الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقف العربي في فخ الإنكليزية

مسعود محمود حسن

2013 / 4 / 19
العولمة وتطورات العالم المعاصر



ما أكثر الفخاخ الثقافية التي يسقط فيها العالم العربي ! وآخرها فخ اللغة الإنكليزية حيث بات سائداً في الوسط الثقافي العالمي عموماً والعربي خصوصاً فكرة إتقان اللغة الإنكليزية كشرط حتمي وضروري لنيل المواطنة في النادي الثقافي . وأغلب الذين يسقطون في هذا الفخ هم الجيل الجديد من المثقفين الذين ترافق تكوّنهم الثقافي مع بروز وإتساع ظاهرة العولمة بأبعادها الثقافية واتجاهاتها الإعلامية بالخصوص . وأصبح هذا الجيل يهتم بالإنكليزية أكثر ما يهتم بلغته الأم .
الفكرة السائدة في ذلك الوسط تقول: إنّك كشخص لا تجيد الإنكليزية تصبح مثقفاً من الدرجة الثانية أوالثالثة في الوسط الثقافي , ولن يشفع إتقانك لكل لغات العالم الأخرى من أن تصبح مثقفاً من الدرجة الأولى .
وتأتي بعض المؤسسات الثقافية والإعلامية والشركات من القطاع الخاص والعام لتعزز ذلك الوهم حيث تشترط في الموظفين العاملين لديها أو الراغبين في العمل إتقانهم للإنكليزية كشرط للعمل لديها , فتنتقل فعالية الفخ من المجال الثقافي إلى الاقتصادي أيضاً . ومؤخراً لاحظت لدى (ستات البيوت) الجدد ميلاً نحو تعلّم الإنكليزية ظناً منهم بأنها مصدّقة مرور نحو العصرنة والتحضر!!
وقد يقول مدافع عن تعلّم الإنكليزية بإننا بحاجة لتعلّمها لنتعرّف عمّا لدى الآخر من تراث وحضارة ومعرفة . وهذا صحيح تماما ُ, ونزيد عليه بأنّ هناك تراث وحضارة ومعرفة غنية في ثقافات أخرى , والحامل اللغوي لها ليست الإنكليزية . فهناك الآن ثقافة يابانية وصينية وإسبانية وهندية وغيرهم الكثير, ومن الواجب الإطلاع على كل تلك الثقافات وما لديها من معرفة ومدى ما وصلت إليه من حضارة , وهذا يفرض تعلّم لغتهم أيضاً . لكن ليس هاهنا بيت القصيد , وإنما بيت القصيد في أنّ تعلّم أي لغة من تلك اللغات إنّما هو فرض كفاية على العالم العربي وليس فرض عين , يعني يكفي أن يكون مجموعة من المترجمين المختصين والمحترفين في كل لغة من اللغات ليقوموا بترجمة ما هو قيّم وضروري , أمّا باقي المثقفين فيفترض بهم قراءة ما تُرجم . ونحن نعلم جيداً الآن أنّ أي كتاب مهم يتم تأليفه في الإنكليزية في أي مجال من مجالات المعرفة يتم ترجمته من قبل عدّة مؤسسات عربية متخصصة في هذا العمل . وهذا هو فرض الكفاية الذي يغني الكثير من المثقفين في العالم العربي عن تعلّم الإنكليزية بما أنّ الغرض منها قد تحقق على يد المؤسسات . فاعتقاد العربي أنّ تعلّم الإنكليزية فريضة علمية لا مفرّ منها لأجل الإطلاع عما لدى الآخر من معرفة وعلم وثقافة تسقط عنه طالما تمّ ترجمة ما كان يريد الإطلاع عليه من مؤلفات .
لكن واقع الحال اليوم يقول : إنّ تعلّم الإنكليزية أصبح هاجساُ مرضياُ عند بعض المثقفين , فمن نجح منهم في إتقانها يتشكل لديه مركب عظمة وهمي لا أساس حقيقي له, ومن فشل في إتقانها يتشكل لديه مركب نقص وهمي أيضاً .
وما يعيشه الوسط الثقافي من أمراض نفسية ينتقل للوسط الاجتماعي بحكم العدوى , وهذا الوسط يعجز بأكثره عن تعلّم هذه اللغة إمّا بسبب مسؤلياته الأسرية والمهنية وعدم توفر الوقت, وإمّا بسبب الميزانية الاقتصادية التي تحتاجها تعلّم هذه اللغة , فيساهم ذلك في تعميق الوهم بالنقص الذي يعاني منه العالم العربي ويُدخله في اضطرابات وتوترات نفسية تضعف فعاليته وتوجّه نشاطه وحيويته نحو أهداف لا تعبّر عن استحقاقات مرحلة النهضة التي يمرّ بها, ولا تواجه التحديات الخطيرة التي يواجهها إنسان هذا الوقت, في شمال الأرض وجنوبه, شرقه وغربه .
حين تتمكن الإنكليزية من اختراق النادي الثقافي في مجتمع ما وتفرض نفسها عليه كلغة أساسية
وحين تدّعي بأنها لغة العلم والثقافة والفكر , فأنّ ذلك سيغرس في الأذهان تلقائياً بأن اللغة الأخرى التي يتكلم بها المجتمع هي لغة الجهل والتخلف , ولا بدّ من استبدالها بالإنكليزية إذا ما أراد المجتمع التثقف والتعلّم والتفكير. ويصاحب ذلك ابتعاد شريحة مهمة من البنية الفوقية للمجتمع عن البنية التحتية وما يترتب على ذلك من إصابة مشاريع النهضة التي تطرحها البنية الفوقية بالشلل بما أنّ حاملها الاجتماعي قد تغرّب عنها .
لكن دعونا نطرح هذه التساؤلات على الوسط الثقافي : هل انتهى مثقفنا الذي يصرّ على تعلّم الإنكليزية من قراءة ما كُتب باللغة العربية , وما يُترجم إلى العربية من فلسفة وعلم وفن وفكر, وهو ما يصل لعشرات الكتب شهرياً إذا لم نقل يومياً!!؟ هل هو سريع لهذا الحد في القراءة لدرجة أنّ مؤسسات النشر والترجمة المنتشرة في العالم العربي تعجز عن تلبية حاجاته!!؟
ثمّ هل صحيح أنّ العربي لا يمكن أن يصبح إنساناً عصرياً وحضارياً إلا إذا تعلّم الإنكليزية !؟ مَن منا سمع بنظرية حضارية تقول بأنّ بناء أي حضارة في العالم مشروطة باللغة الإنكليزية!!؟ مَن يتجرأ على المغامرة بالقول بأنّ العالم العربي سيُنافس بقية حضارات الأرض على عرش القمّة إذا ما أتقن اللغة الإنكليزية!؟ من قال بأنّ الحضارة تنبع من اللغة , ألا يمكن أن يكون العكس صحيحاً .
اعتقد أنه الوقت المناسب لرد اللغة الإنكليزية لحدودها الطبيعية واعتبارها كأي لغة أخرى , لا تزيد عليها ولا تنقص . والوقت والجهد والمال الذي يبذله المثقف العربي في تعلّم هذه اللغة من الأحسن له أن ينفقها على قراءة ما كُتب بلغته الأم , وما تُرجم إليها على أيدي المختصين , وأن يؤلف بلغته ويبدع إلى الدرجة التي تدفع الآخرين ليتعلّموا لغته ويترجموا مؤلفاته كما حدث حين ترجموا إبن رشد وابن سينا ونجيب محفوظ . أرى أنه قد آن الأوان ليتخلّص مثقفنا بآن معاً من مركب النقص والعظمة الوهميين التي يسعى مروجي ودعائيي اللغة الإنكليزية من نشره في عالمنا .
مسعود محمود حسن/ إعلامي سوري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال