الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل سيشهد المغرب نمطا جديدا من الاحتجاج؟

سعيد هادف
(Said Hadef)

2013 / 4 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي



الاحتجاج نمط من أنماط التعبير عن الشعور بالظلم أو للتنديد والإدانة والاستنكار... ويكون الاحتجاج عادة، عبر وقفة أو مسيرة أو اعتصام أو إضراب وفي الحالات القصوى يتحول إلى عصيان مدني. وعندما يحتج الشارع فلكي يلفت انتباه السلطة إلى أحواله، فتبادر، هي، إلى معالجة ما يمكن معالجته. لكن ألا يكفي أن نحتج احتجاجا خفيفا حتى تنتبه السلطة؟ وهل السلطة منشغلة عن المواطن لدرجة لم تعد تقوى على الإحساس به؟ وما يشغلها ياترى؟ أم أن السلطة في الدول العربية، مصابة بالصمم والعمى، لا تقوى على النظر وعلى السمع، كما لا تقوى على الرد؟ ولماذا عندما ترد لا تراعي الأصول والمعايير؟ ولا ترد إلا بعنف واستعلاء واحتقار؟

ما الذي يمنع السلطة، حينما يطرق المواطن بابها طرقا خفيفا، من أن تفتح له وتصغي إليه؟ لماذا تتجاهله، وتتركه أمام بابها فريسة لليأس والسخط؟ ولماذا عندما يواصل الطرق بقوة، تتمادى هي في الصمت ولسان حالها يقول: "لا تطرق الباب كل هذا الطرق... لست هنا". ولماذا تدفعه دفعا إلى الانفجار أو إلى كسر الباب؟

في مجتمعات الحضارة يكون رجل السلطة في خدمة المجتمع، وحين يخطئ أو يفشل يبادر إلى الاستقالة والاعتذار، وإذا ثبت ضلوعه في مخالفة قانونية، فإن القانون سيأخذ مجراه، أما محيطه فسيعاقبه أخلاقيا ونفسيا بالنبذ والإقصاء. في مجتمعات الفوضى، يكون المجتمع في خدمة رجل السلطة؛ وإذا أخطأ رجل السلطة أو فشل في مهامه فلا جناح عليه، فلا هو يستحي من نفسه ولا القانون سيسري عليه و لا حتى المجتمع سيعاقبه أخلاقيا.

على هذه الأرض عالمان متوازيان: عالم الحضارة وعالم الفوضى، وما يحدث على هذه الأرض، لا يمكن فهمه إلا في ضوء هذه الثنائية.(1)

