الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يا مريم لسنان أنطون...و هجاء الواقع

جقل الواوي

2013 / 4 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


يا مريم آخر كلمة نطق بها يوسف مختتما حياة صاحبت تاريخ العراق لمدة ثمانين عاما، افصحت كلماته عن إنتماء طالما حرص يوسف على زركشته بألوان مختلفة و لكنه لم يحاول تغييره، يا مريم قالها مستنجدا أو معاتبا و لم ينتظر ان يأتيه رد، وبينما كان يوسف يرحل بصمت و قد تيبست كلمة مريم على شفتيه كانت لما تتحدث بنزق فج عن تجربتها المخيفة في وسط كنيسة سيدة النجاة التي تعرضت لهجوم إرهابي كانت لما واضحة و مباشرة و هي تواجه عدسة الكاميرا لم تتحايل على الواقع أو تخفف من حدة قسوته، و قد تعاطف معها الكاتب بإفشال مشروع الإعتذار الذي كانت تنوي تقديمة ليوسف

يا مريم رواية سنان أنطون أحد الروايات الست التي تؤلف القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية رواية قصيرة رشيقة تتقاسمها شخصيتان الأولى لعجوز بلغ الثمانين من العمر تاريخ العراق منقوش على جداره على شكل صور لوجوه و عائلات و شخصيات و الثانية لما الزوجة الشابة الجريحة التي فقدت جنينها في حادث طائفي ،يبدو العجوز اصغر من عمره بكثير عندما يأخذ دور الموضوعي و الإصلاحي ينطلي عليه التاريخ بسهولة و لا يقرأ منه إلا ما يعزز ما يريده، و الشابه تبدو أكبر من عمرها بكثير تفقد طفلا بشكل مبكر فتشيخ فجأة و يستيقظ في داخلها الغل الطائفي و لا تطفئه محاولات زوجها لؤي الجنسية . توجه الشابة لما كلاما جارحا الى العجوز يوسف و تذهب للنوم و بعد أن تدرك أنها أخطأت تقرر بمساعدة زوجها الإعتذار من يوسف و هو الإعتذار الذي لن يأتي ابدا.

يسوح يوسف في تاريخ العراق و هو يعتقد بأنه يشكل شخصيته السياسية و الإجتماعية و لكنه لا يشكل إلا ما يريد عندما يمر على خطوط تفرضها الصور المسنودة الى الجدار وجوه باسمة إنفعالها السياسي خافت و تكتفي من وسطها الإجتماعي برسم خطوط فصل واضحة لا يتجاوزها الآخر المختلف ،و حتى يوسف نفسه ومن حيث لا يدري و رغم مظهره “الموضوعي” يشارك محيطة ذات الهم و قد عبر عن موقفه بإستطرادة الطويل عن صديق عمره سعدون، لم يدعنا يوسف نرى من سعدون إلا عربدته و ثقافته المتوسطة و حس الداعابة الذي ينتابه من حين الى آخر تكشف هذه الصفات السطحية عن رخاوة العلاقة بين “النديمان” التي أنشأها الخمر و بعد الإقلاع عنه حافظ عليها الحديث عن الخمر. و قد يكون حب يوسف الفاشل لفتاة و مسلمة إحجام آخر منه و إستسلام مطيع لما يؤمن به و قد أراد أن يخدعنا بإلصاق التهمة بحنه أخته و قد مهد لهذه التهمة بتشييد تمثال مهول من التزمت لأخته حنه.

، ،رغم أن يوسف يتولى بنفسه الحديث لم يكن مقنعا بدور الرجل المسيحي الذي يتبنى نظريات منفتحة و الذي يصادق المسلمين و يقع في حب بناتهم و يذهب الى حد إهمال واجبه الديني يوم الأحد لولا أخته التي تشبه تمثالا لمريم العذراء و لكن كل ذلك لا ينجح، ولم تختف صورة المسيحي الذي يشعر بالضيم. أحببنا الرجل التقليدي الذي يمضي وقتا طويلا وحدة يتأمل صوره المعلقة على الجدار و يشكل بروفايلات تاريخية للعراق مربوطة في تعبير على وجوه ابطال الصور و و أحببنا بقوة الكهل الذي يحب النخيل الى درجة الشغف و جعلنا نحس بدغدغو تاريخية و هو يربط تاريخ العراق مع الشجرة المباركة و قد شبهها بحارس البيوت.

