الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة الصنم

يوسف الأخضر

2013 / 4 / 13
الادب والفن


انزوى المكان في حيز صغير لا يقبل حقيقتان، و تلعثم الوقت متحسرا على نفسه في مشهد احتقار و شنآن، كان بودي أن أكسر النوافذ الزجاجية من حولي، حتى نتنفس من هوائهم الغني بأكسجين الحياة. منازلنا لا تقبل حقيقتان، فقط هي الهوية تحرك سكوننا من حين لآخر، نبتغيها ماضيا و حاضرا و مستقبلا، فإن فقدنا كل شيء تبقى فكرتنا عن كل شيء متربعة عرشنا الميت، فنحن نحيي الميت على رفاث قاتله، و نحمي آثارنا و نعبد الماضي اللعين، نتربص كل عابر سبيل حتى نطعمه من جوعنا، نختزل كل حقيقة معقدة أو ننكرها لعلةِ تعارضها مع إحساس دفين، لا نقبل الشك إلا لتأكيد الخيانة كل مرة. يأسرني منظر الفُلك و يهوي بكل حقيقة قائمة، تذوب كل الجبال الثلجية بداخلي بلفحة شمس قاضية، أيحق للبصر أن يتوه و يعلن غيضه؟ ما لسمعنا لا ينصت؟ تذوقوا مرّكم لتتبينوا معنى غزارة الكلمات، سارعوا لاحتلال القبور لتدركوا أسلوب الحياة، لقد تمدد كل جسد و تعرى في كفن الموت، تلازمه الحياة كأنها تراجيديا إغريقية، فيبلغ الإنسان مرتبة أخاف عليه من إنسانيته فيها، لم يحن وقت المجهول و لا الإكترات باللامعقول حتى نشمل بعطفنا كل المعلوم، و نصيغ منه فائدة تعم الجميع.

تختزل هوياتنا كرها لحاضر مختلف عنها، لأننا تعودنا أساليب مكر الكلام واحتلال قلاع المدن، و انطلقنا من وسط التاريخ فاحتكرناه لأنفسنا كأنه استخلاف من رب يسكن السماء. الهوية مستقبل و ليس ماضي، إنها ما سيكون الإنسان و ليس ما كان، يولد الجبن من أرحام رفاث القبور، فيكبر فينا ممتطيا أجسادنا المتعبة كأنها خيول تتسابق في مضمار حضرة رب السماء. إن احتضار هوياتنا انتصار لجنس الإنسان، وتقدير له في اتساعٍ آخر للمكان، ففي تجاوز الحدود شجاعة آسرة قاتلة للنفوس الضعيفة. لم يعد يهم الأصل في حضرة الغياب، لن يكون هنالك ماضي يحفظ حاضراً أو أمس يقرر كيف للغد أن يكون، إن تراتب الزمان واحد يسير وفق خط رفيع في اتجاه مجهول، فما لنا لا نفرق بين محمدا و محمودا إلا بالكتاب المقدس؟ لا نعرف كنه الأشياء إلا وفق أجندة المشرع الأول؟ فلا يحلو لنا العيش إلا بانتسابنا لأحد الأنبياء و الرسل؟

اقتنصوا غيضكم المكمم بأرق الاختزال و انقضوه في حضرة الاغتيال، سارعوا لإثبات مجدنا القادم كأنه ريح عاتية تعم أرض الصديق و العدو، لطالما مسنا هوس التاريخ فنسينا حاضرنا و تركناه يتلضّى بنار الاختزال، لن تُبنى قط حضارة على أنقاض الانتظار، لأن من يهاب مصارعة الثيران فعليه بمدرجات الاحتماء، لا جبن في احتراس الأخطار لكن الجبن عندما ننزوي بها إلى غرفة الاحتضار. يجب التطلع للأمام، و الكف عن دعوة السماء، إن الهداية كناية، والتوكل للإنسان أشرس خيانة، باسمك أنت أيها الإنسان امتلكت الطبيعة لغتها، و وهبت لكل معنىً فيها ألفاظها و أسمائها، إن شأنك لعظيم، و تقديرك لصائب، عند كل آخر طريق بداية طريق جديد، و إلا لما كان للسراب معنى وسط الصحراء القاحلة. لقد تعوّدت الطيور الارتحال كلما اشتدّ جوعها، و احتلّت أرض الدفئ بعد الصقيع، تطلق أجنحتها للريح بعد كل نذير، ليس للهوية لديها شأن و لا مصير.

إن الصنم لقاتل لعوب، يستفز الإنسان كلما انزوى بعتقه نحو المجهول، كلما تطاولت أنامله على حضرة الصنم تبسّم باقتدار العلّيين و سحب سيفه من غمده، أيتطاول العبد الضعيف على سيده؟ أيجرؤ اقتباس المقولات من غير كتبه؟ قل كتابي هوّيتي و احتضر بين الصفوف المقاتلة! واعلن انسحابي كلما اشتد القتل و لا تقل أن الصنم يحب لعباده الموت! إن الإنسان الذي يصبو إلى حريته تكسر كل معنى للهوية بخلجه، و انشغل بزهده عن صنم التاريخ و قيوده، فسارعت أحقاده للزوال و الفتور، غير آبه باحتلال مزرعة أمست ملكه. فالهوية انشغال فارغ من أي استفادة و صنم وهمٍ يشغل فراغ الإنسان في حربه الدائمة على جنسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر