الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في معرض الزهور ذكرى لبوسطن وبغداد

مفيد بدر عبدالله

2013 / 4 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


ونحن ندخل انا وبعض اصدقائي معرض الزهور المقام على حدائق القصور الرئاسية ، ضحكوا كثيرا مشككين ، ساخرين ، بصدق عباراتي ولم ينتظروني حتى أكملها ليعرفوا انها صادقة لا تقبل اللبس ، وقد تكون صياغتي للعبارات هي من شككتهم بصحتها، فكان غريبا بعض الشيء وانا اتحدث عن حقبة ما قبل عام 2003 حيث قلت : "كنت ادخل هذا المكان ( القصور الرئاسية) بشكل يومي تقريبا " فانفجروا ضاحكين ، لم اابه بهم واسترسلت قائلا " انا من المساهمين بأنشاء هذه القصور " فقاطعني احدهم ساخرا " لم اكن ادري بانك من المقربين لراس السلطة ان ذاك ، وانك تملك اموالا ضخمة تمكنك من ان تساهم في بناءها " ، التمست له العذر ، ولكنه سرعان ما ندم هو والاخرون على تسرعهم في التشكيك بصدقي وانقلب ضحكهم الى صمت واصغاء حينما قلت : " كنت ادخلها بصفتي احد عمال البناء لأتمكن من توفير مصاريف دراستي بالكلية وثمن علاج امي المريضة ان ذاك ، والا فلم اكن اجرأ على الاقتراب من السياج الخارجي لمسافة تقل عن الكيلو متر .
تجولنا في المعرض ، استمتع اصدقائي وبقية الزائرين ، الا انا ، فكل ما في المكان كان يشدني لا اراديا لتلك الحقبة العصيبة من حياتي ، فالهوة كبيرة جدا بين ما كنت اشاهده في عملي من رصف وتغليف بالمرمر وما يرسمه النقاشون من نقوش المغربية وغيرها ،وتغليف لبعض السقوف بأنواع الخشب الفاخر المستورد ، وبين ما اشاهده عند عودتي المنزل من قحط وعوز يضطرنا احياننا لبيع بعض اثاثنا المنزلي لسد جوع اطفالنا او لعلاج مرضانا ، ولكن ثمة أشياء جميلة لازالت في مخيلتي نفتقدها هذه الايام ، كنا نتقاسم نحن العاملون رغيف الخبز بألفة ومحبة ، وكان اخوتنا الكرد البارعين في رصف الحجر يرضون بنفس الاجر الزهيد الذي نتقاضاه ، ولا اضن بان مزاجهم بصيرورته الحالية يسمح بتكرار مثل هذا ، فاليوم وعلى الرغم من ان مدنهم هي الاجمل ، الا انهم اكثر من يعترض على الميزانية ويطالب بالمزيد ، ولم يفعل مثل هذا البصريون على الرغم من ان اكثر من 80 بالمئة من ايرادات العراق من مدينتهم .
العمل كان مرهقا ونضطر نحن الطلبة للبقاء لساعات متأخرة من الليل ( شفت مسائي ) ، كان يواسي بعضنا بعضا بعبارة " اصبروا انها ظروف استثنائية وان شاء الله تمر" ، وانا اليوم رغم مرور عقدين من الزمان اتساءل ، اذا كان الحصار ظروفا استثنائية ، ومن قبلة الحرب ظروفا استثنائية ، واليوم نسمع من المسؤولين في تبريراتهم للخروقات الامنية الارهابية والتي يذهب ضحيتها مئات العراقيين بانها ظروف استثنائية ، ولم تنته على مدى عشرة اعوام ، فهذا يعني باني عشت اربعين عاما كلها استثنائية ، وقد اموت واورث لأبنائي ( التركة الخبيثة ) والمسماة الظروف الاستثنائية .
عدت بذاكرتي ، لأرض الواقع وتطلعت لأصدقائي وهم مسرورين ، فضحك قليلا ، وقلت في نفسي " انا في العراق ، بلد الصدارة الاول في الموت اليومي ، ولست في بوسطن الامريكية التي قامت الدنيا ولم تقعد لوفاة ثلاثة من الابرياء في حادثة المارثون ، التي سبقها بيومين انفجار عشرين سيارة في بغداد .
خالص التعازي مني لذوي ضحايا بوسطن ، فهم ابرياء ، وما دمت انا في معرض الزهور ، اهدي لروح كل منهم زهرة من المعرض ، ومعذرة لشهداء العراق ، فلن تكفيهم زهور المعرض بأكمله ،لذلك سأقرأ سورة الفاتحة واهديها لأرواح الملايين الذين ارتوت ارض العراق من دمائهم الزكية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24