الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم الشاطر

كمال الدين

2013 / 4 / 17
كتابات ساخرة


بعد رشفات كبيرة من العسل الأبيض الممزوج بحبات البركة في ماء مغل، أخذت الشاطر سنة من النوم وهو جالس في مقعده، وبأصابعهم فوق شفاههم راح مرسي، والكتاتني، وبديع، يحذرون الخدم المتطفلين من إقلاق راحة الرجل العظيم. ورأى الشاطر - وهم يحرسونه - في غفوته الحلم التالي:

لقد خاض غمار الثورة المصرية ضد الإخوان وخسرها، ووقع أسيرا في أيدي الثوار المصريين. ولما كانت محاكمات النظام السابق قد أسفرت عن عطف على الفاسدين، قرر الثوار هذه المرة، أن ينهجوا نهجا مغايرا، وسلم الشاطر إلى لجنة تضم البارزين في الطائفة الوسطية، الذين راحوا يأكدون أن هذا الرجل نفسه يمكن حمله، بقوة المحبة، على التوبة والحياة كمواطن معتدل رقيق الفؤاد.

وقرر أعضاء اللجنة غلق نوافذ غرفته حتى الانتهاء من مهمتهم الروحية خشية أن يأتي عملا طابعه التهور والاندفاع، والحيلولة دون أن تقع يداه على مدية قد يعتدي بها، في نوبة من السخط والغضب، على أولئك المنهمكين في تهذيبه. لقد آووه في غرفتين مريحتين من منزل ريفي عتيق، أوصدت أبوابه ما خلا ساعة كل يوم، يصحبه خلاله أربعة من الوسطيين المفتولي العضلات في نزهة قصيرة تستهدف تلقينه الإعجاب بجمال الطبيعة والاستمتاع بشقشقة العصافير. أما بقية اليوم فكان يقضيه في القراءة والكتابة وإن كانوا قد منعوا عنه أي كتاب أدبي من شأنه أن يثير العواطف ويلهبها، ولم يزود إلا بالمصحف الشريف وبعض كتب جمال البنا كوسيلة للعلاج فحسب. ولم يكن يسمح له بأكل اللحم أو احتساء الماء المغلي بالعسل أو تناول حبة البركة. أما الكاكاو فكان بوسعه أن يحصل عليه في أية ساعة من ساعات النهار أو الليل، إذ كان البارزون من حراسه متعهدين لتوريد هذا الشراب المفيد الذي لا يسبب للمرأ ضررا، كما روعي الاعتدال في ما يقدم له من الشاي والقهوة، فلا يكونان بالقدر الوافر أو في الوقت غير المناسب فيحرماه من نوم هادئ.

كان الرجال المتزمتون ممن وكلت إليهم مهمة رعاية الشاطر يمضون ساعة في الصباح ومثلها في المساء، يفسرون له مبادئ الحب الإلهي وما يمكن أن ينعم به من سعادة، برغم كل ما حدث، لو أنه اعترف بحكمتهم ليس إلا، أما المحاجاة معه فقد اضطلع بها رجال ثلاثة يعدون أحكم من كان يؤمل في قدرتهم على إقناعه بالحقيقة وعونه على أن يرى نور الحق الوضاح، وهم السادة: عمرو خالد، ومعز مسعود، ومصطفى حسني.

وكان الشاطر قد تعرف على أولئك الرجال أيام مجده حين قاموا برحلة معا إلى القاهرة قبل أن تندلع نيران الثورة ضد الإخوان بفترة وجيزة ليرجوه فيها أن يقلع عن خططه ويحملوه على الاقتناع بخطل أساليبه، وطفقوا يحدثونه عن الصالح العام والحب الإلهي ويرددون، بعبارات طالية أخاذة، ما تجلبه الوداعة على النفس من بهجة وحبور. كما راحوا يؤكدون أن السعادة تكمن في أن تكون محبوبا أكثر منها في أن تبدو مرهوب الجانب. وأنصت لهم برهة وتذرع بصبر هو وليد الدهشة والاستغراب، ما لبث بعده أن انفجر فيهم وتساءل بصوت كالرعد: "ماذا تعرفون، أيها السادة، عن مباهج الحياة؟ ما من أحد منكم يفقه شيئا يذكر عن نشوة السيطرة على أمة بأسرها بنشر الرعب والهلع بينما تدرك أن الجميع يبغون موتك، لكن أحدا لا يجرؤ على التعرض لك، كما تعلم أن أعداءك في ربوع الأرض قاطبة غارقون في محاولات لا طائل من ورائها ليسبر غور أفكارك الخفية، وأنت على يقين أن سلطانك سيبقى بعد الإطاحة ليس بأعدائك فحسب بل بخلفائك على حد سواء. إن أسلوب الحياة الذي تقدمونه لي أيها السادة لا يغريني، فارجعوا إلى سعيكم الوضيع وراء الربح الذي تخفونه بادعاء التقوى والورع، واتركوني وشأني في اتباع أسلوب للحياة أكثر بطولة."

