الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علموا أبناءكم لماذا و كيف و علل جوابك؟

مصطفى ملو

2013 / 4 / 18
الادب والفن


كنا حينها تلامذة في الابتدائي,كنا نقرأ النص مرارا و تكرارا ثم بعدها يسألنا المعلم أسئلة الفهم,كنا نقفز من مقاعدنا و نتجه نحوه حتى قبل أن يتمم السؤال:
-أين و قعت أحداث القصة؟
-ساد أنا,ساد أنا,أنا وساد,أنا وساد.
-في سوق القرية.
-حسن جدا,كيف وجد العم هشام السوق؟
-ساد,ساد,ساد.
-وجده مكتظا بالمتسوقين.
-حسن جدا,متى عاد من السوق إلى بيته؟
تتكرر عبارة ساد ساد عند كل سؤال و تتكرر معها عبارة حسن جدا عند كل جواب.لم أكن أعرف لماذا كان يستعمل"حسن جدا"حتى و لو كانت المجيبة تلميذة؟
-عاد إلى بيته على الساعة الواحدة بعد الزوال.
-إلى أين ذهب بعد ذلك؟
-إلى المرحاض
-لماذا؟
ما أن يصل المعلم إلى سؤال "لماذا" حتى يتراجع الجميع و يتقوقع كل واحد منا في مكانه,كنا نجيب عن جميع الأسئلة بخفة و حيوية و نصيب الجواب ما عدا"لماذا",شخصيا كنت أكره كلمة"لماذا" و لحد الآن لا أعرف لماذا؟
لم يكن في بيوتنا مراحيض و لا كان في قريتنا سوق.يبدو أن واضعي الكتاب كانوا يتحدثون في القصة عن بوادي فاس أو مكناس أو الرباط...ولكن بالرغم من ذلك فلاشك أن العم هشام دخل إلى المرحاض لأحد أمرين إما لقضاء حاجته أو للوضوء,ما شأننا نحن و لماذا لماذا؟
مع ذلك لم أكن أدري مالذي كان يمنعنا من رفع الأصابع للإجابة,هل كنا نجهل الجواب رغم بداهته أم أننا كنا نخجل من قول الحقيقة؟ فقد علمونا أن كلمة خراء عيب,رغم أن كل الناس يخرأون,ومادام المرحاض هو مكان الخراء,فقد كان يتناهى إلى أذهاننا أن ما فعله العم هشام داخل المرحاض عيب لا يجب النطق به.
بعدها بسنوات صرنا في الإعدادي فأصبحنا نصادف في الامتحانات سؤالا يقول"علل جوابك" كنت أكره هذا السؤال مهما كانت إجابته بسيطة.
الآن أدركت السبب الذي جعلنا نكره لماذا و علل جوابك, السبب أن أولاد لحرام لم يعلمونا أن نبرر إجابتنا و نعلل مواقفنا و ندافع عنها بكل حرية وبأدلة دامغة,حرمونا من أم العلوم في الابتدائي و الإعدادي و ضحكوا علينا في الثانوي بدروس يتيمة,أولاد لحرام لم يكونوا هم معلمونا,بل مهندسو السياسة التعليمية الطبقية اللاشعبية الهادفة إلى تدجين أبناء الفقراء و ردهم أجسادا طيعة بيد الحكام.
كانت تروادنا مجموعة من الأسئلة عن الدين و اليوم الآخر و الله... و لا أحد منا كان يجرؤ على طرحها,لأن الأستاذ كان هو الآمر الناهي,كنت أتساءل مع نفسي مثلا,أين يوجد الله؟كيف هو؟يقول لنا الأستاذ الله أكبر,كيف حجمه إن كان أكبر من كل شيء,أكبر من الجبال,أكبر من النخلات الباسقات,أكبر من الأبراج المحيطة بإغرم...؟ما هو لون الجنة؟كنا نتصوره أخضرا و نجمع على ذلك..
لقد درسونا "نبيه هل تركنا العم هشام و ذهب"لم يكن في قريتنا شيخ باسم هشام و لا طفل باسم نبيه,ومن كان يتشجع حينها أن يسأل المعلم ما معنى نبيه؟ولماذا نبيه و ليس موحى؟
كان حدو و حدى و عسو و يدير وموحى... هي أسماء الشيوخ,أما أسماء الأطفال و الشباب فكانت سعيد,مصطفى,زيد,موحى... التي كنا هي الأخرى نجهل معانيها
كانوا يدرسوننا"لم لا تمر ألم تر الإشارة"كان ذلك في سن السادسة و لم أكتشف أضواء الإشارة إلا بعد العشرين من عمري,هكذا حاولوا أن يخلقوا منا أناسا مستلبين,بعيدين عن محيطهم و بيئتهم,فما نجحوا.
الآن اكتشفت أن نفس السياسة مازالت مستمرة,حيث مازال الناس يساقون إلى مراكز الانتخابات دون أن يعرفوا لماذا؟يصوتون ب"نعم"أو"لا"دون أن يعرفوا لماذا؟يهرولون نحو تقليد الشرقيين أو الغربيين و لو سألتهم فلن يعرفوا لماذا؟
أما أنتم هل تعرفون لماذا؟
لأنها نتيجة حتمية لسياسة الاستلاب و التعليب,ولأنهم لم يتعلموا في صغرهم أن يجيبوا عن"لماذا"؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل