الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البعث العراقي وتأميم القرآن

مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)

2005 / 4 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لا يمكن تجريد هذه الشعوب من ميراث الذاكرة , لا يمكن أبداً نسيان الويلات والدمار الماحق الذي لحق بهم لمجرد أنّهم ينتمون الى هويّات مختلفة , وتلك مسألة لا يد لهم فيها . إذ أنها ترتبط بشكل أو بآخر ببدء الخليقة وأسفارها وتقسيم المكوّن البشري الى أعراقٍ عديدة . لم يختر الكردي أن يكون كردياً , ولا العربي أن يكون عربياً , ولا الآشوري , ولا التركي , ولا ....الخ سلسلة الشعوب الحيّة التي تميت الموت .
الذاكرة هي هذا الرأسمال الرمزي الذي يحاكم الأوضاع جميعها انطلاقاً من الذات وانتهاءً بالآخر .
وفي الذكرى السنوية الـ 17 لجرائم الأنفال تثبت الذاكرة الكردية أنّها أكثر تأججاً وتوقداً وأسئلة . لماذا شُنّ الموت عليهم تحت راية الديانة التي يدينون بها : الإسلام . أيعود ذلك الى أن النظام البعثي في العراق قام بتأميم القرآن المقدس قبل أن ينخرط جلاوزته في مشاريع الابادة العنصرية تلك .
ولماذا وقفت العوالم مكتوفة الأيدي بصمت القتلة المبين حيال انتهاكات حقوق الإنسان تلك . وهل انتعش النظام الدموي على الانفالات أم كان ذلك مجرد علامة على مسلسل السقوط ( هل يسقط الساقط ؟ ) في أوحال شعاراته الغير قابلة للحياة . هل بعثرت الأنفال الأكراد أم أنها جمعت كلمتهم ووحدت لا شعورهم الجمعي أمام رعب ماكينة القتل البعثية وكل ماكينة أخرى , في كل مكان آخر .
نعم أمّم النظام العراقي الرجيم القرآن ووظفه لأجل تبرير جرائمه وتغطيتها بستارٍ ديني لاعتقاده أنّ ذلك سيدرّ عليه تعاطف المسلمين أينما كانوا , فأتخذ لحملاته العسكرية والتي تستهدف كردستان والشعب الكردي تسمية / الأنفال / والأنفال سورة من القرآن , مدنية , مؤلفة من 75 آية تتحدث عن أحكام الجهاد والغنائم , نزلت عقب غزوة بدر .
الآية الأولى من سورة الأنفال تقول : { يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين } . فالأنفال هي الغنائم الحربية , وهكذا يصبح الأكراد بنسائهم ورجالهم وأطفالهم وممتلكاتهم مجرد غنيمةٍ ليس إلا للنظام العراقي الذي والحالة هذه هو الله والرسول لذا وجبت طاعته , بمقتضى الآية أخرج الأكراد من عداد أمة المسلمين وتم تكفيرهم , ما استوجب حلّ دمهم وهتك أعراضهم , فهم حسب فقيه الأمة صدام لعنه الله كفرة ما يوجب قتلهم دونما رحمةٍ أو حياء . ويستنتج ذلك من الآية السابعة : { ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين } . ولا شك أن صدام وزمرته اعتمدوا أكثر على الآيات 12 و 13 و 14 و 15 و 16 و 17التي تقول : { إذ يوحي ربك الى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان * ذلك بأنهم شآقوا الله ورسوله ومن يشاقق الله ورسوله فإن الله شديد العقاب * ذلكم فذوقوه وأن للكافرين عذاب النار * يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار * ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير * فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم } . من حرفية الآيات هذه يستفاد أن الأكراد كفار يحق ضرب رؤوسهم وقطع أطرافهم وإخراجهم من ديارهم واضطهادهم , ليست كتائب وفرق الجيش العراقي وحيدة في المعركة بل الملائكة أيضا تؤازرهم وبالنتيجة ليس صدام وجيشه هم الذين ينهالون بالقتل على الأكراد , إنه الله الذي يقتلهم لأنهم خرجوا على الدين وباءوا بغضبه .
لا أعلم ما كان وما هو رأي علماء المسلمين الذين تمرغوا بحذاء صدام ومؤخرات غوانيه طيلة سنوات الظلام والإظلام تلك , ثم فجأة خرجوا علينا من جحورهم في زمن العراق الأمريكي وأتخمونا بفتاويهم عن محاربة الاحتلال الأمريكي . لا عدو للمسلمين إلا علماء المسلمين .
الحالة الأخرى الباعثة على الاشمئزاز والقيْ والسخط والقرف أنّ الأمم المتحضرة والمتمدنة والمنظمات العالمية من الأمم المتحدة الى المؤتمر الإسلامي والتي تتاجر بحقوق الإنسان وتزني به في رابعة النهار كانوا شهوداً على الانتهاكات والمجازر وحملات القتل الجماعية في مناطق لا تحصى من عالمهم , فتعاملوا مع الحالات بمزيجٍ من الصمت والسكوت وغض النظر حياءً من الأنظمة الدموية .
تواطئوا على قتل اليهود في أوروبا لئلا تكتشف ألمانيا النازية أنّ شيفرتها العسكرية السرية أصبحت علنية , وتواطئوا على قتل الأرمن في تركيا ليحصلوا على مبالغ التأمينات ويتقاسموها بالقسطاس , كما تكررت حالات مقابلة المجازر ضد الإنسانية بالصمت المبين في كمبوديا واليابان ورواندا وبوروندي ودارفور وكردستان والصين وكرواتيا والبوسنة وروسيا ... الخ .
اليوم فقط يلجأون الى فتح ترسانات الأرشيف , وهذا يبعث على السخرية منهم , فهل يعقل التدخل كمتفوهين بارعين في مآس كلفت الملايين من الأرواح بعد فوات الأحزان .
في حالة العراق , بصدد مجازره المروعة بحق القومية الكردية . تتقاسم كل هذه الدول والمنظمات مسؤولية قتل وابادة الآلاف من الأكراد وإن بنسبة أقل , فهم شركاء عبر صمتهم اللاإنساني إزاء الموقف , وهم شركاء لأنهم غلبوا ضرورات أمنهم القومي ومصالحهم الاستراتيجية على قتل شعب بريْ.
فإدارة الرئيس / ريغان / لم تسمح لقرار الكونغرس القاضي بفرض عقوبات اقتصادية على العراق لقيامه باستخدام الغازات السامة ضد الأكراد سنة 1988 أن يرى بل على العكس تماما ساعدت العراق في الحصول على التكنولوجيا وقروض للصناعة العسكرية العراقية ضاربة بعرض الحائط حملات الأنفال وإزالة أكثر من أربعة آلاف قرية من الوجود وحشر الألوف من الأكراد في مدن النصر الموهومة .
اليوم وبعد 17 عاما من الأنفال ورش مبيدات الشعوب تقعي القيادة العراقية الدموية تلك كالكلاب في أقبية سجون العراق الجديد بانتظار المحاكمة , والطريف في الموضوع أن العالم المتمدن والديمقراطي والحر يعلن بلا خجل رفض إعدام صدام وكلاب صيده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقارير تتوقع استمرار العلاقة بين القاعدة والحوثيين على النهج


.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطاب بايدن والمقترح الإسرائيلي




.. إيران.. الرئيس الأسبق أحمدي نجاد يُقدّم ملف ترشحه للانتخابات


.. إدانة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب توحد صف الجمهوريين




.. الصور الأولى لاندلاع النيران في هضبة #الجولان نتيجة انفجار ص