الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مشاهدات بغدادية / 8 شهادة عن الانتخابات

اسماعيل شاكر الرفاعي

2013 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


مشاهدات بغدادية / 8

1ــ بعد ان رحل الطغاة


تقود آليات اشتغال مناهج الطغاة في الحكم الى المطابقة بين الوجود الشخصي للطاغية وبين سيادة الدولة ، وذلك من خلال تغذية أجهزة الدولة التشريعية والامنية بمفهوم امني عن حق الطاغية الذي يعلو على أي حق سواه ، فيتحول ــ بناء على هذا الحق ــ كل ما يقع تحت سيادة الدولة من بشر وارض وثروات الى ملكية شخصية يتصرف بها الطاغية كيف يشاء { ولهذا يشيع في هذا النمط من الحكم مفهوم : المكرمات } ..على مستوى العلاقة بين الدولة والمجتمع يعني مفهوم المطابقة : ان لا شرعية لأي نشاط يصدر عن المجتمع ان لم يكن صدى لهذا الحق ، وهذه هي السمة الأولى من سمات حكم الطغاة . أما السمة الثانية السمة الثانية [ والتي تبدأ ما ان يتحول مفهوم المطابقة الى مفهوم سياسي مسيطر يقود كل نشاطات الدولة والمجتمع ] تتجسد في ما يمكن تسميته : بمرض النزوة ، الذي تصاب به الدولة نتيجة احتكار القرار من قبل الطاغية . من أعراض هذا المرض : اشتغال أجهزة الدولة على ايقاع ما يصدر عن الطاغية من نزوات ، تفقد فيها الدولة حيادها وتنحاز بقوة لطرف اجتماعي واحد من بين المكونات ، فيتفكك المجتمع اذ تقوم الجماعات الاخرى بالبحث عن مظلات حماية أخرى خارج الدولة . مع هذا المرض تتحول قرارات الدولة وتشريعاتها الى صدى لرغبات الطاغية واهوائه ونزعاته الذاتية من غير دراسة مسبقة لآثار هذه القرارات المستقبلية كما هو الحال في طريقة اتخاذ القرار في الدول الحديثة التي لا يتعدى فيها قرار الرئيس غير اختيار سيناريو من بين عدد من السيناريوات تقدمها معاهد ومؤسسات اشبعتها بحثاً وتمحيصاً . من الامثلة الصارخة على قرارات النزوة : منح ايران نصف شط العرب في اتفاقية الجزائر لعام 1975 ، الحرب على ايران بدوافع طائفية ، استخدام الكيمياوي في حلبجة بدوافع عنصرية ، غزو الكويت ، منح اراضٍ الى الاردن والسعودية والكويت } فالنزوة هي قرار فردي غير مدروس بعناية من قبل مؤسسة . لا يتحمل عالمنا الذي نعيش نتيجة تشابك مصالحه : أنظمة النزوة . هذا عالم تسيره قوانين ومعاهدات اقل ما يقال فيها انها طويلة الامد لا مجال فيها لقرارات تصدر عن نزوات متقلبة { تعلن نزوة الطاغية في ملعب الشعب : ان لاحرب بين الاشقاء ، وبعد سنين معدودة يتم غزو الكويت } لطغاة لا موهبة لديهم غير موهبة فن التآمر ، وهو فن لصيق بالنزوة ، فعدا عن هذا النجاح يفتقد تاريخهم لأي انجاز وطني . اما الامجاد التي تحدثوا عنها فهي امجاد نزواتهم الشخصية في الوصول الى سدة الحكم .. رحل الطاغية اذن ، وانا هنا لا اريد ان اتحدث عن دور الخارج في رحيله ، لأنه هذا الحديث لا يعدوا ان يكون اكثر من مزايدات لسانية . هنالك أمر واقع فرض نفسه واصبح ملكنا وتحت اشرافنا ، وليست الوطنية في النواح على ما قبل 2003 ــ كأننا لم نتعرض لغزو بريطانيا قبل مائة عام ، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا : هل استطعنا ان نعيد ترتيب بيتنا من الداخل بعد نجاح ثورة 14 تموز لكي لا نتعرض لغزو امريكا في مفتتح الالفية الجديدة ؟ ..أول ما يجب الاشارة اليه يتمثل بان رحيل الطغاة كلف شعوبنا الكثير من النزيف كنتيجة لتشويه وعي شعوبنا الذي أقعدها عن التصرف المسؤول والتاريخي في فضاء واسع من الحرية فتحته أمامها ضربات الخارج . فدورية الانتخابات { وهو الكسر الكبير الذي أحدثه الخارج } لم يتم فيها تصحيح خطأ على عادة اشتغال الانظمة الديمقراطية ، بل تم تكريس الاخطاء وتعميقها . أما الانجاز التاريخي الكبير الذي تم التوافق عليه كعلاقة داخلية بين المركز والاطراف والذي فرضته القومية الكردية كبنية لعلاقة داخلية فلم يتم تعميقها { لا أقول ذلك انطلاقاً عن هوىً آيدلوجي بل هذا ما اخبرتنا به حقائق تاريخية عالمية كانت فيها الاقليات القومية بعد ان يشتد عود نضالها تفرض اسماعيل شاكر الرفاعي
2 ــ شهادة عن الانتخابات

هذه اول انتخابات تجري بعد رحيل الاحتلال ، وهي اذا ما تجردنا من اهوائنا ورغباتنا الشخصية ومسبقاتنا الآيدلوجية : انتخابات ناجحة . وبغض النظر عن الكيفية التي تمت فيها الدعاية الانتخابية ، او ما ستؤول اليه نتائج التصويت ، أو شكاوى التجاوزات ، كانت الانتخابات ناجحة . وهي ناجحة اذا ما نظرنا اليها كفن من فنون ادارة المؤسسات . تطلب فن ادارتها خبرة وطنية يبدوا اننا تمكنا منها ، والخبرة في هذا الميدان تشترط وجود علوم كالرياضيات والاحصاء والحاسوب ، ودقة في فرز الاصوات ، وتهيئة كادر مؤهل ، وخطة حكومية لحماية هذه الممارسة . بايجاز لقد نجحنا بما توفر لنا من وسائل في ادارة عملية سياسية كبرى ، كانت عنواناً على نجاحنا في ادارة صراعاتنا السياسية سلمياً ، وعنواناً على التصميم على تداول السلطة سلمياً : ستذهب مجالس محلية وستحل أخرى غيرها . وهذه ليست عملية بسيطة وليست شكلية بالمرة . لقد آمن الناس عن قناعة ، وقرَّ في وعيهم ، ان رموز الحكم المحلي ــ من مدير ناحية الى قائم مقام الى محافظ ــ لم تعد تتسلم مناصبها بأوامر صادرة من بغداد ، و تتسلل سراً الى دوائرها ، من دون ان يعرف أهل المحافظة والقضاء والناحية مَن هو حاكمهم الجديد ، ما اسمه ، وكم عمره ، ومن اي محافظة جاء اليهم ، وما طريقة تفكيره وكيف سيعالج الامور ، وهل يحب الرشوة ام هو نزيه ، وهل سيمارس تطبيق القوانين برأفة ام بقساوة ؟ كل ذلك أجابت عليه الانتخابات التي تمتع فيها الناخب بفترة زمنية كافية لأن يتعرف فيها على مرشحه . والمرشح في الغالب ينتمي الى الدائرة الانتخابية نفسها التي ينتمي اليها الناخب ، فالناخب يعرف مرشحه شخصياً ويعرف خلفيته الفكرية والسياسية ، ويستطيع ان يخمن الطريقة التي سيزاول بها سلطته . ولهذا فأنّ يوم الانتخابات ليس باليوم العادي في حياة الوطن والمواطن . في يوم الانتخابات يبدأ الناخب بممارسة حريته في الاختيار الى اقصى مداها من دون معوقات ، اذ لا فرض ولا اجبار . يكذب الناخب الذي يدعي انه تعرض الى ضغط ما أثَّر في اختياره . لقد رأيتُ الناخب يملك حريته وارادته ، وهي حرية لا تشوبها شائبة . اذ لم ألمس ــ وقد زرت اكثر من مركز انتخابي مع صديق في منطقة الكرخ ــ وجود ظل ثقيل لهذه الكتلة او تلك ، ولم أرَ اي مرشح يقف في باب المراكز الانتخابية وفي يده عصا غليظة يهدد بها مَن لا يضع علامة الصح امام اسمه . كانت المراكز الانتخابية هادئة وتخلوا من اية ضجة لعنف او ضغط او أكراه ، وهي في هدوئها وفي انسياب العمل فيها تشبه الى حد كبير مراكز الانتخاب الامريكية التي شاركتُ فيها ، فما عدا بعض الاختلاف في الطريقة التي فرضها استخدام التكنولوجيا هناك لا يوجد اختلاف كبير . لقد شعرت بالسعادة وانا ارى بلادي تدير ادارة ذاتية العملية الانتخابية بنجاح . اما اذا أفرزت نتائج الانتخابات بقاء بعض الاعضاء على كراسيهم السابقة فهذه مسؤولية الناخب ، وليس العملية الانتخابية . لقد منحه النظام السياسي فرصة ان يغير ، وان يختار للتغيير مرشحه الذي يثق بنزاهته وباخلاصه وبوطنيته ..أنا هنا اتحدث عن الجانب الفني في هذه العملية السياسية وليس عن دلالتها التاريخية ، عن آلآلية التي نجح من خلالها العراقيون في تثبيت صورة شعب يمكن له اذا ما توفرت الارادة السياسية ان يعبر قوس أزماته كلها . في أي مركز انتخابي رأيتُ شباباً ينتمون الى مختلف الاحزاب والتيارات ، وتتلاطم في دواخلهم مختلف الاهواء والرغبات ، ومنها ــ وهذه من طبيعة البشر ــ ان يدلي الناخب بصوته للمرشح الذي يتمنون فوزه . لقد تمكن هؤلاء الشباب من كبح جماح عواطفهم وتمتعوا بدرجة عالية من الحياد وفي هذا يكمن سر النجاح . هل يمكن لنا ان نعمم هذا الدرس الذي يقول انه بالتصميم على كبح جماح العواطف والاهواء ، وبالأصرار على الحياد ، يمكن لنا ان نجد مخرجاً لأزماتنا كلها ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة ايريك سيوتي عضو اليمين الفائز بمقعد البرلمان عن نيس|#عا


.. قراءة عسكرية.. محور نتساريم بين دعم عمليات الاحتلال و تحوله




.. تفعيل المادة 25 قد يعزل بايدن.. وترمب لا يفضل استخدامها ضد خ


.. حملة بايدن تتعرض لضغوطات بعد استقالة مذيعة لاعتمادها أسئلة م




.. البيت الأبيض: المستوطنات الإسرائيلية تقوض عملية السلام والاس