الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العاشق الكبير

حسن الجبوري

2013 / 4 / 19
الادب والفن


كان يجلس على طريق عملي , عجوز طاعن بالسن , ملتحي بلحية بيضاء ناعمة وجميلة , وبشرة تميل للبياض ووجه يحمل بين تقاطيعه اسرار كثيرة , ظل في هذا المكان وكأنه بسمار دق من زمن بابل . تعودت كل يوم أن اراه منذ الصباح , بل حتى إنني في بعض الاحيان أخرج فجراً وأمر من أمام محرابه وأجده يتعبد , لكن عبادته كانت من نوع أخر , عبادة عاشق من المحاربين القدامى في معارك الهوى والعشق , سألت عنه بعد ان أمضيت أشهر وأنا على هذه الحال , أراه يوميا عند ذهابي للعمل وعند خروجي منه , أخذني فضولي وسألت عنه , فقال لي أحد الطاعنيين في السن , من تقصد , قلت له الرجل الكبير صاحب اللحية البيضاء الذي يجلس على حائط المدرسة الابتدائية , قال نعم عرفته انه ( ابو ناجي ) ! قلت له وأين ناجي ؟ فضحك الرجل بقهقهة ثمل بعدها من كثر السعال الذي اختزل مدى تدهور اعضاءه التنفسية . وحين استقر بعد أن شرب ماءه , نظر الي وقال ( ابو ناجي ) يعني البريطاني ! وليس له ابن ! قلت له كيف ؟ الم يتزوج ؟ قال : عند دخول الاحتلال البريطاني في الجنوب كان ( كريم ) شاب صغير وجميل , عمل معهم ولمدة طويلة , وتعرف على فتاة بريطانية أحبته بجنون واحبها إلى درجة العبادة , وعند خروج الاحتلال قالت له اذهب معي الى بريطانيا العظمى لنعيش سوية . فلم يكن من كريم إلا أن نظر الى المدى وهو يوزن بين حب في الغربة وبين حياة تحمل سلفه وحياته ومستقبل مجهول في بلاد ابو ناجي .. فنظر اليها وقال : ابقي هنا معنا وسأفعل لك كل ما تريدية ونذهب بزيارات الى بلدك واهلك , فنظرت اليه حبيبته وهي تغرغر بدموع الوجع والرحيل وقالت لا , فحياتي هناك , حينها قال كريم لها وهو يختنق بعبراته : وحياتي هنا . ومنذ ذلك الحين رقد كريم في سبات مع الزمن منذ الصباح إلى المساء وهو يعيش مع أحلامه التي تقطعه عن عالمنا , فيضنه الناس مجنون , وهو مجنون لكن بالعشق , وبعد هذا السرد من قبل الشيخ التفت الي وسألني سؤالا كبيرا , قال لي : ياترى من احب اكثر حبيته أم أرضه ؟؟؟؟ .. وتفاجئت بالسؤال الذي يعبر عن قصة كبيرة يختزلها الزمن بكلمتين . وعند نهاية الحديث ذهبت الى البيت وانا افكر بكريم , ما هذا الكائن ؟ ترى كم احبها لدرجة الجنون ؟ ولماذا فضل ارضه عليها ؟ من الذي جننه هي أم ارضه واهله ؟؟ . اسئلة ظلت تعيش معي كل يوم وانا اراه يوميا عند ذهابي وعودتي . وفي يوم كئيب وملبد بالغيوم لم أرى ( العاشق الكبير ) وسرت الى عملي وانا اتسأل , انها المرة الاولى منذ اربع سنوات , ترى لماذا وماذا حصل ؟ وعند نهاية العمل رجعت الى البيت وعزمت ان اذهب عند العصر الى بيته , وذهبت الى حارته وسألت اطفال الحارة , اين جدو كريم ؟ فقالوا ( كريم المخبل ) ! قلت نعم أين قالوا في ذلك الاتجاه , ومشيت الى زقاقه ودخلت في الدربونة التي يوجد فيها بيت العاشق , وحينها صعقت وأنا أرى مجلس العزاء وجادر المأتم وصوت القرأن وهو ينشد فوق روح ( كريم , العاشق الكبير ) , فجلست وتأملت في نظراته التي كانت لاتميل ابداً وكأنه يرى حبيبته هناك جنبه ويتكلم معها , ونهظت مغادرا , حزيناً , كئيباً , احمل ألم فراق ( العاشق ) واحمل الم ذلك السؤال : من أحب اكثر حبيبته أم ارضه وأهله ؟











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر