الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


برهان شاوي بعيون باريسية

جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)

2013 / 4 / 15
الادب والفن


برهان شاوي في سطور قليلة
د. جواد بشارة

من بين قائمة المبدعين العراقيين في المهجر، وهي طويلة والحمد لله، يبرز إسم برهان الشاوي كمبدع متميز ومتنوع في إبداعه فهو شاعر وكاتب وروائي وناقد ومترجم وباحث في مجال الاتصالات وهو قبل كل شيء مثقف عراقي موسوعي. رفد المكتبة بكثير من المؤلفات والترجمات التي تركت وستترك بلا شك أثرا في وعي القارئ وطريقة تفكيره ورؤيته للحياة ولقد امتدت تجربته الابداعية بين العراق والمنفى المتعدد الأسماء على امتداد عقود طويلة. كان سلاحه في مقارعة الظلم والطغيان ومحاربة أشباح الظلام في الماضي والحاضر هو قلمه وكلماته وشخوصه وصرخته المدوية لمحاربة كل أشكال القهر.
يقول برهان الشاوي: انتظر الشعر يمر من امام نافذة الروح لا ننسى أن برهان الشاوي بدأ شاعراً متميزاً بأسلو تطويع الواقع وأحداثه ليصيغه شعرا مرمزاً يحمل عناوين تحمل في طياتها دلالات عميقة من مراثي الطوطم الى شموع السيدة السومرية مروراً برماد المجوسي وأطفال الجن وضوء أسود وتراب الشمس ورماد القمر وظلال العدم وغيرها. ففي عام 1975 في بغداد كان يرثي الشرفة البغدادية وهو dقول:
ماباله هذا البهي الجميل
لا يرشق الشرفة بالأزهار
ولايغني تحت شباكنا
ولايفيض الحزن في القيثار
ما أوحش الشرفة من دونه
ما أوحش الأشجار
وفي سنة 2000 في منفى آخر كتب شموع في معبد السيدة السومرية مناديًاً:
أيتها السيدة
كيف لي أن أفهم صمت التماثيل ؟
كيف لي أن أحمل الجبل؟
كي أروض العاصفة
ها أنا أسوق اللغة إلى أذنيك
أخاف أن تدنسها الشفاه المنافقة
يقودنا برهان الشاوي في متاهاته التي هي متاهاتنا نحن، فكلنا آدم وكلنا حواء كما هي شخصياته الروائية التي تحمل هذين الإسمين فقط في مشرحة بغداد ومتاهة آدم ومتاهة حواء، حيث دلالة الإسم رمزيته. وتجدر الإشارة الى صدور روايته الجديدة قبل أيام تحمل عنوان متاهة قابيل التي هي استكمال لعالم المتاهات وتناسل الأبطال واستمرار تجاربهم الحياتية المأساوية.
لقد كان برهان شاوي شاهداً في رواية مشرحة بغداد يرى ويوثق ويسجل ويعيد صياغة الواقع بصيغة الفنتازيا والعالم الشبحي حيث التداخل بين العوالم المرئية والعوالم غير المرئية.وكان بطلاً وشخصية رئيسية في رواية الجحيم المقدس يعيش بنفسه مأساة الأبطال الآخرين ويعاني منها. ومن ثم صار خالقاً للشخصيات الواقعية والأثيرية أو الوهمية الخيالية لكنها تحمل الكثير من سماته الشخصية وتجربته الذاتية الى جانب تجارب وسمات الشخصيات الحقيقية التي التقت به في الحياة الواقعية وألهمته شخصيات رواياته لا سيما في ثلاثة المتاهات ، أي متاهة آدم ومتاهة حواء ومتاهة قابيل. ومن خلال تلاقي وتداخل وتفاعل التجارب الذاتية والغيرية تمكن أن يرسم ما يستعيد مما اختزنته ذاكرته من قراءات روائية ثقافية موسوعية ومشاهدات فيلمية لتحف سينمائية ، تلخص هاجس الكاتب وتساؤلاته الوجودية وقلقه الوجودي ومخاوفه وبحثه عن المعنى والأصل والمصير بفضل ما تردده الشخصيات من حوارات وسجالات وأفكار وتمنيات وتخيلات.
أسلوبه الروائي مثار جدل لكنه بلا أدنى شك أسلوب شخصي يعكس بصمات برهان وعالمه الروائي المتميز والفريد من نوعه فهو أثر قائم بذاته وذو لغة معبرة وعميقة رغم بساطتها المتعمدة في بعض الأحيان فهي لغة الصورة المستمدة من عالم السينما الذي مارس تأثيرا كبيراً على مخيلته الابداعية والأسلوبية وتعاطيه مع شخصياته بطريقة الاخراج السينمائي على الورق وعرضه لشخصياته الروائية وللمواقف التي يعيشونها والتي يستمدها من تجاربه الشخصية وعلاقاته التي عاشها في العراق والمهجر على مدى عقود طويلة، بفضل تقنية التداعي والعودة إلى الوراء أو الفلاش باك والتوازي في حدوث المشاهد والأحداث والتنقل بينها مثلما تنساب المشاهد السينمائية عن طريق المونتاج، فلكل شخصية في عالم رواياته الافتراضي هناك مقابل واقعي في زمن ما ومكان ما تكون هي الملهمة لخلق الشخصية الروائية خاصة في رواية مشرحة بغداد. عوالمه الروائية لاتبتعد عن الهم العراقي حتى لو جرت أحداثها على أرض المنافي البعيدة. عندما يبدأ لديه الحس بضرورة الكتابة الرواية فإنه يندفع في الكتابة بنية، وفكرة غامضة، مهيمنة، لكنه لا يفعل ذلك وبنفس هذه الآلية مع القصيدة. فهولا يذهب إلى الشعر، وهو واعي أنه سيكتب نصاً فيه الكثير من القصدية الواعية، لذلك ينتظر الشعر ان يمر من أمام نافذة الروح، يرن بجرسه الفضي، فيتبعه إلى الغابة الغامضة. على حد تعبيره في إحدى المقابلات في حين أنه يعرف سلفاً بانه سأكتب عدداً آخر من الروايات..لديه إحساس غامض بذلك لكنه مؤكد .. بينما لا يعرف بالضبط متى سيكتب القصيدة المقبلة .
وهو لا ينكر أن للواقع السياسي والاجتماعي العراقي تأثير وانعكاس مباشر وغير مباشر، على كتاباته الشعرية والروائية ، وحتى ترجماته..فلقد أمضى أربعون عاما من عمره الابداعي في مناهضة الدكتاتورية ، و محاربة العقل الشوفيني العنصري ، والدفاع عن الإنسان وكرامته وحلمه بالحياة الكريمة، وهو بكل تأكيد مستمر في هذه المهمة الجليلة الى آخر نفس في حياته الابداعية. يقول برهان أن قصائدي تمثل صرخة الرفض لكل أشباح الظلام، من القوميين الشوفينيين، إلى حاملي الرايات الذين خرجوا من الأقبية المعتمة وبطون الكتب الصفراء. أما أعماله في أعماله الروائية، فهو يتوقف طويلاً عند موضوع العنف، العنف السياسي، والإجتماعي، والجنسي. ويحاول أن أفكك آلية هذا العنف، و صور تجلياته الوحشية و اللامعقولة. برهان الشاوي شاعر قبل كل شيء ويتعامل مع كل الأجناس الابداعية الأخرى بروح الشاعر التي تتجذر في داخله وتشكل أعماقه وحسه وذائقته الجمالية.
وعلينا ألا ننسى مساهماته النقدية في السينما وكتبه السينمائية، كسحر السينما، وجماليات اللغة السينماية..وكتابه الأكاديمي الأكاديمي في علم الإتصال، وهو كتاب الدعاية والإتصال الجماهيري عبر التاريخ، الذي صدر الجزء الأول منه وسيصدر قريباً المجلد الثاني،وكذلك إكمل كتابه الذي بدأه، لكنه تركه في المنتصف، والمختص بنظريات التأثير الإعلامي الحديثة خاصة بعد أن نشر كتابه الفكري والبحثي المهم جداً وهم الحرية والذي هو عبارة عن مقاربات حول مفهوم حرية الفكر والإرادة من خلال إبحاره في متاهات الفكر البشري بحثاً عن مفهوم للحرية والإرادة والجبر والاختيار في الفكر الغربي وفي الفكر الإسلامي .

وأخيرا أود أن أشير إلى استنتاج ناجم عن حوارات مع عدد من المبدعين والمثقفين العراقيين والعرب الذي قرءوا نتاج برهان الشاوي وتبين لي أن هناك نوعين أو مستويين من القراءة والتعاطي مع نصوص برهان الشاوي لا سيما الروائية منها، فإما تتم القراءة بروحية عاطفية اندماجية لا نقدية تتوافق مع صيغة التماهي مع الشخصيات والاحداث identification بنوع من التعاطف والتأثر الحسي وتهييج المشاعر وبالتالي التغاضي عن الهفوات والثغرات وحتى عدم رؤية الانعطافات والفرادات اللغوية والأسلوبية، كما يحدث للكثير عند رؤية الأفلام السينمائية التجارية المبهرة، وإما العكس تماماً، أي التعامل مع النصوص بروح نقدية ووعي يضع في الاعتبار حالة التغريب أو التبعيد distanciation بين المتلقي والنص كما هو الحال عند مشاهدة الأفلام التجريبية أو الأفلام الفكرية الصعبة ذات اللغة السينمائية المعقدة التي تمنع الاندماج والتماهي مع الشخصيات والأحداث، وفي هذه الحالة يكون القاريء المتمرس والمعتاد على قراءة الأدب الروائي العربي والعراقي والعالمي بكثرة ومطلع على مختلف المدارس الأدبية ، متحفز لكشف الهفوات والثغرات ونقاط الضعف اللغوية والأسلوبية والتعامل مع النصوص الروائية بطريقة القراءة التفكيكية التي تكتشف على مدى استمرارية النص نقاط القوة والضعف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد


.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??




.. الفنان سامو زين يكشف لصباح العربية تفاصيل فيلمه الجديد


.. الفنان سامو زين ضيف صباح العربية




.. صباح العربية | الفنان سامو زين ضيف صباح العربية