غياب الدرس السوسيولوجي
كيف تعبر الحركات الاحتجاجية عن ذاتها في المجتمع المغربي؟ وكيف تشتغل في ظل نسق مفتوح على الأزمة والاختلال؟ وكيف تتعامل مع معطيات النسق وردود مالكي الإنتاج والإكراه فيه؟ وكيف تدبر خطاب وممارسة الانتقال من الاحتجاج العرضي إلى الحركة الاجتماعية القوية والفاعلة في مسارات صناعة التغيير؟ وما الثابت والمتحول في صلب هذه الدينامية؟ و لماذا يفشل الاحتجاج المغربي في التحول إلى حركة اجتماعية ويعجز بالتالي، حتى في الوصول إلى تحقيق مطالبه وأهدافه؟
تلك هي الأسئلة التي يثيرها الباحث عبد الرحيم العطري في كتابه " الحركات الاحتجاجية: مؤشرات الاحتقان و مقدمات السخط الشعبي ". يؤكد الباحث عبد الرحيم العطري بأن "السنوات الأخيرة شهدت تناميا ملحوظا لأشكال و صيغ الاحتجاج بالمغرب، ففي أكثر من مناسبة و على غير قليل من الأصعدة، لاحت حركات مختلفة في النوع و الدرجة، و هي تمارس "فعلها" و " سلوكها " الاحتجاجي، تعبيرا عن موقف يكون منطويا على الرفض في كثير من الأحيان. إلا أن هذا الحضور الذي باتت تسجله هذه الممارسات الاحتجاجية في مجموع النسق السوسيوسياسي المغربي، لم يوازه حضور آخر على مستوى الدرس السوسيولوجي، مثلما لم توازه مقاربات تحليلية من قارات علمية أخرى"
و كما أن للمعرفة ثمنا فإن العطري يؤكد في مقدمة الكتاب بأن "الانخراط في هكذا موضوع واقع على خطوط التماس مع مصالح مالكي وسائل الإنتاج و الإكراه يستوجب حسا معرفيا مغامراتيا، بالنزول إلى الميدان، و اختبار الممارسة الاحتجاجية واقعيا، و النتيجة، بالطبع، التعرض المحتمل لمضايقات و سوء استقبال و صيغ إحباط و منع من الوصول إلى المعلومات فضلا عن نصيب من الضرب بهراوات قوات الأمن، كما حدث ذات لقاء مع أحد المبحوثين بشارع محمد الخامس بالرباط، على هامش وقفة احتجاجية للمكفوفين من حاملي الشهادات المعطلين". يحاول العطري في منجزه البحثي هذا أن يسائل الثابت و المتغير في السلوك الاحتجاجي المغربي، و اتصالا بهذا السياق يمضي الباحث موضحا بأن "مفهوم الاحتجاج، مع ما يرافق هذا المفهوم من تمثلات وممارسات، انتقل على درب التغير، من مستوى الإضراب، إلى ظاهرة استغلال الفضاء العمومي عبر تجريب عدد من الأشكال الاحتجاجية، كالوقفات و المسيرات و الاعتصامات و الإضراب عن الطعام، متجاوزا بذلك، و بشكل نسبي، بعض إمكانات صناعة العنف و العنف المضاد التي كانت تبصم اشتغاله وديناميته في أوقات فائتة. إلا أنه بالرغم من ملامح هذا التغير فإن التعامل مع الاحتجاج لا يكون سويا في مطلق الأحوال، فغير ما مرة تلجأ الدولة عبر أجهزتها الأمنية إلى مواجهة السلوك الاحتجاجي بالمنع أو العنف الذي لا يكون مأمون العواقب داخليا و خارجيا .مثلما يلجأ المحتجون إلى تجريب أشكال "تصعيدية" فائقة الخطورة، كمحاولة الشباب المعطلين إضرام النار في أجسادهم، و احتلالهم لبنايات عمومية و إقبالهم على تكبيل أيديهم و أعناقهم بالسياج الحديدي التابع لمقر البرلمان"(2).
غياب الموقف الحزبي
كشف المشهد الاحتجاجي عن تخلف الأحزاب وغيابها عن الحركات المطلبية، خاصة منها الأحزاب "الكبيرة"، التي تشارك في الحكومة. واعتبر أحمد السباعي، عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد "الأحزاب الغائبة عن الحركات الاحتجاجية، هي التي لا تهتم بمصالح المواطنين، ولا علاقة لها بمصلحة الشعب".بينما يرى عبدالعزيز الرباح، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أن "الهيئات السياسية لها منطق مختلف عن الجمعيات، ففي الوقت الذي تتحرى هذه الأخيرة أسلوب الاحتجاج والتظاهر في الأماكن العمومية، فإن الأحزاب تعمل على رفع القضايا ذاتها، التي تناضل من أجلها الجمعيات، من داخل المؤسسات، سواء في البرلمان أو الجماعات المنتخبة، أو بواسطة المذكرات، التي توجه إلى الجهات المسؤولة"(3).
حول المجالين (الحقوقي والسياسي)، يقول عبد السلام أديب: "من الناحية المبدئية لكل مجال أهميته، فالعمل الحقوقي لا يعوض العمل السياسي والعكس صحيح، لكن الواقع المغربي له مميزاته، حيث توجد الدولة رهينة نظام يسود فيه الحكم الفردي وتتقلص فيه الإمكانيات المتاحة للعمل السياسي النبيل القائم على تعبيرات سياسية لمختلف طبقات المجتمع وشرائحه. ففي هذا الواقع يصبح المشهد السياسي مؤثثا بأحزاب سياسية همها الأساسي هو خدمة إرادة المخزن المتحكم في اللعبة السياسية في تناغم تام معه، ومعلوم أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المتبعة في بلادنا منذ عقود من طرف النظام القائم تتميز بخدمتها للمصالح الإمبريالية ومصالح الطبقة الحاكمة وتؤدي في المقابل إلى إفقار واسع للطبقتين الوسطى والمسحوقة وتوظف الأحزاب السياسية للدفاع عن هذه السياسات. إذن ففي مشهد سياسي من هذا القبيل وفي ظل تواجد جمعية حقوقية مكافحة كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان سيكون من الطبيعي أن تتم إدانة الخروقات الصارخة التي تنتج عن هذه السياسات وتطال على الخصوص الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبطبيعة الحال فإن الغلاء هو أحد الأدوات التي تنتهك هذه الحقوق، لذلك عملت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على دعوة عدد من الفاعلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين والجمعويين والمناضلين المستقلين للعمل معا في اطار تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية كمحاولة للتصدي لهذه السياسات"(4).

