الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيوغرافيا روح.

جميلة ناقوري

2013 / 4 / 17
الادب والفن


كتبها : جميلة ناقوري / فلسطين.©

بيوغرافيا روح.

صوتٌ للمطرِ في الخارج، وصوتُ هواجسي في داخلي، إذ أحاولُ رتقَ "الميتافيزيقيا" الكامنة وراء مِزاجيتي، وتلك الواقفة وراءَتمردي، أشاهدُ العالمَ بعينِ ِالرفضِ، وأحياناً كثيرةً بعينِ الغضب، أرفضُ تهميشَ المرأة،أحقدُ على سارقي الطفولةِ، وأشعرُ بالاشمئزاز من المتلصصين الفضوليين .!

أحاولُ أن أعتزلَ الكتابة، أحاولُ الهربَ والتنحي عن الكون، أتلمسُ كتبي، وأسبي حروفها حرفاً حرفاً، أعيشُ في تفاصيلها، أقومُ بدورِالبطولةِ، وحين أنتهي من قراءةِ رواية، أشعرُبذاكَ الشعور الذي يشبهُ آخرَ يومَ وداعِ كانَ في عمري، أغضبُ، أثورُ، أَجرحُ و أُجرَح،أرتمي في داخلي، أحقدُ على حروفي، فتحقدُ هي عليَ أقررُ هجرها، تتشبثُ بي، تصفعني فأحضنها،ترميني فأجذبها، وكأنها لعنة ُ القراءةِ هي من تُسكرني وتجعلني أترنحُ حتى أصابُ بنشوةِ الحرفِ، فلا أجدني إلا وقد حملتُ حاسوبيَ النّقال وبدأتُ بالكتابة . !

لاأدري حينَ خلقني الله، وجعلني أتخلقُ جنيناً ضعيفاً لا حول له ولا قوةٍ في رحم أمي،كيف كانَ المستقبلُ يعدُ العدة لي؟ وكيفَ مرَ شريطُ حياتي أمام َ عينيَ جنيناً هناكَ دون أن أكتبَ كل تفاصيلهِ على ظهرِ قلبي، وكيفَ كانت أبجدياتُ روحي المتمردةِ تتشكلُ في جسدٍ نحيلٍ خُلقَ من نطفةٍ أن تؤرقني !

للروحِ المتمردةِ شقان:

الأولُ : يقتلكَ حتى تشعرَ بكل ِ هذا الكونِ الفسيحِ حولكَ كثقبٍ أسود صغير ارتمى في دربِ التبانةِ، لا يستطيع حتى منظار" هوبل – عين الكون" ملاحظته، وكأنَ الكون تكالبَ عليكَ حتى يخنقكَ، فتغدو حائراً تنظرُ في الأفق، تبحثُ عن إجاباتَ لكلِ خبايا الروح، هذهِ الروح الغير عادية، التي تستفزُ دواخلكَ وتجعلُ الأسئلةَ تطرقُ صدغكَ حتى الوجع، هي ذاتها الروح التي تجبركَ على التأملِ بصمت، فتراتٍ طوالَ، وتهمسً لنفسكَ معاتباً ومتمنياً بأنكَ لو كنتَ إنساناًعادياً، يعيش ويمضي في حياتهِ ببساطةٍ، دون اكتراثِ بالغيبياتِ، ودونَ انبهارٍ بالحيثياتِ، ودونَ الشعورِ بالخيبةِ ممن حولك. لو كنتَ عادياً فتتقبلَ الأمورَ كأي إنسانٍ يعيشُ على هذهِ المستديرة،لا يحلل ولا يقلبُ الأفكارَ يومياً ويصدعُ بها لبه، يستيقظ صباحاً بهدوء، وقد ركدت أفكار اليوم السابقِ ِ في قعرِ العمر، ليعفيَ نفسهُ من التفكيرِ بأمنياتِ الغد، لكنتُ بلا شكٍ بحالٍ أفضل .!

الشق الثاني : يجعلكَ تتجرد من كونكَ بشراً عادياً، فتنتشي بإحساسك المتفردِ، ونظرتك المتأصلةِ،فلا تنجذبُ إلا لصفوةِ البشرِ، ولا تناقشُ إلا أهم المواضيعِ، وتشعرُ بتفردكَ وقدرتكَ على السفرِ عبرَ الزمنِ وأنتَ جالسٌ في مكانكَ .

حياتنا ليست هي التي تخذلنا، يخذلنا من حولنا، تخذلنا إمكانياتنا، تخذلنا ظروفنا، ويخذلنا الوقت، وتكسرنا التقاليد، شخصياً ما تمنيتُ يوماً أن أدرس اللغةَ الإنجليزيةَ التي أحبها وأتقنها ببراعة ولكن لتمنيتُ أن أدرسها كلغةٍ معرفيةٍ لا كتخصص أسرفتُ من عمري أربعَ سنينَ ونيف في الخوضِ في تفاصيلها، و أيضاً ما كنت تمنيتُ أن أعملَ" محاسبةً" كما أنا الآن أعبثُ في عالمِ الأرقامِ وأضيعُ في لغةٍ ثانيةٍ لم أتوقع يوماً أن أطرق بابها ؛ إلا لإيماني بضرورةِ العملِ لأنَ " العملَ حياة" ، ما تمنيتُ إلا أن أكونَ كاتبةً، أو صحافيةً تهتمُ بالمواضيع الوثائقيةِ،والبحث عن الحقيقيةِ، أن أناصرَ المرأةَ َ وأرفعَ الظلمَ الواقعِ عليها، أن أمسحَ دمعة طفلٍ طحنتهُ الحرب وضيعته المصالح، أن أتسلحَ بالقلمِ لا بالآلةِ الحاسبةِ، أن أنجح ضعف نجاحيَ الحالي، هي الحرب من خذلتني وخذلت غيري الكثير، طرقٌ مغلقةٌ وصعوباتٌ في الوصولِ للجامعةِ التي تخرجُ الكتاب والكاتباتِ الصحفيين والصحفياتِ آنذاك؛جعلتني الآن معلمةٌ مع وقفِ التنفيذ . أنا لا أشتكي الحالَ، بل أضعني إكليلاً على جبهةِ الزمنِ و أرقصُ بسخريةٍ على عثرةِ القدر.

تجاوزتُ نتصف الليلِ الآن ...
يستمرُ المطر بالهطولُِ بعد صيفٍ قصيرِ الأمد،وشتاءٍ "رجعي" . جاءَ يغسل غبارَ القلوبِ قبل غبار الوطن، وكأني توقفتُ عن الكتابةِ معَ آخرِ قطرةٍ مطريةٍ فأنظرُ على الكونِ من على كوكبِ الزهرةِ " فأناأنثى" مجازاً جئتُ من هناك، لأتغاضى عن " المريخ" ، وأدققَ عن كثبٍ في "الأرض" فأجد نصفها الأول مدمراً ونصفها الآخر على وشكِ الخراب .!

حروبٌ، حروب .. في كلِ مكان ! وكأننانحاول لعبَ لعبةِ " السودوكو" ، حريصين على عدم تكرارِ الرقم الواحد أفقياً كان أو عمودياً، فتنتشرُ الحروب تماماً كما الأرقام هناك، بالتساوي على كلِ بلدانِ العالم، لتموتَ روحٌ بل أرواح، وتتمرد أخرى، وينبضَ قلبُ جنينٍ جديد مع كلِطلقة . !

أيها المحارب .. مرحباً بك أنت الآن في الأرض، فلاتوقع اللوم على تلكَ " التفاحة" ولا تلم " حواء" لأنها ستوقعُ اللومَ عليك تباعاً، وأنت بالتالي ستوقع اللوم على " الشيطان" .!

والمحصلة بأن يضحك هو عليكما سويا ً .

انتهت

17-4-2013

Jamila Naqouri- Palestine








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لقاء خاص مع الفنان حسن الرداد عن الفن والحياة في كلمة أخيرة


.. كلمة أخيرة -درس من نور الشريف لـ حسن الرداد.. وحكاية أول لقا




.. كلمة أخيرة -فادي ابن حسن الرداد غير حياته، ومطلع عين إيمي سم


.. إبراهيم السمان يخوض أولى بطولاته المطلقة بـ فيلم مخ فى التلا




.. VODCAST الميادين | أحمد قعبور - فنان لبناني | 2024-05-07