الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصين : القوة الآسيوية الاولى

ماجدة تامر

2005 / 4 / 16
العولمة وتطورات العالم المعاصر


على الرغم من أن البرنامج النووي لكوريا الشمالية ، يمثل اختبارا صعبا للإدارة الأمريكية ، إلا أننا إذا ما نظرنا إليه بقدر اكبر من الإمعان ، فإننا سوف نكتشف ، أنه يخفي وراءه تحديا أوسع نطاقا ، واشد خطورة بما لا يقاس بالنسبة للإدارة الأمريكية والعالم بأسره .

هذا التحدي في جوهره يعكس حقيقة تتجلى في بزوغ الصين كقوة ذات نفوذ وتأثير كبيرين على باقي القوى بالمنطقة ، ويمكن لإدارة بوش أن تعبر عن طبيعة الدور الجديد للصين بأي لغة سياسية منمقة تريدها ، ولكن المسألة في النهاية تتلخص في أن نفوذ الصين اليوم في حالة تصاعد سريع وأن نفوذ الولايات المتحدة بالمقابل في حالة اضمحلال سريع .

وعلى الرغم من أن تلك الحقيقة قد لا تروق للمسؤولين في الإدارة الأمريكية ، فانه يجب أن يعرفوا أنهم كلما أسرعوا في تقبل هذه الحقيقة ، كلما أتيح لهم أن يتعاملوا معها بشكل أسرع . ومما يؤسف له أنهم قد تجاهلوا شرق آسيا إلى حد كبير، وذلك بعد أن انغمسوا في الأوضاع المتردية في كل من أفغانستان والعراق .

إن أرقام التجارة تساعدنا على شرح التحول الذي حدث في آسيا ، فخلال ست سنوات تقريبا سوف يصبح اقتصاد الصين أكبر بمرتين من اقتصاد ألمانيا الذي يعتبر في الوقت الراهن ، ثالث أكبر اقتصاد في العالم .

وبحلول عام 2020 ، يتوقع أن يتجاوز الاقتصاد الصيني نظيره الياباني الذي يعتبر ثاني اكبر اقتصاد في العالم ، علما بأن اليابان تستورد حاليا من الصين أكثر مما تستورده من الولايات المتحدة . كما أصبحت الصين اليوم أكبر شريك تجاري لكوريا الجنوبية التي تحتل المرتبة الثانية عشرة في قائمة أكبر الاقتصاديات العالمية .

ولكن ماذا تعني تلك الإحصائيات ؟ تعني أن الزعماء الصينيين يدركون حاليا بأن النفوذ ينبع من التجارة وليس من براميل البارود ، كما كان يعتقد " ماوتسي تونغ " في الماضي . كما تعني أيضا أن طوكيو وسيؤول تعرفان تلك الحقيقة ، وأنهما غير راغبتين في وضع نفسيهما في مواجهة مع بكين ، حتى لو أدى ذلك إلى معارضة واشنطن ذاتها.

وبمعنى آخر إذا كانت إدارة بوش لا تزال تنظر إلى الولايات المتحدة باعتبارها القوة الوحيدة في عالم أحادي القطبية ، فإن طوكيو وسيؤول لا تشاركانها هذا الرأي وإنما تنظران إلى الولايات المتحدة و الصين كقوتين يجب أن يحسب حسابهما في آسيا التي يجب أن تمثل الثنائية القطبية في هذا العالم .

والدليل على هذا التحول الجوهري في الأوضاع هو ذلك الصعود السريع للصين ، كلاعب دولي مهم ومشارك في حل أزمة كوريا الشمالية النووية .

منذ خمس سنوات تقريبا كان من غير المتصور التفكير في قيام كوريا الجنوبية واليابان بالتخلي عن واشنطن في موضوع أمني على هذا القدر من الأهمية .

أما اليوم ، فيعتقد أن ذلك يرجع في جزء كبير منه إلى العلاقات التجارية المتنامية مع الصين ، حيث ذهبت اليابان إلى حد الحديث عن تطبيع العلاقات مع " بيونغ يانغ " هذا العام . كما قامت سيؤول من جانبها بزيادة التجارة والاتصالات العسكرية معها أيضا .

وهكذا وجدت الولايات المتحدة نفسها تقف وحيدة وغير قادرة على معرفة الطريقة التي تمكنها من التواؤم مع حقيقة تضاؤل مكانتها في المنطقة التي هيمنت عليها لما يقرب من ستين عاما .

وصعود الصين الاقتصادي جلب معه نفوذا جيوبوليتيكيا ، أسهم في زيادته إلى حد كبير ما اتبعته واشنطن من سياسات سلبية غير مبررة .
وإذا ما نظرنا إلى تلك الحقيقة من منظور أوسع ، فإننا سنصل إلى نتيجة مفادها أن تنامي النفوذ السياسي الصيني في الفترة الأخيرة على وازدياد قوتها الاقتصادية أيضا ، أصبحت تعني أن قيام كل من طوكيو وسيؤول بالخروج عن الصف الأمريكي لن يكلفهما كثيرا في الوقت الراهن.

كيف يمكن للولايات المتحدة أن تتصرف حيال ذلك ؟ الأمر الذي قد يدعو إلى الدهشة هنا ، هو أن كوريا الشمالية التي تنظر إليها إدارة بوش كدولة مارقة وخارجة عن الشرعية الدولية ، هي التي يمكن أن تقدم لها المساعدة ، وذلك من خلال قيامها بدور العامل المساعد في تكوين منظمة أمنية إقليمية ، سيتم إنشاؤها مستقبلا .

وهذه المنظمة التي ستكون على شكل منتدى أمني لشمال شرق آسيا ، سوف تتكون من اللاعبين الأساسيين المنخرطين في حل الأزمة الكورية حاليا ، أي الولايات المتحدة والصين واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية ، ويمكن لها أن تضم مع مرور الوقت دولا أخرى ككوريا الشمالية على سبيل المثال .

وهذا المنتدى سوف يتعامل بشكل رئيسي مع المسائل ذات العلاقة بالأمن ، بما في ذلك الرقابة على الأسلحة ومنع الصراعات وبالتالي حلها وإدارة الأزمات وإجراءات من أجل بناء الثقة بين الأطراف المتعددة .

وسوف يسمح تركيز المنتدى على منطقة شمال شرق آسيا ، بمعالجة المسائل التي أخفق المنتدى الإقليمي الأوسع نطاقا ، والقائم حاليا في حلها حتى الآن .

إن الشيء الأكثر أهمية هو أنه إذا ما تمت هيكلة المنظمة الاقليمية الأمنية تلك بالشكل الصحيح ، فانه يمكن أن يتيح الفرصة للولايات المتحدة للقيام بإعادة تأكيد قيادتها بشرط أن تقوم بالاستماع إلى الأعضاء المشاركين فيه .

إن الحقيقة التي أمامنا اليوم هي أن الصين تشكل عنصرا أساسيا لقاعدة إنتاج آسيوية كبيرة ، حيث أن المستهلك النهائي يكون بصورة خاصة في الولايات المتحدة ذاتها وأن دول آسيا وبعد عقود من السلبية ، بدأت تعود مرة أخرى إلى طبيعتها كدول ذات توجهات قومية ، سئمت من تلقي التوجهات والاملاءات من الولايات المتحدة الأمريكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج الرئيسي جراء الاحتجاجات المؤي


.. بالمسيرات وصواريخ الكاتيوشا.. حزب الله يعلن تنفيذ هجمات على




.. أسقط جيش الاحتلال الإسرائيلي عدداً كبيراً من مسيّراته خلال ح


.. أردوغان: سعداء لأن حركة حماس وافقت على وقف إطلاق النار وعلى




.. مشاهد من زاوية أخرى تظهر اقتحام دبابات للجيش الإسرائيلي معبر