الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سقوط النظام الدكتاتوري، هل هو احتلال أم تحرير؟

حمزة الجواهري

2005 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لغة الخطاب وتضارب الإراداة بعد الانفجار الكبير الذي حصل في العراق.
لو بدلنا هذا السؤال "" سقوط النظام الدكتاتوري، هل هو احتلال أم تحرير؟"" بسؤال آخر يحمل نفس المعنى وهو ""دخول الأمريكان، هل هو احتلال أم تحرير؟"" لكان الفرق كبيرا جدا بين السؤالين أو الخطابين، بالرغم من أن المضمون واحد، حيث إن دخول الأمريكان هو ما أسقط النظام الدكتاتوري، لذا منذ ذلك التاريخ ولحد الآن، بقي من ذاق الذل والهوان والجوع والخذلان والاهانة والاستباحة على يد الجلادين في الزمن البعثي البغيض، بقي هؤلاء لحد الآن عندما يتحدثون يقولون منذ سقوط النظام، وهم في واقع الأمر ممتنين للأمريكان، أما الذين كانوا منعمين بظل النظام الدكتاتوري العفلقي أو مستفيدين منه، بقوا يسمون ذلك التاريخ بيوم الاحتلال الأمريكي للعراق، أو الغزو المريكي للعراق.
من هنا نستطيع أن نفهم تنوع الخطاب بداخل العراق هذه الأيام وحتى خارجه، فحين نسمع أحدا يقول منذ سقوط الصنم مثلا، فهو يعتبر ذلك اليوم هو يوم تحرير ضمنا من دون أن يذكر ذلك، ومن يسمي ذلك التاريخ منذ احتلال العراق، فلا داعي أن تسمع الباقي من كلامه، فهو معروف تماما.
ببساطة شديدة نستطيع أن نستنتج من أن المستفيد من ذلك النظام هو من يرفض الوضع الجديد جملة وتفصيلا، ولا يقبل له بديلا على الاطلاق حتى لو كان جمهورية افلاطون، وكل الذي يجري على الأرض بالنسبة له مذل له وعلى حساب مصالحه التي فقدها، بل صار الوضع بالنسبة له جحيما لا يطاق. أما المستفيد من سقوط النظام الدكتاتوري العفلقي، حتى زبالة بغداد، التي عجز الدكتور علاء التميمي عن جمعها، يجدها زهورا ملقاة على قارعة الطريق، ولكي يظهر تذمره من أمر كهذا، يقول إن الجماعة في أمانة العاصمة ""كايمين بالخونة"" وقد تركوا الناس تسبح في بحر من مياه المجاري، لذا نريد أمين عاصمة حازم لكي ينقذنا من هذا الوضع ويعيد الجمال لمدينتنا، فهم يخلقون التفاؤل حتى من مظهر الزبالة.
من هذه المقدمة أردت أن أتلمس موقف الصدريين على حقيقته، فقد أفسدوا علينا ذلك اليوم الجميل بذكراه الثانية، وقد احتارت بهم أمة محمد، عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث كان صدام من ألد أعداء الصدريين، وهو من قتل منهم ما يزيد على عشرين علما من أعلامهم الأخيار، بدأ من الصدر الأول العلامة السيد محمد باقر الصدر وانتهاء بوالد مقتدى الشهيد الذي بكته الأمة بكل أطيافها، وهو أيضا، أي مقتدى، إبن النجف، حيث كان يصنف النظام البعثي هذه المحافظة على أنها سوداء، وكان بود الدكتاتور أن يبيد سكانها جميعا، بل ويبيد سكان الجنوب من بغداد حتى الفاو ابادة جماعية، ولكن الذي منعه من ذلك هو العالم بعد أن وضعه تحت حصار كتم انفاسه حتى يوم سقوطه، بالمناسبة لم يكن الحصار جائرا بالنسبة لأهل الجنوب وكوردستان، بل على العكس من ذلك تماما، فإنهم لم يكونوا يحصلون على رغيف من الخبز قبل ذلك، ولا دواء، لكن خلال أيام الحصار، وحين صارت أموال النفط تتحول إلى غذاء ودواء لهم، أصبح الأمر معكوسا، فالحصار، إذا، كان بالنسبة لهم نعمة لا نقمة، إذ بدلا من قتلهم جماعيا على يد صدام، صار الأخير مجبرا أن يوزع عليهم الغذاء، وإن كان يأخذ منه حصة الأسد له ولجماعته والحرامية المحيطين به، أما بالنسبة لكوردستان، فلم تكن تلك الفترة تسمى أيام الحصار، حيث الأمور كانت أكثر وضوحا بالنسبة لكوردستان، فقد بقيت تسمى فترة ""الحماية الدولية"" من النظام، فقد أتاحت لهم هذه الفرصة أن يؤسسوا نظام ديمقراطي تعددي وبرلمان منتخب ويشقوا الشوارع والطرقات، ويعمروا المدن الكوردية، هذا بالاضافة إلى الغذاء والدواء الغير ""مغشوش"" كما هو الحال في الجنوب، لذا لم يسمي الكورد تلك الفترة من الزمن ب""زمن الحصار"" فهم يقولون وقت كنا تحت الحماية الدولية.
نعود لمقتدى الصدر مرة أخرى، اذا كان الأمر بالنسبة له هكذا فلم كل هذه المواقف الشاذة في زمن التحرر من نظام البعث البغيض؟ ربما يقول من قائل إن دول الجوار من كان يدفعه للاتخاذ هذه المواقف ويقوم بكل هذه الأعمال، هذا صحيح بلا أدنى شك، ولكن دول الجوار لا ولن تستطيع أن تدفع به نحو هذا المنزلق الخطير ما لم يكن هو من اختار ذلك، وعنده الاستعداد لفعل ما يريدون. من خلال متابعاتي لهذا الرجل، فهو الآن بعمر يمكن أن نطلق عليه مسمى رجل، هذا الرجل كان قد ورث عن أبيه مؤسسة مالية، خيرية، تتدفق عليها اموال الزكات والخمس، في حين لم يكن باستطاعته الاستفادة من هذه الأموال أيام النظام، لذا فهو معاد له، لأن صدام يقف سدا أمام رغبته باستثمار هذه الأموال لمصلحته وتحقيق رغباته مهما كانت، من ناحية أخرى أخرى كان أبيه الشهيد لم يسمح لنفسه ولا لأبناءه الاستفادة من هذه الأموال لأغراض شخصية، وبقي الشهيد الأب يعيش وأبناءه من متجر له في السوق الكبير في النجف بالرغم من تدفق هذه الأموال على المؤسسه، لذا كان الصبي مقتدى، آن ذاك، يرى هذه الأموال الطائلة ولا يستطيع التصرف بفلس واحد منها، وهو الفتى الغر والمراهق، لذا بعد استشهاد أبيه وأخويه الأكبر منه سنا، أصبح هو من يستلم كل هذا القدر من الأموال لأنه وريث المؤسسة، لذا فالنظام البعثي كان صاحب فضل عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى كان يحقد عليهم لأنهم قتلة أبيه وأخوته وأعمامه، هذا بالاضافة إلى أنهم لم يسمحوا له أيضا باستغلال هذه الأموال من اجل السلطة. لكن وبعد سقوط النظام كان الأمر بالنسبة له تحريرا من ناحية أنهم أعدائه، ولكن بذات الوقت لم يسمح له الأمريكان أن يقيم نظامه الذي يريد، فلم يستطيع أن يقيم حكومته بظل الاحتلال، كما أصبح يسميه، ولم يستطع أن يحقق أيا من أحلامه التي رسمتها له الشلة المحيطة به من جلاوزة النظام المقبور، تلك الشلة التي أحاطت به وهم على