الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صناعة الوهم عند العرب هل هي موهبة فطرية أم مهارة مكتسبة؟

أوس حسن

2013 / 4 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



أغلب المثقفين والسياسين العرب الذين يروجون للعنف ويتاجرون بدماء الشعوب المستعبدة،يعرفون تماما ً أن صدام حسين هو عميل أمريكي بامتياز،ويعرفون كيف وصل إلى الحكم وخصوصا ً عندما كان في فرقة خاصة للإغتيالات ،وإن روحه السوداء كانت لا تستكين ولا تهدأ إلا بدماء العراقيين فقد ارتكب هذا الرجل وهو لم يبلغ الثالثة عشرة من عمره أول جريمة قتل بشعة بحق إنسان بريء،ويعرفون أيضا ً حجم المجازر والجرائم التي ارتكبها ، فالبلاد تعج بالأرامل واليتامى والثكالى،..البلاد الجريحة الممزقة تتناهشها الحروب والويلات والمآسي والآفات الاجتماعية،كل هذه من مخلفات نظام صدام المجرم الذي ألغى هوية العراق التاريخية وجعل من العراق قاعدة عسكرية هدفها الحفاظ على كرسي صدام وتمجيد شخصه المستبد، حتى الله لم يعد له وظيفة أوعمل في بلادنا فكان صدام هو القادر، القوي،العنيد، المذل، الماكر،..المستهزىْ..الخ،أما الجيش العراقي البطل الذي حمل راية الإنسانية ودافع عن الشعوب العربية المضطهدة تحول إلى جيش عقائدي هدفه عبادة صدام وتوحيد اسمه مع كل صلاة تنشد من أجل العراق،لذا كان الجندي العراقي في جيش صدام غير مؤمن بشرعية أي حرب يخوضها، فقد كان الجندي العراقي معدما ً..فقيرا ً، فاقدا ً لأدنى حد ٍ من إنسايته،لايفصله عن أي كائن حيواني سوى خيط رفيع شفاف،صدام حسين الذي ساهم في فبركة العقول الضعيفة غير القادرة على إنتاج الوعي والفكر الحر السليم،نجح في صناعة مجده الاسطوري الزائف،لكن هذه الإسطورة الزائفة كادت أن تسقط وتندثر في مزابل التاريخ إلى الأبد،عندما انتفض الملايين من أبناء الشعب العراقي...شبابا ً،شيوخا ً..،..نساء ً...أطفالا ً،لتحطيم صنم الأسطورة،والقضاء على أعتى وأخطر دكتاتور عرفه التاريخ البشري في القرن العشرين،لم ينس َ صدام حسين اصدقاءه القدامى من العصابات الأمريكية البريطانية،ولم يتوان لحظة ً عن الاتصال بهم والاتفاق معهم على استخدام طائراته وأسلحته المدمرة ضد الشعب العراقي وخصوصا ً عندما رأى نفسه قاب قوسين أو أدنى من السقوط والانهيار فما كان إلا أن حدثت هذه المجزرة الرهيبة بعد الانتفاضة الشعبانية،جرائم يندى لها الجبين وتقشعر لها الأبدان،امتلأت شوارع العراق بالقتلى والجثث التي تنهشها الكلاب الضالة،ولم يخلُ بيت من يتيم أو أرملة أو ثكلى،لم يبق حجر أو شجريغني للحياة ،وأصبحت أرض السواد مكتظة بالمقابر الجماعية من الجنوب إلى الشمال،فبدلا أن نزرع الورود في أرضنا وبدلا أن نغني لربيع أخضر قادم،زرعنا قتلانا في أرضنا وتوشحنا دمعا ً كربلائيا ً أسودا ً ونواحا ً أبديا ً يشبه تراتيل الموت الأخيرة،نعم فأغلب المثقفين والسياسين والعرب يعلمون أن المخابرات الأمريكية هي من خلقت صدام،وهي من جعلته بطلا ً ملحميا ً في مسرحية هزلية كان العراقيون بعيدين عنها كل البعد لأن حياتهم على مر العصوركانت تراجيديا عميقة وأليمة،وهي من هيأت له موتاً رخاميا ً جميلا ً يشبه موت الأنبياء والقادة العظماء،لأن أمريكا هي التي يجب أن تحدد مفهوم البطل وشخصيته الملحمية التراجيدية التي يجب أن تظل راسخة في عقول الشباب العربي جيلا ًبعد جيل،إن العقل العربي الذي أنهكته الحروب والأمراض الاجتماعية هو عقل ضعيف غير قادر على انتاج الفكر الذي يسمو إلى الوعي والحرية،لذا فإن أغلب المثقفين العرب تمسكوا تمسكا ً رهيبا ً بالخطاب العاطفي الذي يحمل فكرة الرجل المنقذ أوالنبي الموعود،عندما يعجز العقل البشري على انتاج الفكر فإنه يلجأ إلى الأسطورة أو الحلم الذي يؤسس له سعادة مؤقتة تمنع كيانه من السقوط في براثن المجهول الأسود،رغم أن الحقيقة مؤلمة وجارحة وتتطلب لياقة هائلة في عملية نكران الذات ومران مستمر على التجرد من كل الايدلوجيات والموروثات المحنطة،لكن جوهر الحقيقة يبقى ناصعا ً أبيضا ًله لون السعادة و طعم الراحة الأبدية.
وأخيرا ًفانا لا أطلب من المثقفين والسياسين والعرب أن يكرهوا صدام حسين ويلعنوا روحه ،ولا أن يرجموا قبره بالحجارة،فأنا لست مسؤولا ً عن تصميم عواطف النفس البشرية وهندسة مشاعرها بالقالب الذي يرضي غروري وعقدي النفسية،لكنني أوجه مقولة عامة لجميع المخدوعين علها داعبت شيئا ً من أرواحهم الباحثة عن الحرية: كم لهثنا وراء سراب حسبناه ماء ًيمنحنا الحياة، ويروي عطش أرواحنا الجافة،كم كنا على مر العصور أرباب أحلام وأساطير، لكننا نبقى أصحاب موهبة عظيمة في اكتشاف الوهم الجميل،كم نحن قادرون على انتاج الوهم،وكم نحن بارعون في تصديقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام