الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة: -كلاكيت آخر مرّة-

محمد عبد المنعم الراوى

2013 / 4 / 14
الادب والفن



ليلة طويلة لا أعرف متى ستنتهى!. إنها أول مرة أقضى فيها ليلة كهذه بمفردى!. الكل سافر، زوجتى وأبنائى. لا أعرف كيف وافقت على سفرهم؟! لا أتذكر بالضبط الساعة التى سافروا فيها!، لم يخبرنى أحدهم أين سيذهبون!. هذا أمر لم يحدث لى من قبل!. آه. صداع شديد يعصر رأسى، أشعر أنى أنا الذى سافرت وليس هم!.
حاولت الاتصال بصديق، أعطانى مشغول؟!. فتحت النافذة، كل النوافذ مغلقة !. فكّرت فى أن أنزل من البيت لأجلس على مقهى. عقارب الساعة كانت كمن يخرج لسانها لى، الوقت لا يسمح. حاولت أن أستعين بكل الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة لعلها تعوضنى شيئاً عن شعورى بالوحدة، لكن دون جدوى حيث لا جديد تحت الشمس، أقصد القمر. أغلقتها جميعاً.

جلست أمام شاشة الكمبيوتر. لأتواصل مع أحد من البشر الذين يواصلون الليل بالنهار. يا للحظ! انفصل التيار الكهربىّ! ما كل هذا؟! صمت.. سكون.. وحدة.. ظلام.. ملل.. ضيق.. اكتئاب.

لا يزال خيطٌ من شعاع يأتينى، لا أعرف من أين؟! من الداخل! من الخارج! لا يهم، إنها فرصة لأمارس هوايتى فى الكتابة. فالهدوء بالفعل مغرٍ، وذلك الصمت لا يُعوض. الأفكار تتكالب على عقلى، والخواطر تنساب على نفسى. سرعان ما جمعت كل الأوراق الفارغة البيضاء. قبضت على القلم، وما إن شرعت لأخطّ به حتى وجدته فارغاً كليلتى، لتظل الصفحات البيضاء ناصعة، تذكرنى بيوم ولادتى، كأنّها تخشى مما كنت سأخطه على سطورها المستقيمة. لكنّى كنت سأشكو لها شعورى بالفقد، وقسوة تلك الليلة الغريبة على نفسى. كنت سأسجل كل ما عجزت أن أعبر عنه صراحةً من قبل.

إنى أحبكم جميعاً يا أبنائى. ما ارتكبت فى حقكم غير خطيئة، ارتكبها أبى فى حقى من قبل، لا أقدر على أن أغفرها له، فهل يستطيع أحدكم أن يملك صك الغفران لى وله حين يجلس منفرداً تحوطه ليلة كليلتى تلك، أتمنى ذلك، رغم أنى لا أثق فى أحدٍ منكم! الخطيئة مغرية. لا تستثىنى، ولا ترحم! إنى عشقتك زوجتى رغم الخطيئة!، وسأظل أعشقك لكن دون أن أكرر الخطيئة، فليلتى لم تعد تسمح لى، لقد أيقنت أنك الحقيقة، وأنّ وجودك سر وجودى. و... آه. أشعر بالصداع ولا أجد رأسى!


لم أعد أملك الآن غير بقايا من عقل يجول بى بلا هوادة، يحملنى كبساط الريح عبر كل الأماكن المظلمة وغير المظلمة. عبر كل الأزمان القريبة وغير القريبة. يطلعنى على كل الأفعال الماضية المبنيّة للمعلوم والمجهول لدىّ، وكل الأسماء المعرفة والنكرة فى قاموس حياتى، وكل حروف العطف والتوكيد والنفى والنهى فى علاقاتى. لقد رفعنى بساط الريح ونصبنى وجرّنى دون إرادتى!

أخيراً استقرَّ بى فى قاعة عرض لأشاهد فيلماً سينمائيّاً بعنوان "كلاكيت آخر مرّة". أُطفأت كل الأنوار. رُفِع الستار. بدأ الفيلم. لم ألحظ متى بدأ، ولا أعرف متى سينتهى!. لكن كيف أكون أنا بطل العمل ومخرجه ومنتجه والمُشاهد الوحيد له!. الفيلم ملوّن بألوان لا أعرفها، تتخلّله مشاهد كثيرة بالأبيض والأسود. فيه الكوميديا والتراجيديا. الواقع والخيال. بدون رقابة ولا مونتاج، صورة واضحة لا تكذب ولا تتجمّل. خطفنى الفيلم كأنّى لم أشاهد أفلاماً من قبل ولن أشاهد، لأنى لم أعد أشعر بالمكان ولا الزمان!

أسمع الآن خطوات ودقات، إنّها زوجتى وأبنائى، نعم هُم!. أسمعهم يصرخون وينادون علىّ. أنا لا أملك الخروج إليهم! لماذا لا يدخلون؟!. لا ليتهم لا يدخلون!. الفيلم طويل وأظنه لن ينتهى إلاّ مع انتهاء تلك الليلة.. إذا انتهت!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة • فرانس


.. صباح العربية | بينها اللغة العربية.. رواتب خيالية لمتقني هذه




.. أغاني اليوم بموسيقى الزمن الجميل.. -صباح العربية- يلتقي فرقة


.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى




.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية