الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عودة لينين!

ريما ميتا

2013 / 4 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية



قلّة من الروس يذكرون اليوم أن الثاني والعشرين من شهر نيسان هو يوم ميلاد فلاديمير ايليتش أوليانوف (لينين)، خلافاً لما كانت عليه الحال قبل أكثر من ثلاثة عقود، حين كانت ذكرى ولادة قائد الثورة البولشفية راسخة على المستويين الرسمي والشعبي في الاتحاد السوفياتي والبلدان التي كانت تدور في فلكه.
ومع ذلك، فإن ثمة ظاهرة تستحق التوقف عندها، وهي أنه في كل عام، ومع اقتراب عيد ميلاد لينين (1870- 1924)، يتجدد النقاش حول «عبقرية» هذا القائد الشيوعي، وما إذا كانت خططه الخمسية وإصلاحاته الاقتصادية ما زالت صالحة في القرن الحادي والعشرين.
هو نقاش لم يعد يندرج ضمن إطار «الترف الأكاديمي» أو «النوستالجيا السوفياتية» بقدر ما بات ضرورة ملحّة في مرحلة التحوّلات التي يشهدها الاتحاد الروسي منذ انتهاء تسعينيات «الإجرام» و«المافيا» و«الفوضى».
«السياسة الاقتصادية الجديدة»
قبل أكثر من عشر سنوات، راحت روسيا تنظم أسواقها، لدخول الرأسمالية العالمية من أوسع أبوابها.
لذيذٌ بدا طعم الرأسمالية الجديدة في روسيا. اصطفّ المواطنون أمام المصارف طلباً للقروض متجاهلين الفوائد الخيالية. هلل المسؤولون لانضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية. لكنّ نتائج هذه السياسات دفعت بكثيرين ممن عرفوا الاتحاد السوفياتي إلى الترحّم على الاقتصاد الاشتراكي، والاقتناع مجدداً بصوابية «السياسة الاقتصادية الجديدة».
اليوم، ومع توالي الأزمات الاقتصادية في روسيا، والتي تترجم عملياً في اتساع الهوة بين فئات المجتمع، تبرز الفرصة أمام الأمين العام للحزب الشيوعي الروسي غينادي زيوغانوف ليشيد بسياسة لينين الاقتصادية «الجديدة»، وبمشروع مد الكهرباء في البلاد في أيامه، ليشير إلى أنهما يبقيان حتى اليوم مثلاً للتحديث.
ومعروف أن لينين، قد أخذ في الاعتبار الوضع الذي كانت البلاد تعيشه بعد الحرب العالمية الأولى من نقص في المواد الغذائية وتراجع في المستوى المعيشي، فاقترح خطة «السياسة الاقتصادية الجديدة» (عرفت اختصاراً بـ«NEP»)، وتبناها الحزب الشيوعي السوفياتي في العام 1921، وهي تمثّل تراجعاً مؤقتاً عن خط الاشتراكية النظرية المكبّلة بقيود المركزية المفرطة، ومن أبرز سماتها إطلاقها حرية التجارة داخل البلاد، وتشجيعها الرساميل الأجنبية على العمل في الاتحاد السوفياتي، واعترافها الضمنيّ بحقوق الملكية الشخصية التي سبق للدولة أن ألغتها.
وقد لخص لينين وقتها هذه الخطة بالقول «إننا لسنا مستعدّين كفاية للتحول مباشرة إلى الاشتراكية، بالرغم من توفر الظروف السياسية المسبقة لها».
هل تحتاج روسيا إلى لينين؟
منذ سنة تماماً، وعشية ميلاد لينين، وكما هي الحال في كل سنة، توجّه وفد من الحزب الشيوعي الروسي إلى مدينة أوليانوفسك، مسقط رأس قائد الثورة البولشفية، ومنها عودة إلى ضريح لينين، في تأكيد على مثابرتهم في السير على طريق المبادئ ذاتها.
لكن خطاب زيوغانوف العام الماضي عند وضعه الزهور على ضريح لينين، كان خالياً إلى حد ما من المشاعر والدموع على غياب القائد، إذ بدا أكثر علمية في الهجوم على السياسة الاقتصادية الحالية في روسيا.
يومها، قال زيوغانوف: «أريد أن أذكر بأنّ العالم حالياً يهتز باستمرار تحت وطأة الأزمات العالمية، وقد اعتبر (الرئيس فلاديمير) بوتين أمام مجلس الدوما أن روسيا تتخطى الأزمات بثقة أكبر من الولايات المتحدة وأوروبا، لكنه ينسى أن هذه الحقيقة هي حقيقة المظهر وليس الصميم».
وتابع زيوغانوف قائلاً: «ماركس ولينين أوضحا بشكل مفصل النمو الدوري للرأسمالية، وكشفا عن حقيقة عودة الأزمة مرة كل 10 - 15 عاماً، وقلت لبوتين إن القرن الماضي عرف أزمتين كانت كل منهما بداية لحرب عالمية، وفي قلب هذه الحروب كانت روسيا. وقد انهارت الإمبراطورية الروسية بعد الأزمة الأولى، ونهضت روسيا بعدها بفضل الإدارة السياسية وعبقرية لينين».