هيئة رجال دين، في حين، في واقع الأمر، كانوا معه من قبل أن يسقط النظام، وهم من رجال المخابرات كانت مهمتهم أن يمنعوا الفتى مقتدى من التهور والخروج عن سيطرة الدكتاتور بعد أن آلت إليه المؤسسة الخيرية بأموالها الطائلة، لذا نجد أن الخطاب الصدري أصبح ذو وجهين كتلك الصور التي حملها أتباعه يوم التاسع من نيسان الماضي، الصورة تحمل من جانب جورج بوش ومن الجانب الآخر صدام، حيث كلاهما منعوه من تحقيق أحلامه بالسلطة المطلقة التي وعده بها أتباع السوء واستفادت من هذه المواقف كل دول الجوار، وهكذا أصبح الخطاب لجماعة مقتدى الصدر متميزا فإنهم يسمون قوات المتعددة الجنسية ""بقوات الاحتلال"" ويطالبون المحتل أن يرحل من البلد لكي يتسنى لهم اقامة دولة كان قد بين مقتدى بعض ملامحها قبل أكثر من عام ، تبدوا ملامحها أوضح من خلال ممارساتهم في محافظات الجنوب، بذات الوقت يسمون النظام الدكتاتوري ""بنظام هدام""، وهم بذات الوقت راحوا، على هذا الأساس، ينسقون مع قتله شهداء الصدريين من أجل الجلاء لقوات الاحتلال الأمريكي، ويشاركون أيضا في البرلمان العراقي الجديد!!!!! لذا فإن هذا التيار منسجم فقط مع نفسه وضمن خطابه الخاص الذي تبناه بالرغم من غياب المنطق العلمي الذي يتحكم عادة بأي خطاب.
لكن نجد أن المظاهرة التي خرجت في مناطق نفوذ البعث من العراق كانت أكثر انسجاما من تظاهرة مقتدى، فهم حملوا شعارات كلها تندد فقط بالاحتلال الأمريكي البغيض، كما يسموه، ورفعوا صور صدام حسين على أنه هو الرئيس الشرعي للعراق، في حين كانت الأغلبية الصامتة، والتي ذهبت ذات يوم لتقيم الشرعية الجديدة الحقة من خلال صناديق الانتخاب، كانت هذه الفئة فرحة بذلك اليوم العظيم الذي سقط به النظام، وذلك برغم التنوع أيضا بالخطاب ضمن هذه الفئة، فالذي يقول يوم ""سقوط التمثال"" غير الذي يقول يوم"" سقوط الصنم""، فلو قلنا الصنم بدلا من التمثال، فإن الخطاب بلا شك سيكون دينيا وليس علمانيا، لأن سقوط الصنم يعني للمتدينين اقامة دولة اسلامية، في المقابل، سقوط التمثال الذي يعتبر رمز الدكتاتورية يعني بالنسبة للعلماني اقامة دولة علمانية ديمقراطية.
وهكذا تنوعت تسمية هذا اليوم العظيم بظل النظام الديمقراطي وحرية الكلام والرأي، كما تنوعت الموافق من الوجود الأمريكي البريطاني في العراق أيضا على هذا الأساس، وكذا تنوعت المواقف من شكل النظام الجديد الذي مازال التحدي الكبير بالنسبة للجميع، فالكل يريد له أن يكون كما يود أن يكون، ولكل منهم حقا في هذا العراق المسكين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اختتام مناورات الأسد الإفريقي بسيناريو افتراضي استخدمت فيه م


.. بعد ضربات أمريكية على اليمن.. يمني يعبر عن دعمه لفلسطين




.. فرق الإنقاذ تنتشل جثمانين لمقاومين استشهدوا في جباليا


.. واشنطن: بلينكن دعا نظراءه في السعودية وتركيا والأردن للضغط ع




.. فرق الإسعاف تنتشل جثامين مقاتلين فوق سطح منزل بمخيم جباليا