الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثورة السورية والمصالح الدولية -1- الغرب وإسرائيل

علاء الدين الخطيب

2013 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الثورة السورية والمصالح الغربية والإسرائيلية
الحقيقة الأولى في العلاقات الدّولية هي أن الدّول لا تتحرك وفق معايير الأخلاق أو الدّين أو الرّوابط القومية بل وفق مصالحها أولا وأخيرا فحكومات الدّول لا تعبر عن الشّعوب بسياساتها الخارجية. وشواهد التّاريخ أكثر من أن تعد، بدءا من الاستعمار الغربي وتقسيم الدّول العربية، وسرقة فلسطين وزرع إسرائيل كمركز استنزاف لطاقات الشّعوب وضمان لاستمرار الأزمات، ومن ثم مواقف الحكام العرب من المعاناة الفلسطينية والتّجارة التي مارسوها باسمها. ثم المأساة اللبنانية والسّودانية والعراقية حيث كان كل حاكم يتدخل وفق شعارات براقة وبمظهر وطني أو قومي أو إسلامي ولكن بالنتيجة النّهائية صراع دموي على المصالح.
شهد العالم خلال العقد الماضي وبعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكر الغربي والمعسكر السوفيتي بروز أقطاب الصراع العالمي بين معسكر غربي تقوده الولايات المتحدة ومعسكر شرقي مكون أساسا من روسيا والصّين. هذا الصراع لم يعد صراعا أيديولوجي الشّكل مثل حقبة السّوفييت بل صراع اقتصادي واضح. الفارق الأساسي عن الحرب الباردة أن هذا الصراع لن ينجر مع مخزونه الهائل من السلاح للحرب المباشرة بل يتوجه أكثر للحروب بالوكالة Proxy Wars والتي تعتمد على القتال بين حلفاء كل قطب عالمي مع حلفاء الآخر والدول الكبرى بهذه الحالة تراقب وتوجه الصراع وبنفس الوقت تستثمر في سوق السلاح. ومرة أخرى وقعت الدّول الضّعيفة في وسط هذا الصراع ومن ضمنها الدّول العربية. للمرة الثانية يبدو أن الولايات المتحدة قررت التحالف مع الأحزاب الإسلاموية السّياسية وتقوية تحالفها مع حكومات السعودية وقطر ذات الأثر الكبير في حراك المجموعات الاسلاموية المتطرفة في المنطقة ودفعها باتجاه الشّرق كما فعلت سابقا في أفغانستان، فيصل تأثيرها لحدود روسيا الجنوبية والصّين الغربية وبالتالي تتحكم عن بعد بأزمات المنافسين الأكبر لها من خلال انتشار الحروب والفتن في هذه البقعة من العالم تحت شعارات دينية.
كما هو معروف تأتي إسرائيل في أولى محددات السّياسة الغربية تجاه المنطقة وخاصة سورية التي ضَمِن نظامها الأمان الكامل لجبهة الجولان طوال 40 عاما. ثم تأتي مصالح النّفط والغاز. ويضاف لذلك الحرب الباردة مع النّظام الإيراني، ويشكل تحالف الحكم السّوري مع الحكم الإيراني حلقة مهمة في هذا الصراع. المعروف أن الموقف الغربي الدولي مقاد من قبل الحكومة الأمريكية بالإضافة للحكومة الفرنسية والبريطانية. لذلك نناقش الموقف الإسرائيلي والغربي من نفس الزاوية.
من ناحية أولى، الخيار الأفضل لإسرائيل هو ديكتاتورية كالموجودة بسورية لأنها أضعف من أن تشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل. والتلاعب مع ديكتاتورية تهتم لبقاء سلطتها أسهل من التعامل مع حكومات ديمقراطية تسعى لمصالح شعبها. هذا النهج في الصراع الدولي هو نهج قديم وناجح من وجهة نظر الدول الكبرى في العالم فغالبية الديكتاتوريات التي عرفها العالم خلال القرن الماضي قامت على تحالفات قوية مع الغرب أو السوفييت وأحيانا مع الصين أيضا.
من ناحية ثانية، تتميز السّياسة الغربية بقدرتها على قراءة الواقع والتكيّف معه بما يجعل المحصلة النهائية تصب في مصالحها. وقد وجدت القراءة الغربية للوضع السوري وبعد عدة شهور من اندلاع الثورة السورية أن الشّعب السّوري لن يقبل بعد الآن بالنظام الحالي مهما كان الثمن. وضمن هذه القراءة فاحتمال انتصار الثّورة وتحقيق سورية ديمقراطية حرة هو خطر حقيقي على أسباب وجود إسرائيل كدولة دينية منغلقة، وعلى الدّيكتاتوريات العربية الأخرى التي تمتلك أكبر مخزون نفط وغاز بالعالم. فتاريخيا كان لسورية دور أساسي في التأثير على دول المنطقة بعد مصر وخاصة من ناحية التأثير المعنوي والفكري. إن تحوّل سورية لديمقراطية حقيقية يحمل بالتأكيد خطر العدوى لشعوب الخليج العربي وبالتالي تهديدا حقيقيا للحكم الشمولي الوراثي هناك. كما أن هذه الديمقراطية تشكل أيضا خطرا معنويا كبيرا على إسرائيل التي تقوم دعايتها الإعلامية المفبركة على أنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. فالنموذج السوري الديمقراطي بوجود ما يزيد عن خمسين طائفة دينية يلغي الحجة والمبرر لإسرائيل للبقاء كانتونا مغلقا ومحتكرا دينيا.
العامل الأهم بالسياسة الغربية الدولية بالإضافة لحماية حلفائها الصغار هو الصراع المحتدم مع الصين وروسيا في السيطرة على الإقتصاد العالمي بنمط مختلف عن الحرب الباردة القديمة لكنه بنفس الشراسة. ولعل أهم نقطة ضعف أي دولة بالعالم هي محيطها الجغرافي أولا. والنظرة المتفحصة لامتداد الأزمات القتالية في العالم نراها تمتد من الشرق الأوسط باتجاه أفغانستان والباكستان وتقترب بشكل حثيث من حدود الصين وروسيا والهند أيضا. إن تحوّل هذه المنطقة لساحة صراعات مسلحة سينهك هذه البلدان الثلاثة ويهدد تقدمها الإقتصادي على المدى المتوسط والطويل خاصة وأن المادة المستخدمة في ترويج هذا الاقتتال هي المادة الإسلاموية، والدول الثلاث تضم عددا كبيرا من المسلمين.
كيف يمكننا الجزم بهذا النهج الغربي؟ لننظر إلى الحالة الأفغانية ودون الدخول بالتفاصيل. لو أن نصف المال الذي دفعه المواطن الغربي ثمنا لأسلحة الناتو تم استثماره في رفع السوية المعاشية والإقتصادية والتعليمية والصحية للشعب الأفغاني لكانت أفغانستان الآن خالية من كل تأثيرات حركة طالبان أو القاعدة لكن مع خسارة كبيرة لشركات تصنيع السلاح. والدليل الواضح على إمكانية رفع أفغانستان من حالة الحرب والفقر لحالة الاستقرار والنمو هو اسرائيل اليوم، فلولا السخاء والكرم الغربي الهائل في دعم إسرائيل بالمال والسلاح والتقنية المتطورة لاستحال على إسرائيل البقاء في هذه المنطقة، بل من الناحية المعنوية –لأن الكثيرين يفسرون الحركة الجيوسياسية معنويا- فإن الإسرائيليين أكثر تعاديا أو شعورا بالاضطهاد تجاه الجانب الغربي بعد مجازر الهولوكست من الأفغانيين الذين لم يعرفوا عن أمريكا والغرب ربما سوى أفلام جيمس بوند. والمثال الثاني الواضح رغم اختلاف الظروف هو مساعدة يوغوسلافية السابقة للخروج من محنة الحرب الأهلية.
أضف لذلك أن الإدراة الأمريكية الحالية أعلنت استراتيجتها الجديدة Pacific Pivot بنهاية العام 2011 والتي قوبلت بغضب صيني واضح. وزير الدفاع الأمريكي وضّح أن الهدف هو نقل 60% من قوات الولايات المتحدة العسكرية البحرية إلى المحيط الهادي مقابل 40% في الأطلسي. هذه الاستراتيجية بالواقع موجهة ضد النفوذ الصيني المتصاعد في جنوب آسيا والمحيط الهادي، خصوصا مع صدور دراسة مهمة لقسم الدفاع بالإدراة الأمريكية حول خطة Air Sea Battle أو معركة البحر الجوية والمعدة لمواجهة أي فعل عسكري عدائي للصين. وما يزيد الوضع تعقيدا ولكن وضوحا حول تصاعد هذا الصراع الهادئ أن بوتين أعلن في قمة آيبك سبتمبر 2012 عن استراتجية روسيا الجديدة والتي دعاها بنفس الاسم الاستراتيجية المحورية في المحيط الهادي. إذا فالصراع بين القطبين العالميين محتدم وعلى أشده ولكن يسير بخطى تبدو هادئة ومن تحت الطاولة.
ما علاقة سورية إذا بكل هذا؟ إن اكتمال دائرة النار في وسط آسيا وإبعادها عن إسرائيل ودول الخليج العربية يقتضي خنق الحكم الإيراني أكثر وهو يشكل أهم حليف استراتيجي لروسيا والصين. وإيران تعد نسبيا أحد أهم القوى الفاعلة في وسط آسيا واستقرارها يقدم لحد بعيد ضمانات استقرار لهذه المنطقة. بنفس الوقت فإن انفجار إيران داخليا سيؤدي حتما لنقل الانفجارات بسرعة لكامل وسط آسيا المليئة أصلا ببؤر التوتر وخاصة في الباكستان وأفغانستان. قوة الحكم الإيراني الإقليمية في الشرق الأوسط تستند بجزء كبير جدا على حلفه مع النظام السوري. فخروج سورية من السيطرة الإيرانية سيفقد النظام الإيراني أهم أوراق قوته في الإقليم وفي لعبته الخطيرة مع الغرب وإسرائيل. لذلك لم يتردد النظام الإيراني بالتورط الأعمق بسورية مهما استنزف ذلك من موارد إيران. فخروج سورية من السيطرة الإيرانية يعني محاصرة إيران من كل الجهات غربيا. عدا عن العامل المهم جدا والمشابه لخوف حكام الخليج العربي وهو أن انتصار الثورة السورية سيؤثر مباشرة على الشعب الإيراني ويدفعه أيضا للثورة سعيا لتحقيق الديمقراطية في إيران.
إذا فالأهداف الأمريكية من استغلال الربيع العربي وخاصة في سورية لمصالحها الاستراتيجية يبدو وكانه يسير بخطى ثابتة وضمن صراعها الأهم مع الصين وروسيا. وأوروبة الغربية وكما هو حاصل تاريخيا تلتحق بالنهج الأمريكي.
السؤال المنطقي: لماذا تسير أوروبة الغربية بهذا الاتجاه طالما أن محيطها الجغرافي هو الشرق الأوسط؟ بالواقع هذا سؤال صعب أن نجد له جوابا عند الساسة الأوروبيين. لكنه غالبا يعود لسيطرة القرار الأمريكي على الأوروبيين بما يتعلق بالسياسات الدولية. كما أن الطبقة السياسية الأوروبية كما يقول الأوروبيون تعاني من شيخوخة وعطالة ذاتية تعيق حتى حل مشاكل أوروبة الداخلية. بالإضافة لسيطرة القرار الفرنسي البريطاني على سياسة أوروبا الخارجية وعلى ما يبدو أن الإدارتين الفرنسية والبريطانية لم يتخلصا بعد من عقلية الاستعمار الإمبراطوري القديم حتى بسياساتهم الإقتصادية فما بالك بالعلاقات الدولية.
لذلك فالقرار الغربي هو المماطلة لإضعاف المد الثوري السوري الوطني ليتحول تحت ضغط النّظام الدّيكتاتوري لحرب أهلية تمكن حكام الغرب عندها من التّدخل وفرض الشّكل الموائم لمصالحهم وليس لمصالح الشعب السوري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد إقراره بالذنب.. القضاء الأمريكي يطلق سراح جوليان أسانج و


.. طفلان فلسطينيان يخرجان من بين نيران مدرسة قصفت من قبل الاحتل




.. غانتس: حماس فكرة لا يمكن تدميرها ولكن بإمكاننا القضاء على قد


.. أول مناظرة في فرنسا بين الكتل الانتخابية الرئيسية في خضم حمل




.. وساطة إماراتية تنجح بتبادل 180 أسيرا بين موسكو وكييف