الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحمد ذكي جسّد اغتراب المصري بين الفقر والاستغناء

هويدا طه

2005 / 4 / 16
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لم تَرق تغطية التليفزيون المصري لحدث رحيل أحمد زكي إلى مستوى ذلك(النوع الخاص من الرحيل)، فالاكتفاء بعرض بعض أفلامه لعدة أيام بعد وفاته لا يكفي، لو أن التليفزيون المصري لم ينحدر إلى تلك الدرجة من السطحية في معالجة(قضايا المصريين).. لكان رحيل أحمد زكي.. حدثا يثير الثورة على فقر المصريين وأمراضهم! وإذا كان موت فنان مشهور.. يثير بلا شك(الفضول)بين الجماهير، قليل أو كثير من الفضول- حسب درجة شهرته- في كل مجتمع بلا استثناء، وربما في أغلب مجتمعات العالم.. عندما يكون مثلا فنانا بحجم أنطوني كوين أو مارلين مونرو.. ممن جابت شهرتهم آفاق العالم، وإذا كان من الفنانين من يثير عند موته بعض شفقة، كما حدث في مصر والعالم العربي حين رحلت سعاد حسني، وإذا كان هناك فنانون حين يموتون.. يبدو موتهم عظيما.. تماما كما حياتهم، مثل أم كلثوم مثلا، وإذا كان فنانون آخرون- مثل ذكي رستم- يبدأ الناس في اكتشافهم.. بعد رحيلهم! فإن فنانين قلائل جدا- ربما في كل مجتمعات العالم- هم من يثيرون(الحزن)عندما يرحلون! رحيل أحمد زكي أثار لدى المصريين بالذات.. وهو الذي كاد أن يصبح الممثل الشرعي الوحيد لآلامهم.. ذلك النوع من الحزن والأسى الدفين، لتسأل نفسك ألف سؤال.. هل لدى المصري استعداد(فطري)للحزن.. مهيأ باستمرار للتعبير عن نفسه بقوة.. منتهزا أي فرصة تثيره؟ لماذا هذه الرغبة الدفينة في أعماق المصريين للحزن والأسى والبكاء.. بل والنحيب؟! حتى أنهم يبدون وكأنهم.. يبحثون عنه.. يطاردونه.. لا كما سائر البشر يتحاشونه؟! لكن لماذا لم نبك فنانين آخرين عند رحيلهم رغم شهرتهم.. كما بكينا أحمد زكي؟ كثيرون كتبوا وحللوا وأدلوا بدلوهم- فصدقوا ولمسوا الحقيقة بدرجة أو بأخرى- حول ذلك(الحب)الذي ملك قلوب المصريين تجاه ذلك الفنان.. شديد السمرة مجعد الشعر غليظ الشفاه! هل قتله السرطان- المرض الخبيث- كما نسميه؟ أم قتله- في ريعان شبابه- شيء آخر.. يعرفه من نشأوا مثلي.. في أحياءٍ فقيرة مهمشة بائسة.. تقبع في قاع المدينة.. أو في أقاصي الريف وعلى هامش البلاد.. وفي ذيل الحياة والحضارة.. وبعيدا عن فعل الزمن.. الذي يتقدم إلى الأمام عند سائر البشر.. ويتأخر فقط عندهم؟! لا يخفى على أحدٍ أبدا أن أحمد زكي كان فلاحا فقيرا معدما من محافظة الشرقية.. ثم وعبر كفاح ٍ طويل كتب عنه الكثيرون تفصيلا، صار نجما مشهورا ميسور الحال، إلى أن خرج له قدره.. الذي اختبأ في جسده، منتظرا وصوله إلى ذروة النجاح.. كي ينقض عليه من حيث لم يحتسب- تماما كما يقول الفلاحون في مصر(كان لابد في الدرة)أي كان مختفيا مختبئا في حقول الذرة، كي ينقض على من يسير على جانب الحقل آمنا.. لا يتوقع هذا(الانقضاض)المفاجئ من وراء عيدان الذرة الخضراء! هذا(الشيء الآخر)الذي قتله، والذي يعرفه أمثالنا.. والذي(تنكر)في جسد أحمد زكي في صورة سرطان خبيث.. ربما يكون ذلك الذي يسمونه.. الاغتراب! الاغتراب الذي يستشعره أحدهم.. عندما يجرب خلال رحلة عمره ذلك الانتقال الدرامي.. من الفقر والتهميش إلى.. يُسر الحال، لن يسعد من هو مثله أبدا- سعادة تصل إلى العمق- بذلك اليُسر(الطارئ)عليه، فتجربة الفقر المريرة الشريرة.. خدشت مبكرا استعداده الطبيعي البكر.. لاستقبال السعادة بالشهرة ويُسر الحال، سيظل دائما وأبدا.. خائفا مذعورا من شبح عودة(الشرير)، الفقر شر.. الفقر شرير.. يخيف الناس ويدمي كرامتهم ويخطف آدميتهم ويمرغها في التراب.. حتى عندما يهزمه يُسر الحال في معركة الكفاح الشرسة.. فهو يختبئ في ظلام نفس الفقير الذي استغنى.. عاجزا صحيح عن إذلاله.. كما كان يفعل سابقا.. لكن عينه الشريرة تظل تلمع في الظلام.. لتخيف الفقير الذي استغنى.. حتى(تتورم خلاياه)من الخوف.. وتقضي علي حياته.. هكذا قضى أحمد زكي.. خوفا من فقر لم يبرح نفسه منذ أيام الحرمان المبكرة.. كما يقضي وسيقضي مصريون كثر... سواء بسبب فقر عَجَز.. لكن عينه الشريرة بقيت تلمع في الظلام.. أو بسبب فقر دائم.. لا يعجز ولا يزول.. ولا يأتيه أبدا فارس اليُسر... رجاءً..... لا تكونوا فقراء....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في الضفة الغربية المحتلة: سياسة إسرائيلية ممنهجة لجعل حياة ا


.. إسرائيل تصادر أكبر مساحة من الأراضي الفلسطينية منذ اتفاقيات




.. مشاركة كبيرة متوقعة في الانتخابات التشريعية البريطانية


.. غزة.. أطفال شردهم القصف الإسرائيلي ونازحون ينزحون من جديد




.. ماذا قدم حزب المحافظين للبريطانيين وما مصيره؟