وعاد الصحاب الـوسطيون أدراجهم، وقد باء مسعاهم بالفشل، في انتظار فرصة مواتية أفضل. لقد كان يحدوهم الأمل بعد أن سقط الشاطر وصار في قبضتهم أن يصير أكثر رضوخا وانصياعا. مما كان يدعو للعجب أنه كان لا يزال على ما هو عليه صلافة وعنادا، وكان هؤلاء الصحاب ذوي حنكة واسعة وخبرة فائقة في العمل مع الأحداث المنحرفين، وإماطة اللثام عما في نفوسهم من عقد، وحملهم بلباقة ولطف على الاعتقاد بأن الأمانة هي خير أسلوب للحياة.

وابتدره عمرو خالد قائلا: "ليتك، يا سيد خيرت، تكون قد تبينت ما ينطوي عليه أسلوبك في الحياة، الذي كنت تتمسك به من قبل، من عدم حكمة. لن أذكر شيئا مما جلبته على مصر من دمار وخراب حيث أن ذلك، كما ستؤكد لي، سيفقدك صوابك. لكن تمعن فيما أنزلته بنفسك؛ لقد سقطت من أوج مجدك وأضحيت أسيرا مغلوبا على أمره، وما بقى لك من عزاء إنما مرجعه إلى الله سبحانه وتعالى وإلى أن سجانيك لا يدينون بمبادئك. لقد فارقتك تلك المباهج البشعة التي حدثتنا عنها عندما زرناك أيام مجدك، ولو تسنى لك تحطيم حاجز الكبرياء وندمت على ما بدر منك وتعلمت أن تجد السعادة في سعادة الغير، لأصبح لك هدف في الحياة وأحسست بالقناعة والرضا في أيامك الباقية."

وعندئذ هب الشاطر واقفا وصاح قائلا: "اخرس أيها المنافق البله. إنني لا أعي شيئا مما ترددون خلا أنكم في القمة وأنا تحت رحمتكم، وأنكم ابتدعتم أسلوبا للازدراء بسوء حظي أشد حقدا وأكثر إذلالا من أي أسلوب اتبعته في القيام بحركات التطهير."

فقال معز مسعود: "كيف تبدو، يا سيد خيرت، على هذا النحو من الجور والقسوة؟ ألا ترى أننا لا نكن لك سوى النوايا الحسنة؟ ألا تدرك غير أننا لا نبغي سوى خلاص نفسك، وما يحز في نفوسنا هو ما غرسته في أعدائك وأصدقائك على السواء من عنف وبغض؟ ولا تحدونا أية رغبة في إذلالك، لو تسنى لك أن تقدر العظمة في العبودية لله على أساس قيمتها الحقيقية فحسب، لأدركت أن ما نقدمه لك إنما هو فكاك من المهانة."

فصاح الشاطر: "هذا، في الواقع، أمر أكثر مما يحتمل. لما كنت فتى يافعا كنت أتقبل مثل هذا الحديث في الجماعة، بيد أن هذا لا يمكن أن ينصت له رجل ناضج بدون أن يضيق به صدرا، ليتني أدرك الجحيم حتى أتطلع إلى رقتكم وهي تتبدد في اللهب اللافحة."

فقال مصطفى حسني: "بئس ما تقول أيها العزيز خيرت! أرجوك ألا يأخذك سحر الغضب كما أخذك سحر الملك بعيدا عن الحكمة التي نحاول إظهارها لك!"

وقبل أن يرد الشاطر الإهانة عاود مصطفى حسني الكلام ثانية وقال: "إنني واثق من أن رجلا في ذكائك الخارق لن يعميه سحر الدنيا عن الحقيقة أبد الدهر، لكنك في اللحظة الراهنة بادي الإعياء، وأرى أن قدحا من الكاكاو المهدئ أفضل مما تحتسيه من الشاي المنبه."

وعندئذ لم يعد الشاطر قادرا على كبح جماح نفسه وأمسك بإبريق الشاي ورمى به رأس مصطفى حسني، فأخذ السائل الساخن يتدفق من فوق وجهه، ومع ذلك لم ينبس إلا بقوله: "كف عن ما تفعل يا شاطر! لن يأخذني سحر الوسطية وأرد لك الصاع صاعين. هذه ليست طريقة للمناقشة."

وفي نوبة من الغضب استيقظ الشاطر، وظل ثائرا لحظة صب خلالها جام غضبه على مرسي والكتاتني وبديع، فارتعدت أوصالهم وامتقعت وجوههم. لكن ما انقشعت سحب النوم حتى تبدد غضبه وراح يستمتع برشفة عميقة من العسل الأبيض الممزوج بحبات البركة في ماء مغل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لبلبة ربنا تاب عليها واتحجبت-??‍?? لما لبلبة مشيت في الشارع


.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف




.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين


.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص




.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة