الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدب الحرب والدمار في سوريا كمدخل لثقافة منزوعة السلاح

مسعود محمود حسن

2013 / 4 / 15
الادب والفن


أدب الحرب والدمار في سوريا كمدخل لثقافة منزوعة السلاح!
يُساهم المنهج التاريخي الكلاسيكي في تمويل ثقافة الحرب من حيث اختصاره للتاريخ في سيرة ملوك الحرب, وقادة الجيوش, وأبطال المعارك وتمجيد انتصاراتهم وهزائمهم على حدٍ سواء! وهذا ما جعل الحروب تنتهي على الأرض, وتبقى مشتعلة في العقول والنفوس. في المقابل يسعى أدب الحرب والدمار إلى كتابة التاريخ وفق منهج آخر يُسلط فيه الأضواء على حياة الشعوب أثناء الحرب, وتأثيرات هذه الأخيرة عليهم. ويعرض نتائج التفاعل الثلاثي بين الشعب والحاكم والحرب. وأدب الحرب والدمار في استناده على هذا المنهج في تناول أحداث التاريخ يبدو أكثر موضوعية من المنهج الكلاسيكي على الرغم من انطلاقه من مصادر الكتابة الأدبية كالذات, والخيال, والعاطفة. كما انه يبدو أكثر إنسانية من حيث سعيه للحدّ من انتشار ثقافة العنف, وآيديولوجيا الحرب, وذلك بإبراز مساوئ الحرب الفظيعة, ونتائجها الكارثية على المجتمع والأفراد. فتاريخ الثورة الفرنسية كما صورها تشارلز ديكنز في روايته "قصة مدينتين" أقرب إلى واقع الثورة من الكثير من كتب التاريخ. وآرنست همنغواي في رواياته: وداعا أيها السلاح، غدا تشرق الشمس، لمن تقرع الأجراس, حدّ من القدرة التوسعية لأفكار الحرب أكثر من العديد من المؤرخين الذين تناولوا الحربين العالميتين الأولى والثانية.
في سوريا ما زالت الكلمة العليا لبندقية الكلانشيكوف, ودبابة ت77, وطائرات الميغ, وصواريخ السكود, وأخيراً للقنبلة الكيميائية! أما العقل والأخلاق والعاطفة فمجرد أذيال للسلاح. فالعقل يفكر كما تشتهي المعركة, والأخلاق مأخوذة من كتاب "الأمير" لميكافيلي, والعاطفة تتشبه بالحالة الطبيعية للإنسان كما تصورها "هوبس"! لكن هل يمكن للسلاح أن يقتل السلاح أو أن يوقف الحرب؟ ما هو مرئي ومؤكد أنّ السلاح يقتل فقط الإنسان, ولا يوقف سوى القدرة على الحرب. أمّا إرادة الحرب فتبقى جمرة مشتعلة تحت رماد النفوس! ومن الممكن أن تلتهب مرة ثانية وثالثة ورابعة ما إن تمتلك القدرة على ذلك, أو تهب عليها موجة من رياح الفتنة.
ما هي المسارات الأدبية لثقافة منزوعة السلاح؟
الثقافة أم المجتمع, منها ترضع السياسة والاقتصاد والفكر. وإذا كان حليب الثقافة عنيفاً تصير السياسة استبداداً, والفكر تجارة, والاقتصاد نهباً. وبالمحصلة فان المجتمع لا يعدو كونه قطيعاً من العبيد يخضع بشكل شبه مطلق للسلطة الحاكمة. وإذا كان نبع المياه ملوثاً فمن البديهي أن تكون مياه أنهاره ملوثة أيضاً, وهذا يعني أن التسمم الثقافي سيطال كل السوريين. من هنا تتفرع مهمة أدب الحرب والدمار في سوريا إلى ثلاثة محاور, المحور الأول منها يرتكز على التشهير بالثقافة الملوثة التي تُقدم للسوريين, ولا سيما خلال العامين الأخيرين, كتصوير المسلمين السنّة كجماعة شبقة للسلطة, ومتطرفة عنيفة لا تتقبل الآخرين وتشكل تهديداً لوجود الأقليات. أو الترويج لتقسيمات طائفية وعرقية في سوريا, أو وصف الشعب السوري بأنه شعب لا يمكن حكمه إلا بالقوة والقمع, أو الإيمان اللاعقلاني بجدوى السلاح في حسم الخلافات السياسية داخل الوطن. وينبغي على هذا الأدب الاستمرار في نضاله حتى ينتهي من تنقية ينبوع الثقافة من جراثيم العنف, وفيروسات الحرب, وعقلية الإلغاء والتهميش والقمع والتسلط.
ضمن المحور الثاني سيتفرغ أدب الحرب والدمار لإيقاظ الضمير السوري من سباته, وتنبيهه إلى كوارث الحرب وما يجلبه العنف على المجتمع من مصائب وويلات. وتتم هذه المهمة من خلال إيقاف الزمن عند ما خلفته الحرب طوال العامين الماضيين من أذى حاد طال مجمل الخارطة السورية. أذى طال النفس والجسد والروح والمادة والطبيعة. وبوسع هذا الأدب أن يتخذ من قصص الموت والإعاقة والتشوه واليتم والفقر والجوع والغربة واليأس والاكتئاب والتطرف مادة لموضوعاته.
في المحور الثالث سيصمم أدب الحرب والدمار المنهج الجديد للشعب السوري ليسيروا عليه. لأنه لا يكفي أن تذمّ القصيدة في هذا الأدب العنف والقتل, وإنما عليها أيضاً أن تمجد السلام والتعايش. ولا يكفي أن تصور الرواية البنيان النفسي المحطم للفرد والمجتمع أثناء الحرب وبعدها, وإنما عليها أيضاً أن تشيد بنياناً نفسياً سوياً على أنقاض الحرب. فمن ناحية يستأصل أدب الحرب الورم السرطاني من الجسد السوري, ومن ناحية أخرى يزرع بذرة نقية لشجرة طيبة تُؤتي أكلها كل حين. هذا المنهج الحياتي الجديد الذي سيرسمه أدب الحرب والدمار سيرتكز على السلام والإخاء والمواطنة والمساواة وتقبل الآخر والتعايش مع المختلف والاندماج الاجتماعي. وإن أعلن أدباء الحرب والدمار عن استعدادهم لخوض هذه المعركة فأنه يتوجب عليهم غزو ثلاثة مواقع رئيسية من المجتمع, وتتمركز هذه المواقع الثلاث في البنية الفوقية للمجتمع. وهي السياسة والدين والفكر. علماً أن هدف هذه الغزوات واحد, وهو فصل السياسة والدين والفكر عن السلاح. وهذا ما سيوصلنا بالمحصلة إلى ثقافة سورية منزوعة السلاح.
مسعود محمود حسن
صحفي كردي من سوريا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا