الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في اغتصاب مفهوم الثورة

محسين الهواري

2013 / 4 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


لقد علمنا التاريخ أن التجارب الثورية حكمت دائما بنظريات ثورية دقيقة مكنت الطبقات المستفيدة من التغيير من فرز التناقضات الثانوية والرئيسية بجلاء، وكذا من تمييز أصدقاء الثورة من أعدائها. إن النظرية الثورية ترشد الجماهير الشعبية لإدراك مصالحها الطبقية، وبالتالي معرفة من له مصلحة في التغيير ومن يرى مصالحه في مهب رياح الثورة.

هذا التقديم يدفعنا إلى تأمل ما حدث ويحدث بالمناطق المغاربية والعربية. فهل فعلا ما حدث يعتبر ثورات حقيقية، أم هي مجرد إرهاصات احتجاجات شعبية تم الالتفاف عليها واغتصابها في مهدها. فإذا قلنا بثورية ما وقع، فما هي النظرية الثورية الملهمة والمرشدة لهذه "الثورات"، ومن المستفيد منها ومن هم "ضحاياها".

فالثورة الفرنسية التي بدأت في عام 1789، والتي قضت على أسس المجتمع الفيودالي بإلغائها لامتيازات النبلاء ورجال الدين، وأسست بعد ذلك لمجتمع ينبني على مقومات جديدة أساسها سيادة البرجوازية كطبقة سائدة بعدما كانت مسودة، طبقة أصبحت تمتلك وسائل الإنتاج وتستعبد طبقة جديدة لا تمتلك إلا قوة عملها. في الوقت الذي شكلت فيه ثورة أكتوبر 1917 البلشفية، بقيادة حزب ينهل من نظرية ثورية اعتبرت مرشدا إيديولوجيا لتحرر الطبقة العاملة، نقلة تاريخية أخذت البشرية من مبدأ استغلال الإنسان لأخيه الإنسان الى مجتمع ينبني على العدالة الاجتماعية. وقد تميزا هذين المثالين سواء في صنفه البرجوازي أو البروليتاري بتناقضات جلية بين طبقات متناحرة لها مصالح متمايزة على المستويات الاقتصادية والسياسية والإيديولوجية.
لكن عند عودتنا إلى النماذج المغاربية والعربية، والتي ألبسوها لبوس الثورة زورا وبهتانا، نجدها تفتقد الى كل مميزات الثورات الحقيقية باستثناء ثابت الاضطهاد الطبقي. هذه المسلمة سندعمها بتساؤلاتنا التالية: هل هناك نظرية ثورية مرشدة لهذه الانتفاضات الشعبية، وهل هناك أحزاب ذات بعد ثوري ملتحمة بهموم الشعوب تقود هذه الانتفاضات، وما هي الطبقات التي كانت مسودة وأصبحت سائدة، وبشكل أدق، هل تم هدم علاقات انتاج معينة لتأسس على رواسبها علاقات انتاج جديدة. وهل انتقلنا من علاقات انتاج اقطاعية الى علاقات انتاج رأسمالية كما حدث مع الثورة الفرنسية، وهل حولنا نمط الانتاج الرأسمالي الى نمط انتاج اشتراكي كما حدث مع الثورة البلشفية، وهل تم انجاز مهام الثورة الديمقراطية وهو الأقرب الى واقعنا.

لا شيء تحقق من كل ذلك لسبب بسيط، فنفس الواقع الذي كان قائما قبل مبارك هو الذي لا زال بعده، نفس الأمر ينطبق على تونس وعلى ليبيا وحتى على المغرب، ونفس الشيء سينطبق على سوريا بعد إسقاط نظام الأسد ان استطاعوا اليه سبيلا. نفس الأوضاع الاقتصادية المتردية، نفس الآلة القمعية، نفس السياسات التفقيرية، مزيدا من التشرذم الطائفي ومزيدا من الانقسامات المبنية على أسس عرقية أو دينية.

إن جوهر الثورات هو التغير- التحول- التقدم وليس الكمون – السكون - التخلف. هذه هي القاعدة، لكن أساس ما وقع ويقع في تجارب الدول المغاربية والعربية هو الكمون إن لم نقل أن أزمة الشعوب تكرست واشتدت أكثر بفعل إجهاض هذه الانتفاضات التي لا يجادل أي أحد في عفويتها كما لا يجادل أي أحد في كون تعطش الشعوب وحده للحرية لا يكفي لخلاصها.

نستغرب فعلا لأولئك الذين انطلت عليهم حيل الإعلام المدعوم بعائدات غاز وبترول عشائر نفطية تنتهج سياسات قرن أوسطية، فمتى دعمت الوهابية التحرر وهي التي لا تسمح للمرأة حتى بسياقة سيارة - عفوا، لقد سمحوا لها بقيادة الدراجة الهوائية لكن بشرط وجود محرم، يا لها من معجزة - ونساء الغرب اخترقنا الفضاء، لا نفهم ولا نريد أن نفهم عقلية من يعتبر المرأة المسلمة قاصرا من مهدها إلى لحدها لكنه ينبطح أمام نساء الغرب ليقدم لهن الولاء. لا أدري هل يعتبر شيوخ الوهابية والسلفية نساء من صنف أنجيلا ميركل وهيلاري كلينتون قاصرات أم أن فتاواهم لا تتعدى شرعيتها المرأة المسلمة. متى دعمت قطر حرية الشعوب وهي التي حكمت على شاعر بالمؤبد نظير قصيدة شعرية يرثي فيها أحوال بلده، ومتى كانت تركيا مدافعة على حقوق الشعوب وهي التي تنكل بالشعب الكردي أشد التنكيل.

إن القاسم المشترك في كل الدول التي عرفت سقوط أنظمة عميلة لإمبريالية هو صعود أنظمة حكم غارقة في الرجعية همها الوحيد هم استخدام خطابها الأخلاقي للتستر على واقع الأزمة البنيوية التي تتخبط فيها الشعوب. فالثورة البلشفية، ومنذ بدايتها، عملت على تصنيع روسيا للنهوض بها من واقع المحراث الخشبي إلى قوة اقتصادية عالمية، ولكم في تأمل تهكم الغرب من القائد لينين عندما عزم على كهربة كل التراب السوفياتي في خمس سنوات، ليتحول التهكم الى اندهاش، لينين هذا قال بأن أسهل شيء هو اتخاذ قرارات سياسية تهم التصنيع وبناء اقتصادات وطنية، لكن الأصعب هو الخوض في نقاشات تخص الموقف من المرأة ومن الأسرة بفعل قرون من التجهيل رسخت نمطا معينا من التفكير يحتاج إلى سنين طويلة لزعزعته.
أما "الثورات العظمى" المدعومة من الوهابية السعودية والسلفية القطرية فقد وضعت الانتفاضات الشعبية على رأسها، فبدل استثمار ملايينهم من أجل النهوض بأوضاع كادحي هذه البقع البئيسة من المعمورة نجدهم يعملون على إشعال فتيل حروب طائفية قذرة: سنة / شيعة، أو عرقية: عرب / أكراد. أو يروجون لأفكار نجسة في جوهرها، من قبيل المرأة العفيفة كنز الرجل ، دون الحديث عن هوية وصفة كنز المرأة، أو يتساءلون على وجوب اخفاء المرأة لملامحها بالنقاب السعودي أو بالبرقع الأفغاني، هي خطابات تبتغي استعباد المرأة وإفراغها في أحسن الأحوال من انسانيتها.
أما في واقع الأمر، فهذه القوى الرجعية تعمل قدر المستطاع على كسب رضا الإمبريالية من خلال ترجمة كل املاءاتها حرفيا، انها طاعة أولي الأمور واحترام من هم أكبر منهم، ليس سنا بالطبع، حتى يفوزوا بالدار الآخرة. كل ذلك يتجلى في أمثلة بسيطة مثل محاولة مرسي مصر خصخصة قناة السويس بعدما دفع الشعب المصري الغالي والنفيس من أجل تأميمها، وإهداء إخوان ليبيا الإمبريالية أجود أصناف البترول في الدنيا كلها، واغتيال تونس النهضة لخيرة أبنائها – اغتيال المناضل التقدمي شكري بلعيد- وحذف حزب العدالة والتنمية المغربي ذو المرجعية الاسلامية ل 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار العمومي لهذه السنة تنزيلا لإملاءات صندوق النقد الدولي.

إن جمع هذه المعطيات يقدم لنا حقيقة برامج الإسلام السياسي المتخفية بخطابات أخلاقية زائفة، برامج في غاية الانسجام مع سياسات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، سياسات تروم الى تعميق وتكريس التفقير والتجهيل، والتأكيد على النعرات العرقية والطائفية لإلهاء الشعوب عن مصالها الحقيقية. انظروا كيف تتصدى حكومات أمريكا اللاتينية - أغلبها يسارية - الى سياسات الإمبريالية، وهي سائرة الان في بناء اقتصادات وطنية. انظروا كيف تعمل هذه الحكومات على تأميم مؤسساتها في الوقت الذي تعمل فيه الحكومات الملتحية على خصخصة ما تبقى من خيرات شعوبها. وكما قال المفكر المغربي المهدي المنجرة أن من يعتمد على سياسات الخصخصة كمن يبيع أثاث منزله. إن الثورة علم ومنهج ونظرية وليست مؤامرات وكذب واستحمار للشعوب كما يفعل من يغني في العلن بأن الكذب من أكبر الكبائر. اتركوا جزاكم الله خيرا هواية الافتراء على الثورة لأنكم لن تجدوا لها في كتبكم المقدسة أي أثر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من يتحمل مسؤولية تأخر التهدئة.. حماس أم نتنياهو؟ | #التاسعة


.. الجيش السوداني: قواتنا كثفت عملياتها لقطع الإمداد عن الدعم ا




.. نشرة إيجاز - الحكومة الإسرائيلية تغلق مكتب الجزيرة


.. -تجربة زواجي الفاشلة جعلتني أفكر في الانتحار-




.. عادات وشعوب | مدينة في الصين تدفع ثمن سياسة -الطفل الواحد-