الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخام والطعام ..!!

هادي فريد التكريتي

2005 / 4 / 16
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


التقرير الفضيحة ، الذي أعدته وزارة الخارجية الأمريكية ، قبل أيام ،عن الوضع الإقتصادي وإعادة إعمار العراق ، والنهب الذي مارسته كبرى الشركات الأمريكية ذات العلاقة المباشرة بالإدارة الأمريكية زاد من زيارة مسؤولي الإدارة للعراق ، فرامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي أضفى على زيارته أول أمس طابعا غير عسكري ، مما لا يوحي للسامع أنه جاء للإطمئنان على قواته العسكرية ، إنما لطمأنة العراقيين من أن قواتهم أصبحت على وشك أن تتسلم مسؤولية حفظ الأمن في البلد ، مبروك ، إلا أن هذا الأمر لم يكن كل الحقيقة ، فالحقيقة التي أقلقت واشنطن هو أن رجلهم المفضل والمعتمد عليه ، رئيس الوزراء الحالي أياد علاوي ربما سيكون خارج الحكومة ، وعندما يكون كذلك فالكثير من إجراءات التعيين التي تمت في وزارة الداخلية سيعاد النظر فيها من قبل الحكومة اللاحقة ، والتي أصبح من المؤكد أنها ستكون من نصيب المجلس الإسلامي الأعلى ، وهؤلاء أعلنوا مسبقا من أن تغييرات جذرية ستجري في هيكلة الوزارة والمناصب المهمة ، وإبعاد العناصر البعثية التي يعتقدون أن البعض منها متواطئة مع قوى الإرهاب البعثية و" الزرقاوية " على حد سواء ، وبما أن هذه الوزارة المتمثلة بقيادتها ، وأغلب منتسبيها هم من البعثيين الموالين لرئيس الوزراء ، وأي تغيير منشود يضعف من نفوذه لاحقا ، فزيارة رامسفيلد تأتي ضمن هذا الإطار ، ولتحذير الحكومة اللاحقة ، التي سيقودها الجعفري ، من إجراء أي تغيير في قوى الأمن والشرطة لن توافق عليه الإدارة الأمريكية ، هذا التحذير ، يأتي بالضد من إرادة أغلب العراقيين ، الذين يعتقدون أن وزارة الداخلية وإدارتها وأغلب منتسبيها ، وبعض قوى الأمن والدفاع ، هي مما يجب تطهيرها من البعثيين وتحسين أداءها ، لوقائع اتهمت فيها ولم يكشف بعد عن ملابساتها..كما أن هذه الزيارة جاءت للضغط على قائمة الإئتلاف لإشراك قائمة علاوي وتنفيذ مطالبه بصدد الوزارات التي يطالب بها ، وقد يتضح هذا الأمر من خلال الزيارة التي قام بها رامسفيلد لرئيس الوزراء الجعفري ، المكلف بتشكيل الوزارة ، ولمعلومات القارئ أن الإدارة الأمريكية كانت قد عارضت إشراك حزب الدعوة والحزب الشيوعي العراقي، في أي لقاءات تجريها مع قوى المعارضة من قبل أن ينعقد مؤتمر صلاح الدين ، وقبل سقوط النظام بفترة طويلة، إلا أن اغلب قوى المعارضة العراقية كانت رافضة لهذا الموقف الأمريكي ، الأسباب معروفة من موقفها تجاه الحزب الشيوعي ، إلا أن ماهو غير معروف أو غير مفهوم الموقف من حزب الدعوة..!
الزيارة الثانية التي تزامنت مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي لبغداد، هي زيارة نائب وزيرة الخارجية الأمريكية ، روبرت زوليك ، هذه الزيارة لها علاقة كبيرة بما آلت إليه الخطط التي اعتمدتها الإدارة الأمريكية في إعادة إعمار العراق ، والمبالغ المخصصة لهذا الغرض ، وللتأكد من إنجاز أو وتوقف بعض المشاريع التي أوكل أمر تنفيذها للشركات الأمريكية ، وأسباب التعديلات المتعددة التي طرأت على تنفيذ بعضها ، ومقارنة ما تضمنه تقرير وزارة الخارجية ، بهذا الشأن ، وما هو موجود فعلا على أرض الواقع .. واثناء الزيارة التي قام بها لمدينة الفلوجة التقى بأعضاء مجلس المدينة المنتخب ، وعند اللقاء خاطبهم : (..مستقبل العراق يعتمد على أناس أمثالكم في كل أنحاء العراق لا على الولايات المتحدة..إنه بلدكم ويمكننا تقديم العون ، لكن عليكم أنتم تحقيق ذلك ..) البعض من العراقيين وخصوصا القوى التي جاءت إلى السلطة بتأثير أمريكي ، تعتقد أن الأمريكان بيدهم " خاتم سليمان " متى ما استخدموه سوف يحلون كل مشاكل العراق المستعصية ، وحتى تلك المشاكل التي أورثًهم إياها النظام المقبور خلال سني حكمه ، وخصوصا تلك التي أعقبت هزيمته من الكويت وبدء الحصار الدولي عليه ، الذي دام حتى سقوطه ، أو ذلك الخراب الذي أحدثته قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، نتيجة عنجهيتها العسكرية وتخبط إدارتها السياسة ، فمردهما عدم فهم الواقع العراقي ، وعدم سبر غور النفسية العراقية التي تغرف من موروث حضاري عمقه سبعة آلاف سنة...