يضيع يوسف في زحمة الكنيسة و تختفي آثاره لتبدأ لما الشابة رحلتها لم تحب التاريخ و لم تجعلنا نتوغل فيه بل حاولت أن تقول بان تاريخ العراق يبدأ من حيث فقدت جنينها بحادث طائفي و ينتهي في كنيسة سيدة النجاة عندما علقت تحت المذبح المقدس مع مجموعة من الإرهابيين الذي يتمتمون كلمات قرآنيه يأتي بعدها الموت تختار أن تواجه الكاميرا و كأنها تواجه الإرهابيين جميعا و ربما المسلمين كلهم و تتكلم و كأنها تطلق النيران على كل كمن يستمع إليها تسرد قصتها بقسوة لتؤثر في السامع و تثير حنقه على الإرهاب الذي يوازي الإسلام عندها، تلفظ لما
آخر كلماتها و كأنها تشكر الرب لأنها لم تعتذر ليوسف

آختار سنان أنطون بطليه يوسف و لما ليرويا الحكاية كان يوسف يتحدث بهدوء و بطىء يقّلب صورة و يتأملها ثم يتحرك ليحدث أخته حنه بذات البرود، كان يتذكر و يروِ و هو لا يحس بالكاهن الرزين الذي يتلبسه، نجح في إثارة حنه و لم تسمح سذاجتها برؤية ذلك الكاهن الذي يختفي خلف الهدوء المصطنع، تلمح يوسف الذي يتكلف موافقه في كل مرافق الحكاية و لكنه يبدو حقيقيا جدا و هو يتحدث عن النخيل كان حديث النخيل حارا يبعث روائح تاريخية فيها آثار الكلدان. لكنه بدا في منتهى الصدق و هو يتمتم في الهزيع الآخير من حياته “يامريم” و هي اللحظة الوحيدة التي التقى فيها يوسف مع لما.

ظهرت لما اكبر من سنها و قد أختارت لنفسها وشاحا اسود و ازدادت حلكته بعد أن فقدت جنينا بدا حزنها و إضرابها الموقت عن الحياة مبالغا فيه و يحمل أكثر بكثير من مجرد فقد الجينين، وسعت دائرة حزنها ليتحول الى غضب ناري لم ينجُ منه حتى زوجها المحب لؤي و أخذ يوسف قسطا منه. تحدثت لما في القسم الخاص بها من الرواية بجفاف التقارير الفنية و سكبت فيه الكثير من غضبها حتى تجردت من أنوثة العشرينية و حلت محلها سيدة ذات طباع شرسة و تحاملت عليها أحداث الرواية فحرمتها فضيلة الإعتذار بعد أن غيب رصاص الإرهاب يوسف.

أراد الكاتب أن يسجل موقفا مسيحيا بإستعراض تاريخا للعراق تحدث عن تاريخ شخصياته و كأنها التاريخ الرسمي للعراق لم يمرر تاريخة بواسطة أرقام صحيحة لميلاد المسيح كما هو متوقع و كأنه أراد أن يبرىء المسيح من تاريخ العراق فكان يؤرخ بقولة “بعد سنتين من غزو العراق” أو “بعد شهر من بدىء الحصار” و هو بذلك آدان التاريخ ذاته بعرض احداثة بهذا السفور. ثم لجأ الكاتب الى شخصيتين واحدة متصنعة و أخرى موتورة، ليظهر الحيف الذي حاق بالمسيحيين.أدان الإرهاب و أتهمه بقتل جيل كامل و جعل ذلك الإرهاب يظهر على شكل ملامح مسلم متطرف يخطف مصلين في كنيسة سيدة النجاة و صوت إنفجار ذهب بجنين لما، وفي الحالتين كانت التلاوة القرآنية موجودة في الخلفية،موقف سنان أنطون الغاضب جاء على شكل نص روائي قصير فيه قنوط و إستسلام و تأكد هذا الموقف في لهجة لما الثائرة و خطبتها النزقة في لقائها التلفزيوني و كأنه أراد ل لما أن تقول ما قالت و تحمل حاجياتها و زوجها و تترك العراق الى غير رجعة..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصب خيام اعتصام دعما لغزة في الجامعات البريطانية لأول مرة


.. -حمام دم ومجاعة-.. تحذيرات من عواقب كارثية إنسانية بعد اجتي




.. مستوطنون يتلفون محتويات شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة


.. الشرطة الألمانية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لغزة بجامعة برلين




.. غوتيريش يحذر من التدعيات الكارثية لأي هجوم عسكري إسرائيلي عل