من الوهم الأيديولوجي إلى الفعل المدني

منذ احداث تونس 14 يناير 2011 و سقوط نظام بن علي اتسع نطاق الحركات الاحتجاجية في عدد من البلدان العربية ( مصر، ليبيا، اليمن، سوريا، الأردن، الجزائر، و المغرب ) وتعددت وسائل الاحتجاج لمناهضة انظمة الحكم في هذه البلدان، من تجمعات و اعتصامات و تسجيل أغاني و فيديوهات و بث أفلام و تصريحات على مواقع الكترونية و صحفية و أثيرية….و هي احتجاجات حسب بعض الملاحظين، لم تسلم من الاستغلال الدنيئ من قبل أطراف تكن العداء للنظام او للدولة القائمة و ليس اسقاط النظام وفقط.(5)
يمكن التسليم بهذه الملاحظة، لكن يمكن القول أن الأطراف التي تخترق الاحتجاجات، إنما تخترقها، أيضا، من أجل قطع الطريق على التغيير، وذلك باللجوء إلى إفراغ هذه الاحتجاجات من محتواها السلمي ودفعها إلى استعمال العنف وتحويل مسارها في اتجاه غامض. كما يكون الاختراق أحيانا من داخل القوات العمومية، حيث يلجأ أحد أفرادها أو بعضهم إلى استفزاز المحتجين ودفعهم إلى الرد العنيف.
يؤكد واقع الحال المغربي أن "ما يشهده المغرب من حركات احتجاجية لم يكن موجودا في السابق، الانتفاضات التي عرفتها الستينات والثمانينات كانت تستند إلى مرجعية إيديولوجية، ذات مطالب وطنية عامة، حيث السياسي يتداخل فيها بالاجتماعي، وأن المطالب نادرا ما كانت محددة، ما يميز الحركات الاحتجاجية الجديدة هو وجود تنسيقيات ذات صبغة مدنية تدافع عن قضية محددة في الزمان والمكان، كما تعزى أسباب تنامي الاحتجاج في المغرب، إلى تطورالمجتمع المدني بتجلياته الجمعوية وبروز الصحافة المستقلة"(6).
في عالمنا المعاصر الذي أصبح قرية صغيرة لم تعد فيها الشعوب معزولة عن بعضها بحكم الثورة المتعاظمة في مجال تكنلوجيا الاتصال وأثرها على تدفق المعلومات وتسهيل انسيابها، ترتب عن ذلك تغير في التمثلات، وبدا الصراع بين الأمم يتقلص ويتلاشى ليحل محله صراع القيم (القيم الإنسانية والقيم المعادية للإنسانية)، وبالتالي بدأ الخطاب الأيديولوجي يفقد بريقه بفعل تنامي المد الديمقراطي والحقوقي. فالمعركة الديمقراطية مفتوحة ومتجددة، حيث القوى الديمقراطية بوصفها وريثة العقلانيين الإنسانيين ومنجزاتهم الإنسانية التي تحققت عبر قرون من الجهد الخلاق، تجد نفسها اليوم تبتكر البدائل حتى ينعم البشر بحياة أكثر عدلا وحرية ورفاهية، لكن بالمقابل فإن قوى الاستغلال والاستبداد والفساد لا تنفك تجدد خطاباتها الأيديولوجية وحيلها السياسية من إجل إبطال أي مسعى مضاد لمخططاتها. وبناء على ما تقدم فإن ما يحدث في أي بقعة من هذه الأرض ليس سوى تجل لهذا الصراع القيمي العالمي، فالقوى الديمقراطية في الغرب لم تحسم المعركة نهائيا لمصلحة الديمقراطية، وهي في صراع دائم ضد اللوبيات والشركات المتوحشة والتيارات الأيديولوجية، وهذا الصراع نعثر على تجلياته في محيطنا العربي والإسلامي، فقد نجحت القوى الغربية المعادية للديمقراطية في بسط نفوذها على البلدان العربية والإسلامية من خلال بناء شبكات مع قوى الاستبداد المحلية. وما نعيشه في محيطنا المغاربي ليس سوى تجل لهذا الصراع الغربي- الغربي. فما هو واقع الحال في المغرب؟
في هذا السياق، يقول عبد السلام أديب: "الحكومة تعمل وفق مخططات تخدم المصالح الامبريالية ومصالح التحالف الطبقي الحاكم فتكون تلك المخططات بالضرورة لاشعبية، فالحكومة في هذه الحالة تعتبر ناجحة في المخططات التي تستهدفها. أما بالنسبة لمصالح الشعب المغربي وتجاوز الانعكاسات الحالية فالأمر يتطلب قيام حكومة شعبية منتخبة ديموقراطيا وفق دستور ديموقراطي صياغة ومضمونا يقوم على فصل حقيقي للسلط ويخضع كل مؤسسة دستورية للمحاسبة الشعبية وحينذاك يمكن بلورة سياسات اقتصادية واجتماعية تكون في خدمة الطبقة العاملة وعموم الكادحين"(7).
لقد انخرط المغرب في إصلاحات دستورية وسياسية، فهل ثمة ما يؤشر على بروز حكومة تؤمن بخدمة الشعب؟ وتتمتع بالكفاءة والأهلية؟
الجواب عن هذا السؤال ليس في يد الحكومة وحدها، الحكومة الحالية، بل هو مبثوث في روح كل مكونات، والمسألة تبدو أكثر عمقا، هذا ما نستشفه من واقع الحال المغربي بكل تمظهراته، ومن التصريحات والتحليلات والمقاربات المصاحبة للتحولات التي يشهدها المغرب، التي تؤكد على ضرورة دمقرطة التنظيمات الحزبية والنقابية، في هذا السياق جاءت ورقة عبد السلام أديب لتقر إن الديمقراطية تعيش محنة حقيقية حتى داخل القلاع التي من المفترض أن تحميها(8).
ينخرط المغرب ومن عدة مداخل، في حراك يصعب كبحه، فالشارع المغربي على غرار الشارع العربي فقد ثقته في النخبة السياسية، بشقيها الحاكم والمعارض؛ ومن المستحيل أن يتراجع إلى الخلف، أو يقبل بأنصاف الحلول؛ فهل سيشهد المغرب نمطا جديدا من الاحتجاج، يكون من داخل التنظيمات الحزبية والنقابية، من أجل دمقرطتها، وتحريرها من الذهنيات المتحجرة والأنانيات المصفحة؟ (9)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغرب الكبير وسؤال المستقبل: تونس ساحة أخرى للصراع بين القوى الديمقراطية والقوى المضادة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=243846

(2) الحركات الاحتجاجية بالمغرب- وجهة نظر- الطبعة: الأولى/أغسطس 2008
(3) تخلف الأحزاب السياسية عن تأطير الحركات الاحتجاجية
http://www.almaghribia.ma/Reports/Article.asp?idr=233&id=63833

(4) الحركات الاحتجاجية في المغرب ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=118587

(5) كشف المستور عن واقع الحركات الاحتجاجية في المغرب …
http://www.maghress.com/doniapress/20855

(6) الحركات الاحتجاجية الجديدة بالمغرب
http://www.madacenter.ma/index.php?option=com_content&view=article&id=91:2011-05-02-083658&catid=42:season2010-2011&Itemid=29

(7) الحركات الاحتجاجية في المغرب ضد السياسات الاقتصادية والاجتماعية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=118587
(8) لا مجال للتراجع عن محاربة المافيا النقابية والفساد والافساد النقابي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=301575

(9) المغرب ومحيطه العربي: الحتميات التارخية وحرب الاختيارات
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=261253








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصطفى البرغوثي: الهجوم البري الإسرائيلي -المرتقب- على رفح -ق


.. وفد مصري إلى إسرائيل.. تطورات في ملفي الحرب والرهائن في غزة




.. العراق.. تحرش تحت قبة البرلمان؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إصابة 11 عسكريا في معارك قطاع غزة خلال الـ24 ساعة الماضية




.. ا?لهان عمر تزور مخيم الاحتجاج الداعم لغزة في كولومبيا