الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطراء العفّة

نصيف الناصري

2013 / 4 / 16
الادب والفن



حشرة فرس النبي ...


نَسجْنا للفقيد ثوب قبره من شجرة الليف الوحيدة في أرضنا ،
وتقبّل ورثته ما قمنا به بامتنان كبير ، لكن نسيانهم حنوّه في
لحظة موته ، ورغبتهم المُلحّة في تقاسم رصيده ، أوهن عزمنا
على وداعه الى نجمة غيابه المتوثِّبة . هدانا شغبهم وجشعهم في
الأصداء المتردّدة للمشيعين ، الى حيلة نقوّض فيها شَرك المناحة .
دموع كثيرة تذرفها النساء حول القبر ، وكلّ دمعة ، حشرة
فرس النبي . قلعنا أحد أسنان الفقيد ورميناه الى حشرة يغطي
جدائلها الندى . طارت به في المراعي وفوق حظائر الماشية
طوال الليل ، وحين تندّى بأضواء النجوم ، أعادته الى مكانه
وقام شيخنا من نومته الهانئة ، يطالب بسوطه .




إطراء العفّة ...




الطبيعة الآن مُبَرَّأة من السقم ، ومن الفائض الذي يدنو من الجنائز .
ربيع عظيم يسرف فيه الانسان بشفاء غليله ، والأرض المُتعمّدة في
اظهارها لوفرة النبيه والطيّب ، نغَّصت عليها المحاريث والثيران
خمولها . في تقبّلنا بخشوع لنعمة الآلهة ، نحملُ نذورنا اليها في الليل
ونتقدّم بحذر شديد . يخيفنا خسراننا للعطاء ، وكلّ إله مصاب بسعار
الغيرة ، وانتظامنا في إطراء العفّة ، يخلّصنا من إباحة اللعنة لدمنا .
نحرنا العام الماضي أضحيات كثيرة ، مقابل ربح لا بأس من بيعنا
لمحاصيلنا الى الأقوام الأخرى ، لكن افتتاننا بالحرب وتخلّينا عن
الصلاة لآلهتنا وما تقتضيه مصلحتنا في الإيمان بها ، عرّضنا الى
التهلكة . فقدنا أنعامنا وبيوتنا في عزل البركان لنا عن أيّ مأمن ،
وتشرّدت عائلاتنا وفقدنا الكثير من الأطفال والثياب في بخار أسود .
لا إشارة الآن بيننا وبين مَن سخطوا علينا في اضطرابات شمائلهم
المفزعة ، والزمن حامل المشعل الذي نبدّل وننتقص فيه من الآلهة
والأعداء . لا يزجون لنا إنصافنا لهم في تملّصهم من رميتنا للسهم ،
ولا يغفرون مهادنتنا لمن نشاركهم التعزية في الأسر .






بين الشفاء والانجراح ...




أُعطيت لنا قناديل وأرغفة نقية ، في انتظارنا على شواطىء
العالم بشارة لخلاصنا ، لكن ما أعطي لنا ، ليس رهن إشارتنا
وكلّ ما نطلقه صوب الميزان الغائب للزمن ، يرتد علينا
ويقوّض عون الأمل . شقاء محمود نرتع في أصائله ، ونعد
التعاقبات التي تمرّ على الأجناس في ثقل الصيرورة ، والرغبة
إسناد كبير ليأسنا الذي يتضوّع بين الشفاء والانجراح للحظة
الفناء . مخاوف عظيمة نجازف في عزلها عن التزامنا بالشرط
الحتمي لموتنا ، ومحاباتنا لما يتوازن في تحركه على الصخور
المجوّفة للطبيعة ، لا يشاورنا في غرقه باللايقين . نومنا تحت
الأشجار التي حبلت في الماضي ، لا يمنحنا الراحة ونحن نتماثل
مع الأشياء التي ما شُفيت من جروحها في أرض الترصّد ، وكلّ
ما نرجوه في تكيّفنا مع انفجار الرغبة ، يتلاشى في تحويله لنفسه
الى اللاشيء .






2013 / 4 / 16








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05


.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي




.. تسجيل سابق للأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن يلقي فيه أبيات من


.. الفنانة غادة عبد الرازق العيدية وكحك العيد وحشونى وبحن لذكري




.. خلال مشهد من -نيللى وشريهان-.. ظهور خاص للفنانة هند صبرى واب