الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


راحة الموتى

عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)

2013 / 4 / 22
الادب والفن


على شاهدة قبر كتب ميت بخط يده: "رجاء عدم الإزعاج. أنا نائم الآن".
لم يعر الأحياء اعتبارا للتنبيه، ووقفوا على القبر يعددون مناقبه ويقرأون الآيات ويبكون.
في الليل خرج الميت من قبره منزعجا ورسم علامة "ممنوع الوقوف" الحمراء على شاهدة القبر، وعاد للنوم.
جاء أهله في الغد ووقفوا على القبر.
قال أشطرهم: - العلامة تخص السائقين ونحن راجلون.
في اليوم الموالي وجد الأهل على القبر عبارة: "لا أحد يسكن هنا".
فتباكوا ونشروا إعلان بحث عن متغيب.
تقدم واحد منهم مريض ميؤس من علاجه واقترح أن يدفنوه في ذلك القبر ما دام لا يسكنه أحد.
قال: - إنه قبر مناسب يقع في مدخل المقبرة وتظلله شجرة وشاهدته من رخام جيد مستورد.
لما قضى المريض الميئوس من علاجه دفنوه في القبر المعلوم ففوجئ بالساكن الأصلي، وبعد تجادل وخصام اتفق الميتان على التعاون بحفر نفق يفضي إلى سفح جبل بعيد عن المقابر، لا تصله رائحة بشر من الأحياء تزعج سكينتهما. أمضيا أشهرا في الحفر قبل أن يجدا نفسيهما في سرداب البنك المركزي. لما رآهم حاكم البلد وكان يقوم بمهمته التفقدية الليلية لسرقة مال الشعب، ولى هاربا من منظرهما والرعب يلبسه. في الصباح جمع الملك حاشيته وأخبرهم أن سبب تراجع الاقتصاد الوطني وفراغ خزينة الدولة وراءه عصابة خطيرة من الجان والعفاريت. أفتى كبير المسشتارين بأن تسلط على العصابة الجنية كتيبة من أمهر حفظة القرآن الكريم. هكذا أصبحت بناية البنك المركزي تشهد كل ليلة تلاوة القرآن الكريم حتى مطلع الفجر. وبعدها يقوم الفقهاء برش المكان ببرميل الماء الذي كانوا يضعونه أمامهم أثناء التلاوة.
تدافع المواطنون على الكتاتيب القرآنية لتحفيظ أبنائهم سور وآيات الذكر الحكيم، إذ صلحت الأحوال المادية للفقهاء. ولم تصلح أحوال الخزينة. وترشيدا في النفقات قرر الملك صرف الفقهاء وتعيين موظف من الدولة بدلهم، بالرغم من كونه لا يحفظ أية آية، إلا أنه كان يستعين بالقراءة من كتاب المصحف وهو واقف أمام صنبور مياه الشرب، وبعدها يقوم بإطلاق الماء المندلق من الصنيور ويرش السرداب بمقياس قبيل ذهابه للنوم من غير أداء صلاة الفجر.
استمرت الأزمة الاقتصادية في البلد وتحولت أغلبية أفراد الشعب إلى فقراء ومسحوقين. كان الملك قد اغتنم الحدث قبل ذلك وحول الخزينة إلى داخل قصره. وهرب الأموال إلى أبناك الكفرة أعداء الله، متهما الجن بإفراغ ما تبقى من رصيد في البنك المركزي. هكذا خطب في الشعب البئيس وقال إنه تبعا للسياسة الرشيدة التي ينهجها منذ اعتلائه العرش تبين لجلالته أنه لم يبق أمامنا إلا رهن البلد إلى دولة عظمى تقبل علينا. في البلاط جمع الفقهاء لاستخراج فتوى تبيح فكرته النيرة العبقرية، فقايضه الفقهاء بإرجاعهم إلى عملهم بالبنك المركزي. وهكذا كان.
استنكر الميتان ما رأوه وما شهدوه من جرائم ترتكب في حق الشعب وقررا العودة إلى قبرهما المشترك. فوجدا المقبرة قد تم تفويتها من قبل شركة أجنبية، ولم يستطيعا العثور على قبرهما بين القبور، إذ أصبح موفقا للسيارات يؤدى عنه. فتشردا وسط جموع الشعب المقهور. هما الآن يفكران في تنظيم ثورة تضمن للموتى الحق في السكن والكرامة والموت المريح.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ثورة الموتى ... بعد ثورة الجياع ؟
س . السندي ( 2013 / 4 / 23 - 22:29 )
بداية تحياتي لك ياعزيزي عبد الرحيم وتعليقي ؟

1: هل تقصد نحن مقبلون على ثورة الموتى بعد ثورة الجياع والكرامة ؟

2: بربك هل رأيت يوما حرامي يتعض من شياطين أو ناس ؟

3: بالأمس كانت قبور الناس بلا أسوار وحراس ، وغدا يتغدو حتى بلا أسوار وناس ، وحتى مقابر وادي السلام منها قد هرب أصحاب حمزة والعباس ؟

اخر الافلام

.. وفاة زوجة الفنان أحمد عدوية


.. طارق الشناوي يحسم جدل عن أم كلثوم.. بشهادة عمه مأمون الشناوي




.. إزاي عبد الوهاب قدر يقنع أم كلثوم تغني بالطريقة اللي بتظهر ب


.. طارق الشناوي بيحكي أول أغنية تقولها أم كلثوم كلمات مش غنا ?




.. قصة غريبة عن أغنية أنساك لأم كلثوم.. لحنها محمد فوزي ولا بلي