية عنيف. وأنقسمت تلك الأحزاب الى مجموعة مقاومة بالسلاح وأخرى بالتنظير . لكنها لم تتمكن من أحتواء الشارع الشيعي تحت لواء واحد بل أنقسمت الى تيارات أجتمعت تحت راية الحسين وتفرقت تحت راية المغانم وحب السلطة.
وبحكم واقع الحال الذي فرضه الأسياد ، تمكن حزب الدعوة من عضّ الكعكعة كلها ولم يترك سوى الفُتات للآخرين. لكنه لم يكن فُتاتاً من النوع الذي يُرمى في القُمامة ، بل كان فُتاتاً فيه دسم كثير ويسيل له لعاب الأحزاب التي أكتفت بهذا القليل ولو بشكل مؤقت . وعضّ الكعكعة يجب أن يتبعه مضغ ثم بلع ،وهذا ما أنتهجته الأحزاب الشيعية بالضبط. عضّت ومضغت وأبتلعت. والخاسر الوحيد ليست الجغرافيا السنية أو الجغرافيا الكردية ، بل جغرافيا شيعة العراق بأكملها.
وإذا كان نهج البعث قائماً على القتل والسحل ، فأن منهج الأحزاب الدينية الشيعية قام على أساس أمتصاص الدم بوسائل خسيسة تستدعي البكاء على دم الحسين وسيلة للمغانم . وبذلك يتلاقى منهجي البعث والأحزاب الشيعية الدينية تحت عنوان واحد هو القتل بلا رحمة مع أختلاف الوسائل في التطبيق.
ولكن من هو ضحية البعث ومن هو ضحية الأحزاب الشيعية ؟ قطعاً سأستبعد الأكراد من هذه المعادلة لأسباب تتعلق بموضوع هذه الورقة. نحن لانشك قيد أنملة بأن سلطة القوة وسلطة المال باتت اليوم بيد الأحزاب الدينية الشيعية وليس بيد الشيعة كما يروج له. والمنطق يقول ،كما هو واقع الحال، إذا ما تربعت تلك الأحزاب على سدّة الحكم وأمتلكت زمام المبادرة صارّ حتماً أن تغازل شارعها ولو من باب المجاملة. لكن وقاحتها جعلت منها تنظر الى المشهد بعين حولاء. فهي لا تنظر الى الشارع الشيعي الأ كفرس رهان رابح من الممكن تسكينه بمهدئات اللطم والنواح وشعارات المظلومية الكذّابة. وتستطيع تحريكه ، عن طريق اللعب بمشاعره ، متى شاءت.
لقد تمكنّ حزب البعث من أستيعاب الطائفة السنية كحامي لسلطة العائلة ، ومنحها أمتيازات مواطني الدرجة الأولى على حساب ضحاياه من الطوائف والمكونات الأخرى. وأصبحت هذه الطائفة بعبعاً مخيفاً يهدد أعداء السلطة وأعداء البعث . والدليل أن صدام حسين لم يكن يثق لا بالشيعة ولا بأي مكون آخر ، وقد منح أمتيازات السلطات الأمنية بأكملها للسنة وكذلك بالنسبة لقيادات الجيش والمخابرات والشرطة.
اما أحزاب السلطة اليوم فقد مارست وماتزال دور البعث ولكن من زوايا مختلفة . فقد تبادلت هذه الأحزاب الأدوار مع البعث ولكن بطريقة سيئة وتكاد تكون أكثر سلبية . وما يحسب للبعث لا يحسب لأحزاب الشيعة. لأن البعث لم يكن منافقاً ، بل كان صريحاً وواضحاً. أما هذه الأحزاب فقد بقيت تراوح في مكانها مقابل أمتيازات ترفع كفة ميزانها بمعيار الترف والتعالي لا غير. وبالتالي أصبح الفقراء الشيعة في ذيل أولوياتها ولا نكاد نلمس لهم حضوراً في جدول أعمالها ألا في الأنتخابات التي لم تعد فلسفة ديمقراطية بقدر ماهي صناديق مفتوحة لآفة النهب والسلب. ولهذا تمكنت تلك الأحزاب من تطويع الجغرافيا الشيعية لصالحها ولكن ليس بنفس الوسائل التي تمكن بها البعث من تطويع الجغرافيا السنية لصالحه. لقد دخل البعث من بوابة صريحة وواضحة وفي ظل ظروف عالمية مبنية على توازن القوى. وتمكن من أمتلاك النظرية القومية وأستخدمها وسيلة لبلوغ أهدافه الدنيئة. وأما الأحزاب الدينية الشيعية فقد أمتلكت المنظومة البكائية مدخلاً لمغانم السلطة، ونجحت في أستقطاب المظلومين لصالحها لحين هيمنتها الكاملة على المشهد السياسي وتخليها لاحقاً عن أي مشروع نهضوي يمكن من خلاله أعادة بناء الفرد الشيعي الذي أُشبع فقراً وتخلفاً وموتاً في زمن البعث لتأتي أحزاب ذوي القربى فتزيد الفقر فقراً والتخلف تخلفاً والموت موتاً.
أن البعث السني اليوم يعيش أحلى أيامه ، ويتمتع بكل مقومات المقبولية في بيئة تحميه وتحتضنه وتدافع عنه بالغالي والنفيس جهاراً نهاراً. وأما البعث الشيعي يعيش اليوم هزيمته الأخلاقية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى والعاقل يفهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأول مرة منذ 7 عقود، فيتنام تدعو فرنسا للمشاركة في إحياء ذكر


.. غزيون عالقون في الضفة الغربية • فرانس 24 / FRANCE 24




.. اتحاد القبائل العربية في مصر: شعاره على علم الجمهورية في ساب


.. فرنسا تستعيد أخيرا الرقم القياسي العالمي لأطول خبز باغيت




.. الساحل السوداني.. والأطماع الإيرانية | #التاسعة