ولعلّ هذا الكلام يفتح الباب على مصراعيه أمام سؤال جوهري، هو: هل تحتاج روسيا إلى لينين جديد اليوم؟ أو بشكل عام إلى الماركسية - اللينينية؟
يرى الأميركي ايمانويل فاليرستاين، الباحث في علم الاجتماع، أنه مع مرور الوقت يتعاظم احتمال «إعادة تأهيل لينين»، مشيراً إلى أنه «بحلول العام 2050 سيصبح لينين البطل الوطني في البلاد».
ويوضح فاليرستاين لـ«السفير» أن الماركسية -اللينينية فكرة قد اندحرت، إلا أن الماركسية واللينينية بانفصالهما لم يمُتا، بل تبدو اللينينية تسير على درب صاعد، إن لم يكن على صعيد عالمي، فعلى الأقل في روسيا».
هل تنتظر روسيا ثورة جديدة على مبادئ مطلع القرن الماضي بالفعل؟ وهل تعني هذه التكهنات نهوض اتحاد سوفياتي عصري من تحت الأنقاض؟
يقول المؤرخ والباحث في أكاديمية العلوم الروسية أندريه فورسوف لـ«السفير» إن «إعادة تأسيس اتحاد سوفياتي جديد على غرار سابقه أمر غير ممكن، وبالتالي فكل المخاوف التي تعيشها الولايات المتحدة، والتي ترعب الليبراليين في البلاد، ليست سوى تخوّف من نهوض روسيا».
ويضيف: «ما هو الاتحاد السوفياتي؟ هو نظام مناهض للرأسمالية. وعلى حد علمي، فإن لا بوتين ولا أحد من فريقه ينوي إحياء الاشتراكية في البلاد».
وإلى جانب تأكيده أن الاشتراكية أبعد ما تكون عن روسيا، وأن لينين سيبقى مجرّد ضريح في وسط الساحة الحمراء في موسكو، يتجه فورسوف إلى نقد أسس السياسة الاقتصادية التي حملت البعض إلى القول إن لينين كان «عبقري كل زمان».
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت روسيا في حاجة إلى العدول عن طريق الرأسمالية المتوحشة، واعتماد سبل أكثر اعتدالاً، يعتبر فورسوف أن «السياسة الاقتصادية الجديدة أدخلت البلاد في طريق مسدود، ولم تتمكن من التأسيس لتجارة طبيعية بين المدن والقرى، كانت سياسة إدارية مؤلفة من ثلاثة عناصر هي: الرئيس الشيوعي ورئيس الـ(ترست) ومسؤول الـ(نيب)».
من جهته يرى الباحث والمحلل الروسي ستانيسلاف تاراســــوف أن «قناعة غالبية علماء الاقتصاد والسياسيين هي أن روسيا تمر حالياً في مرحلة تحوّل، وبالتالي فإن الطريق أمامها طويل قبل الوصول إلى تطوير أنظمة السوق».
ويشير تاراسوف إلى أن «روسيا انتقلت من (السبات الهيكلي) في نهاية ثمانينيات القرن الماضي إلى (هيكلية التفكك) بين العامين 1991 و1992». ويضيف «في الحالة الأولى شهدت البلاد محاولات لتحسين آلية الاقتصاد الاشتراكي على غرار الطريق التي قطعها البلاشفة في مطلع عشرينيات القرن الماضي، بانتقالها إلى السياسة الاقتصادية الجديدة، أي الخطوة الأولى الخجولة للانتقال إلى اقتصاد السوق».
وبالعودة إلى زيوغانوف، الذي يوصف بأنه «حامي ذكرى لينين» و«العين الساهرة على ضريح لينين ومبادئه»، فإن زعيم الحزب الشيوعي الروسي يرى أن «السلطات في روسيا بدلاً من مواصلة طريق لينين الاقتصادي الإصلاحي، تقود البلاد إلى الهلاك في ثنايا وحشية الرأسمالية، وهو ما تجسّد في انضمام هذه القوة العظمى إلى منظمة التجارة الدولية».
يدلّ هذا النقاش المتجدّد سنوياً، على أن لينين لم يمحُ من الذاكرة، خصوصاً عند أولئك الذين حللوا ودققوا، ويعتبرون اليوم أن روسيا اليوم تحتاج إلى فلاديمير أيليتش أكثر من أي وقت سابق، أو عند آخرين يجزمون، بعيداً عن التحليل والحساب والأرقام، بأن «الروس لو تبعوا خطط لينين لأصبحوا اليوم قوة أكبر وأضخم من الصين».
ربما يجوز طرح السؤال من جديد: هل تحتاج روسيا إلى لينين اليوم؟
الإجابة على هذا السؤال تتمثل بأوراق في صناديق الاقتراع لا تزال حتى اليوم تقول «نعم»، باختيارها الحزب الشيوعي الذي لا يزال حتى اللحظة يطرح برنامجاً أطلقه لينين منذ أكثر من قرن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 4 / 23 - 13:00 )
مقالة جميلة وفقك الله


2 - ملاحظات
فؤاد النمري ( 2013 / 4 / 23 - 17:56 )
خطة التيب كانت إجراء الضرورة وفي الفذلكة التي قدمها لينين تحذير من الركون إلى هذه الخطة ووجوب التخلص منها سريعاً
روسيا لن تنتقل إلى الرأسمالية . الذين انقلبوا على الاشتراكية ليسوا رأسماليين وليسوا راغبين في الرأسمالية . عصابة خروشتشوف التي تواطئت مع قيادة الجيش كانت شيوعية لكن من شيوعية الصالونات وليس الشيوعية العلمية
زوغانوف وحزبه ليسوا شيوعيين بل إن شيوعيتهم أسوأ من شيوعية خروشتشوف

كنت كتبت مقالة عن حاجة العالم إلى لينين مرة أحرى فلينين رأى طريق الثورة الاشتراكية في العام 1919 ونحن اليوم بحاجة إلى لينين ليرسم للعالم طريق الخلاص مما هو فيه من انهيار شامل
أنا رأيت الحاجة إلى لينين اليوم ليؤكد للعالم أن النظام الرأسمالي قد انهار في السبعينيات وأن البورجوازية الوضيعة هي التي خلفت الرأسماليين والاشتراكيين في حكم العالم . دون أن يتعرف العالم على هذه الحقيقة، على عدوه الحقيقي، فسيظل يعاني من الانهيار المتزايد

البورجوازي الوضيعة لا تمتلك نظام إنتاج يؤمن للعالم أسباب الحياة ولذلك ليس أمام روسيا غير العودة إلى الاشتراكية ولعل الولايات المتحدة الأميركية تسبقها في هذا المضمار

اخر الافلام

.. رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في إسرائيل: خطاب غا


.. حركات يسارية وطلابية ألمانية تنظم مسيرة في برلين ضد حرب إسرا




.. الحضارة والبربرية - د. موفق محادين.


.. جغرافيا مخيم جباليا تساعد الفصائل الفلسطينية على مهاجمة القو




.. Read the Socialist issue 1275 #socialist #socialism #gaza