أسباب الفشل الأمريكي في تحقيق أمن العراقيين وإعادة بناء ما تخرب حتى الآن في العراق ، ناتج من سوء إدارة خططت وعدم نزاهة نفذت، وكفاءة مفقودة ،افتقر إليها أغلب موظفي الإدارة الأمريكية وكوادرها غير " الأمينة " المؤتمنة على تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار ، ولم يقل نائب وزيرة الخارجية مثل هذا القول لأعضاء مجلس الفلوجة، إلا بعد فشل أمريكي محقق على تنفيذ ما تعهدت به الإدارة الأمريكية ، خصوصا بعد أن خصصت مبالغ مجزية قدرت بنحو عشرين مليار دولار ذهب أكثرها إلى شركات قامت بتنفيذ مشاريع لم تكن أغلبها ذات نفع مجدي أو مالم يحتاجه البلد ، أولم تكن وفق ما كان مخططا لها ، كما أن المشاريع غير المنفذة ، لأسباب مختلفة ، قد تقاضت عليها الشركات مبالغً استنفذت قسما كبيرا من هذه المبالغ المخصصة للإعمار أو لإعادته ، وقوله "العراق يعتمد على أناس أمثالكم.." هذا بالنسبة للعراقيين تحصيل حاصل وما كان العراق أو العراقيون يوما يعتقدون غير هذا الاعتقاد ، حتى وإن كان الإحتلال هو ما تسبب في الخراب وعليه تقع مسؤولية إصلاح ما تخًرب ، فتجربة العراقيين غنية بهذا الخصوص ، وما قاله نائب وزيرة الخارجية ناتج عن مأزق حقيقي تعيشه الولايات المتحدة ، بعد تجربتها المريرة في العراق ، فما تدعيه في وسائل إعلامها يتناقض مع ما تمارسه على الأرض ، وهذا ما يجردها من مصداقيتها في إرساء أسس للديموقراطية ومبادئ لنزاهة سياسية خارج بلدها، هي بعيدة كل البعد عن تطبيقها في بلدان تحتلها ، وفشلها في حماية الشعب الذي تحتل أرضه، يخول الحكومة العراقية المنتخبة ، بموجب القوانين الدولية ، إقامة دعاوى تعويض عن كل الممتلكات التي دمرتها ، وعن كل الضحايا الذين سقطوا نتيجة إهمالها وتماهلها في ردع الإرهاب المنفلت الذي هي سبب فيه ، وهذا واقع صارخ لممارساتها على الأرض العراقية منذ أول يوم لدخولها العراق وحتى اللحظة ، وكل مايعانيه الشعب العراقي حاليا هو نتيجة لغطرستها وعدم إصغائها لما قاله الحكماء العراقيون لها قبل أن تدخل وتحتل العراق..أما ما قاله ، نائب وزيرة الخارجية ، في مجلس الفلوجة " إنه بلدكم ويمكننا...." نعم بلدنا ولا أحد يعيد بناءه غيرنا ، وكما يقول المثل العربي " ما حك جلدك مثل ظفرك " وتقديم العون الموعودين به من قبلكم قد استحوذت عليه شركاتكم المتعددة الجنسية ، ولن تتركوا لنا غير الفقر والفاقة ، ولم يعد بإمكانكم تقديم المزيد ، فالمزيد من أموالنا ، تقدر بملايين الدولارات سنويا ، لازال مجلس الأمن يسيطر عليها بغير وجه حق ، وحتى اللحظة ، لتسديد رواتب ومخصصات اللجان التي شكلها ، قبل سقوط النظام ، للتحقق من خلو العراق من أسلحة الإبادة الشاملة ، فعن أي مساعدة ودعم تتحدثون ، فحرصكم على مساعدة العراق وهم وكذبة كبرى لن تجدوا من العراقيين ًمن يصدقها...
وقد استغرقت جولة نائب وزيرة الخارجية ثلاث عشرة ساعة ،اطلع فيها على الخراب الحاصل في المدينة جراء الحصار ، الذي تسبب فيه الإحتلال والإرهابيون على حد سواء، من تهدٍيم للمساكن ومن إتلاف لشبكات الماء والكهرباء ، وخلال لقاءاته التي أجراها مع الكثيرين من أبناء الفلوجة ، الكل أسمعوه مطالبهم الملموسة الملموسة والمتمثلة في :ـ الأمن ، ودرء الإرهاب يكمن في تشغيل العاطلين وإيجاد فرص عمل لهم ، وسرعة تعويض المتضررين من خراب مساكنهم جراء الحصار ، والحاجة إلى مياه صالحة للشرب وإعادة الخدمات الضرورية للمدينة ، وهذه المطالب التي وعد بحلها السيد روبرت زوليك ـ وما أكثر ما وعدوا به ولم ينفذوا ـ هي مطلب لكل الشعب العراقي من أقصاه لأقصاه ، وتحقيقها يساعد على إعادة بناء العراق ورفاهية شعبه ، فهل تسمع الإدارة الأمريكية ماذا يريد العراقيون ؟ وهل تسارع القوى السياسية العراقية المتحاورة من إعلان حكومة انتظرها الشعب طويلا ، للبدء في حل ما استعصى على إدارة " الاحتلال " الأمريكية حله، فالشعب العراقي بخير لولا قلة " الخام والطعام ."..!؟
15 نيسان 2005








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي