الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كساد ربيع مزيف

موسى مريد

2013 / 4 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


كان طبيعيا ، بعد الموجات الاحتجاجية العارمة الأولى التي عرفتها تونس و مصر ، و رحيل الرئيسين السابقين بن علي و مبارك عن سدة الرئاسة في كلا البلدين ، أن تعم الإشادة و تتعدد الأسماء الرومنسية لهذه الانتفاضات ، فغالبية النخب رأت فيما حصل ، بشائر "ربيع" جديد و "ثورات" تاريخية حاسمة تقطع مع إرث الاستبداد الذي عمر قرونا ، و تؤسس عصر الديمقراطية و التحديث و المواطنة الكاملة ... لكن توالي الأحداث بشكل دراماتيكي متسارع ، جعل الكثيرين من هؤلاء ، يعلنون تارة "كفرهم" بهذا (الربيع الذي ما شاهدوا فيه وردا) ، و ذهب البعض الى أن ما يجري مجرد مؤامرة جديدة في المنطقة ، و غلبت حالة من اليأس و الإحباط أوساط نخب كثيرة ..فيما اعتبر البعض الاخر أن ما يحدث طبيعي ، حيث لابد لكل ثورة الكثير من الوقت لتحقيق أهدافها ، و أن الأهم استمرار هذه السيرورة "الثورية"... في هذا المقال ، لا نريد الانتصار لأي وجهة نظر ، بقدر ما نتغيأ جرد العوامل التي أدت الى هذا الجو من التشاؤم و الإحباط و التراجع لهذا المسمى "ربيعا" عربيا ..

فلقد تغاضت جل الحركات الشبابية الاحتجاجية المطالبة بالتغيير ، بشكل يدعو للاندهاش و الريبة ، عن رفع شعارات مناهضة للتدخل الاجنبي ، و مطالبة باستكمال السيادة الوطنية و الانعتاق من الوصاية الاستعمارية ، و إنهاء كل أشكال التبعية ، و شجب التدخل الخارجي .. و كان لافتا تناسي حقيقة مفادها أن الدول الاستعمارية الكبرى كانت أكبر حام و داعم للاستبداد الذي خرجت لإسقاطه ، وأن أعداء التغيير يوجدون بالداخل كما بالخارج ، و على هذا الأساس كان من البديهي أن تجد الحركات الشبابية نفسها إلى جانب الحركات العالمية المناهضة للحروب و العولمة المتوحشة و المناضلة من أجل عالم أكثر سلاما و عدلا و حفاظا على البيئة ... لكن هذه الحركات سقطت في أخطاء فادحة تمثلت في استجداء التدخل الأجنبي ، فكان مقززا للكثيرين رفع صور ساركوزي و أعلام فرنسا في بنغازي ، واستقبال الصهيوني برنار ليفي في ليبيا ، و إصدار كثير من رجال الدين المحسوبين على تيار الاخوان و السلفية فتاوي تجيز التدخل العسكري الأجنبي في البلدان العربية ، و تدعو للتحالف معه ، و مراسلة بعض شباب حركة 20 فبراير بالمغرب الرئيس الفرنسي هولاند ، و تدخل شيوخ البترودولار العملاء الفاسدين المباشر في الشأن الداخلي لجل بلدان "الربيع" لإجهاض الحراك الشبابي ، و مطالبة أغلب معارضي الأسد بالخارج جهارا نهارا بتدخل عسكري غربي في سوريا .. و النتيجة ، قثدان السيادة الوطنية و تدويل الشؤون الداخلية للأقطار العربية ، بطريقة أصبحت مصائرها رهينة بما تقرره القوى العالمية في واشنطن و موسكو و لندن و باريس ، و خرجت المبادرة من أيدي الشعوب العربية التي أصبحت تنتظر ما تسفر عنه اجتماعات الناتو و الاتحاد الاوربي ، و ما تصرح به هيلاري كلينتون و سيرجي لافروف !!!

و غابت أعلام فلسطين في المظاهرات و ميادين التحرير ، و ظهر جليا أنه لم تعد فلسطين قضية العرب المركزية بالنسبة للنظام الرسمي العربي "الجديد" الذي أفرزه الحراك ، بل تم التصريح علنا ، و في سابقة تاريخية بأن العدو الأكبر اليوم هو إيران و ليس اسرائيل ، وفي مصر ، يعلن الإسلاميون الذين صعدوا للسلطة بلا خجل رغبتهم "الصادقة" في الحفاظ على استمرار العلاقة مع الكيان الصهيوني و "احترام" اتفاقية كامب ديفيد .. و أصبح الكيان الصهيوني بقدرة قادر داعما للمعارضة المسلحة في سوريا !! والمدهش في الأمر أن يصبح ماكين و أوباما و حمد و اليمين المتطرف الصهيوني و زعماء القوى الاستعمارية من أشد المدافعين عن الديمقراطية في العالم العربي !!
اقليميا ، صعدت دولتا قطر و السعودية كقائدتين جديدتين للمنظومة العربية الرسمية ، صحيح ان السعودية اعتبرت دائما دولة مؤثرة في المحيط العربي ، لكن اللافت للانتباه غياب دول عربية اعتبرت تقليديا كبرى مثل مصر و العراق و المغرب و الجزائر و سوريا ، هذا الغياب الناتج عن خلخلة عميقة في الداخل العربي ، استغلته إمارة قطر ، اعلاميا و ماليا ، بتحالفها مع حركات الاخوان المسلمين ، كي تفرض نفوذها كقوة جديدة ، و تمارس أبشع أنواع التآمر على الشعوب العربية ، رغم أنها لا تتمتع بميزات دولة حقيقية ...
و برز الى السطح صراع همجي متخلف و داء عضال اسمه الطائفية و المذهبية ، فلم يعد الخلاف السياسي بين انصار الديمقراطية و انصار الاستبداد ، بل أصبح بين اسلاميين و علمانيين ، و بين شيعة و سنة !! و استطاعت قوى الاسلام السياسي ، بقوة تنظيماتها و الدعم الذي تحصل عليه من الخارج ، ان تفرض شعاراتها الماضوية الشعبوية في الساحة ، و غابت تدريجيا و بشكل مؤلم شعارات الحرية و الديمقراطية و المساواة و العدالة ، ذات النفس العلماني ، لصالح بروز شعارات رجعية كإقامة الخلافة و تطبيق الشريعة !! وسادت كثير من مظاهر العنف و الفوضى غالبية دول "الربيع" العربي ، حد الاحتراب الداخلي ، و ضرب مقومات الدولة ، و انتشر السلاح و الإرهاب و التطرف و الاقصاء بشكل مخيف ، و لم يعد المطلب إنجاح تحول ديمقراطي ، و استكمال أهداف "الثورات" ، بل تراجع المد الجماهيري ، و أصبح المطلب اليوم هو الاستقرار و إنهاء العنف ...
و الخلاصة البادية للعيان ، أن الشباب الذين خرجوا في بداية الحراك بحماس الى الميادين ، لم يمتلكوا بوصلة التحليل وناصية المعرفة الضروريين لإنجاح عمل ثوري حقيقي ، و لم يتمكنوا من استيعاب اليات الصراع السياسي الدولي و الاقليمي و المحلي بمفهومه الشامل ، و لا قدرة على صياغة مشروع مجتمعي حديث بتفاصيله السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، و لم يؤسسوا تنظيمات قوية بقيادات نزيهة حازمة وازنة لتسلم السلطة و إنجاز أهداف الثورة التي حلموا بها ، و غاب دور المثقف / المؤطر/ الضمير ليحل مكانه دور رجل الدين/ المفتي/المرشد ... و اعتقد غالبية الشباب أن مهمتهم هي مجرد إسقاط رؤوس أنظمة و ليس الأنظمة ككل ، و صدقوا بسذاجة بالغة أن حركات يمينية محافظة غير مؤمنة بالديمقراطية و المواطنة ، و قوى تقليدية فاسدة ستساهم في تحقيق أهداف الثورة .... و كانت النتيجة كارثية ، إذ تحت يافطة الثورة ، يتم التأسيس لاستبداد أشد فاشية ، و لديمقراطيات مشوهة ، فبدا الامر شبيها بنهاية حقبة الاستعمار المباشر ، حيث حازت جل الدول على استقلال ناقص مشوه ، تمت فبركته في دهاليز القوى الكبرى و الاتفاقيات السرية ، و صعدت للسلطة تيارات رجعية عميلة ، و بدأت الثورات تأكل أبناءها ، و أوطانها حتى ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تؤكد إصرارها على توسيع العملية البرية في رفح


.. شرطة نيويورك تعتدي على مناصرين لغزة خلال مظاهرة




.. مشاهد للدمار إثر قصف إسرائيلي على منزل عائلة خفاجة غرب رفح ب


.. أحمد الحيلة: قرار الجنائية الدولية بحق إسرائيل سيحرج الدول ا




.. في ظل تحذيرات من تداعيات عملية عسكرية.. مجلس الأمن يعقد جلسة