الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول عبارة -ما يسمّى بالإرهاب- حول قسوة العرب على العراق الجديد

رجاء بن سلامة

2005 / 4 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


رأيت وسمعت في قناة "الفيحاء" العراقيّة مواطنين عراقيّين ريفيّين وقفوا أمام الكاميرا بستغيثون ويطلبون الحماية من الإرهابيّين، ويطلبون، وهم العزّل، أسلحة يدافعون بها عن قراهم، ويدعون كلّ العرب إلى فتح عيونهم وآذانهم على معاناتهم اليوميّة من جرّاء ما يسمّونه "المقاومة" للمحتلّ. ولا أظنّ أنّ هذا المشهد من باب الدّعاية للنّظام العراقيّ الجديد، لأنّني رأيت وسمعت في هذه القناة نفسها ما لم أره وأسمعه في القنوات العربيّة الأخرى إلاّ إذا كان من باب المسرحة والتّهريج : رأيت مواطنين ينتقدون مسؤوليهم ويحاسبونهم ويسألونهم عمّا فعلوا بالمال العامّ، كما سمعت مسؤولين يتكلّمون لغة دقيقة واضحة غير لغة الحكّام العرب الخشبيّة أو الخطابيّة الطّنّانة، ويعرف كلّ منهم الملفّ الذي كلّف به، ويحتكم كلّ منهم إلى قوانين البلاد القديمة أو الجديدة، ويتحدّث كلّ منهم عن خطّة استراتيجيّة للهيئة التي يمثّلها وعن سبل لتطبيقها وعوائق قد تحول دونها.
ورأيت وسمعت في قناة الفيحاء رجالا قطع صدّام حسين وأعوانه آذانهم اليمنى، ورأيت ثكالى فقدوا كلّ أبنائهم، ومعاقين جرّوا بقايا أجسادهم وجاؤوا للإدلاء بشهاداتهم ولطلب الحقّ والإنصاف.
هؤلاء جميعا يسمّون الإرهاب إرهابا، أمّا إعلاميّو قناة الجزيرة وغيرها من المنابر الإعلاميّة المحلّيّة والعربيّة، فإنّهم يتردّدون في تسمية الإرهاب إرهابا، لا لأنّهم يقدّمون محتوى إعلاميّا محايدا، فما أبعدهم عن الحياد، وهم الذين لا يرون من العراق إلاّ ما يريدون أن يروه، بل لأنّهم قساة غلاظ القلوب، ولأنّ منطق القبيلة والأخذ بالثّأر أعمى أبصارهم وأصمّ آذانهم.
الذين لا يسمّون الإرهاب إرهابا ، ويبدون تحفّظهم بترديد عبارة "ما يسمّى بالإرهاب" هم الذين شمتوا على نحو بدائيّ مخز في آلاف الضّحايا الأبرياء الذين احترقوا يوم 11 سبتمبر أو ألقوا أنفسهم من الأبراج، وهم الذين ينفون وجود مدنيّين وضحايا أبرياء بإسرائيل، ولا يرون الضّحيّة إلاّ عندما تكون في صفّهم ومن بني جلدتهم، لأنّهم أهل قصاص ودماء لا أهل قانون وحقّ.
وهم الذين أغدقوا على ابن لادن لقب الشّيخ ولم يتورّعوا عن إبداء إعجابهم به وبأضرابه إثر كلّ تسجيل صوتيّ هذيانيّ يرسلون به إلى قناة الجزيرة.
وهم الذين بكوا يوم سقوط ذلك التّمثال الذي نصّبه المستبدّ لنفسه لكي يخلّد نفسه ويرتهن عراق المستقبل كما ارتهن عراق عهده، فهذا التّمثال يقول ما تقوله العبارة الرّهيبة المنقوشة على قناطر سوريا وطرقاتها بأحجام تفوق أحجام البشر : مع الأسد إلى الأبد. الباكون على التّماثيل هم العبيد الخائفون من فقدان العبوديّة، المطالبون بدماء مصّاصي دماء البشر.

يوم سقط ذلك التّمثال الضّخم الرّهيب رأيت أصدقاء عرافيّين ممّن شرّدهم نظام البعث، رأيتهم يبحثون عن الملاجئ الآمنة لكي يشربوا وحدهم أنخاب سقوط الجلاّد الأعظم. لقد كانوا غرباء، وازدادت غربتهم في هذه البلدان التي تطلب منهم ما لا طاقة لهم به : تطلب منهم أن يكتموا فرحهم وأن ينوحوا على جلاّدهم.
ويوم ألقي القبض على صاحب التّمثال الضّخم الرّهيب، وأخرج من جحره كما تخرج الفئران، وسقطت هالته الحربيّة والفحوليّة الواهمة، رأيت وسمعت مثقّفين وجامعيّين يعبّرون عن "الإهانة" التي شعروا بها من جرّاء ما فعله المحتلّ الغاشم بزعيم عربيّ.
وفي أيّام حصار الفلّوجة، رأيت وسمعت حشودا يشبهون الرّهط البدائيّ يتغنوّن بأبطال الفلّوجة وبأتباع الزّرقاويّ، ويستعدّون لجلد كلّ شيطان مارق يشكّك في المقاومة العراقيّة أو يقول لهم إنّ الخير يمكن أن ينبع من الشّرّ، وإنّ عراقا جديدا يمكن أن ينتفض ويخرج من رماد الحرب والاحتلال كما ينتفض طائر الفينيق وينبعث من حريقه.
وبالأمس، رأيت وسمعت شعراء لم يبكوا القائد الأعظم على نحو مباشر، بل لجؤوا إلى أساليبهم البلاغيّة المنافقة، كما يلجأ الإعلاميّون إلى عبارة "ما يسمّى بالإرهاب"، فبكوا هارون الرّشيد وجواريه وقصوره، ولم يبكوا تمثال القائد الأعظم، بل بكوا تماثيل ومعالم بغداديّة أخرى. هؤلاء هم الذين كانوا يعودون من مهرجان المربد بالسّاعات الفاخرة التي تقبع فيها صورة صدّام الحسين، غير مبالين بالأدباء العراقيّين الذين كانوا يقبعون في السّجون، وهم الذين يملؤون الدّنيا بصورهم وبلاغاتهم المهترئة، ويصمتون عن قضايا اللاّمساواة والعنف والمصادرة حتّى لا بفرّطوا في جائزة سنيّة أو دعوة إلى مهرجان.

كما يشهد العراقيّون اليوم على قسوة النّظام العراقيّ البائد، أريد بهذه المشاهد المتفرّقة، أن أشهد على القسوة العربيّة الرّاهنة على العراق، والعمى العربيّ إزاء عراق اليوم.
بغداد اليوم لن تكون بغداد هارون الرّشيد والقصور المحشودة بالجواري وبمضحكي السّلاطين. سئمنا حنينكم ورموزكم ومراثيكم.

[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Brigands : حين تتزعم فاتنة ايطالية عصابات قطاع الطرق


.. الطلاب المعتصمون في جامعة كولومبيا أيام ينتمون لخلفيات عرقية




.. خلاف بين نتنياهو وحلفائه.. مجلس الحرب الإسرائيلي يبحث ملف ال


.. تواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب بمشاركة 25 دولة| #مراس




.. السيول تجتاح عدة مناطق في اليمن بسبب الأمطار الغزيرة| #مراسل