الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية والسلطة

داود روفائيل خشبة

2013 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية



بين الحرية والسلطة تقاطب جدلى dialectic polarity، فتفعيل الحرية يستدعى وجود السلطة، وفاعلية الحرية شرط لكينونة السلطة. لتوضيح وتبرير هذه المقولة نحتاج فهما فيه شىء من العمق لمفهوم الحرية ومفهوم السلطة.
إذا كان توماس هوبز Thomas Hobbes (1588-1679) قد صدق حين قرّر ضرورة السلطة للحفاظ على حياة الأفراد، فإنه قد غفل عن الكثير حين قصر حاجة الإنسان على طلب توفير الأمن وحفظ الحياة على المستوى الحيوانى.
إن إنسانية الإنسان لا تكتمل إلا بالانفتاح على الآخر والتفاعل مع الآخر. يبدأ هذا الانفتاح والتفاعل من دائرة الأسرة ويتـّسع فيمتدّ إلى العشيرة والقبيلة ثم الوطن حتى يصل إلى الانفتاح على الإنسانية والتفاعل مع الإنسان من حيث هو إنسان. وإذا كان الانفتاح والتفاعل بين الإنسان والإنسان يبلغ حدّ التماهى التامّ فى درجات الحبّ العليا، فيكون الفعل والتفاعل عفويّا تماما لا يتقيّد بقيد أو شرط، إلا أنه مع اتـّساع الدائرة تأتى الحاجة لقواعد تنظـّم مساراته وتحكم تبعاته. من هنا تنشأ ضرورة السلطة. حتى على مستوى الأسرة، فى بعض أوجه النشاط وفى سياقات وملابسات معيّنة، تتولـّد ضرورة سلطة الوالدين، الأب والأم كل منهما فى مجاله. وعلى نفس الأساس تقوم ضرورة السلطة فى القبيلة وفى الدولة وفى المجتمع الدولى.
السلطة فى جوهرها قوّة خارجية وهى على هذا نقيض الحرية كقوّة ذاتية عفويّة الانبعاث. إذا نحّينا ما أشرت إليه بوصف أسمى درجات الحبّ، حيث يتحقـّق التماهى التامّ، وحيث تكون الحريّة فعلا ذاتيّا عفويّا خلاقا، فإننا نجد أن هاتين القوّتين، السلطة كقوّة خارجية والحريّة كقوّة ذاتية، ترتبطان ارتباطا جدليّا لا انفصام له، بحيث أنه إذا انتفت إحداهما ترتـّب على ذلك أن تتبدّد الأخرى. حيث تستشرى السلطة فتقمع وتنفى كل حريّة، فإما أن تنفضّ الوحدات الفاعلة فى الكيان الكلى من حول السلطة ولا يكون للسلطة محتوى أو أن يتحوّل الكيان كله إلى آلة ميكانيكية الفعل بلا حياة، وفى الحالتين لا تعود السلطة سلطة. وحيث تنضو الحريّة عنها كل القيود والقواعد تتبدّد الضوابط المنظـّمة والحافظة للتفاعل الإنسانى، ومع انتفاء السلطة يتحلـّل الكيان العضوى للجماعة الإنسانية على مختلف مستوياتها.
علاقة التقاطب الجدلى بين الحرية والسلطة تستوجب بقاء التوتـّر الحيوى بين القطبين لكيلا يتحوّل الكيان العضوى للمجتمع الإنسانى إلى آلة ميكانيكية الحركة بلا حياة، من ناحية، أو يتفتـّت إلى جزيئات متفرّقة يتلاشى فيما بينها التواصل والتفاعل الإنسانى، من الناحية الأخرى. ولأن فعل السلطة هو فى جوهره فعل قوّة خارجية غير مهيّأة بطبيعتها للانفتاح أو لاستشعار كنه الذات أو احتياجات الذات، وتنطوى بالضرورة على نقض الحريّة، فإن القطب الآخر فى العلاقة الجدلية، قطب الحريّة، يتحتّم عليه أن يبقى دائم اليقظة، دائم الفعل، فى مواجهة فعل السلطة. هذا شرط ضرورى لأن يبقى الإنسان إنسانا.
أعتذر للقارئ عن هذا التناول شديد التجريد، شديد الاختزال، لموضوع يستحق معالجة مسهبة مستفيضة مزوّدة بالأمثلة التوضيحية، فعسى أن تكون لنا عودة للموضوع.
داود روفائيل خشبة
القاهرة، 22 أبريل 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جودي سكيت.. يكشف عن أشياء مستحيل أن يفعلها ومفاجأة عن علاقته


.. تساؤلات حول تقرير واشنطن بشأن استخدام الأسلحة الأمريكية في غ




.. بعد الوصول إلى -طريق مسدود- الهدنة لا تزال ممكنة في غزة.. «ج


.. المستشفى الإماراتي العائم في العريش.. جهود متواصلة لدعم الجر




.. تحرك دولي لإطلاق تحقيق مستقل بشأن مقابر جماعية في قطاع غزة