الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديانات والعلمانية

حميد المصباحي

2013 / 4 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


نشأت المسيحية دعوة لتجديد قيم التعايش بين الناس,و شد وثاق التآخي,لم يكن مشروعها بناء الدولة أو التفكير في سياسة تفرضها على الدولة,فصارعت الوثنية,و واجهت اليهود الرافضين لرسالة المسيح دفاعا عن الديانة التي أتى بها موسى,و غدوا في نظر أنفسهم أصحابها و حماتها,و خصوا أحبارهم الرافضين للتسامح المسيحي و المساواة بين البشر,كما أنهم كانوا يعرضون رفض العقوبات على الم-نبين و الخطائيين و عدم ترك أمرهم لله ليجزيهم بما فعلوا,لكن مع اتساع المسيحية,و كثرة أتباعها,اهتدت الدولة الرومانية إلى تبنيها و اعتبار نفسها دولة مسيحية,و كانت هذه التجربة السياسية و ليدة قراءة لتاريخ الدول القديمة,بما فيها الدولة الفرعونية و حتى الفارسية,بحيث أن كل حكم يحتاج لمشروعية,كلما كانت مقدسة,ضمن الحكم استمراريته و قدرته على تجديد سلطته و مد نفوذه باسم نشر الحق و الحقيقة,فلماذا تحققت العلمانية في الدول الغربية وريثة الرومان,و فشلت هذه التجربة في دول الشرق و منها الدولة الإسلامية؟؟؟؟؟
1 المسيحية و الدولة
لم تنشئ المسيحية الدولة كما ذكر سابقا,و في خضم الصراعات التي عاشتها الدولة الرومانية,استغلت الفكر المسيحي لتبرير هجوماتها على الغير,و إعطاء حروبها قداسة,لتبدي أنها تحارب باسمه,و تقتل بسيفه,غير أن السياسة طغت على الدولة,و عاشت صراعات مريرة ضد الرهبان الذين صاروا فيما بعد هم الحكام الفعليون,و كان الوعي بحضور الديني و تحويله للحكام إلى مستبدين,مشرعين و منفذين,لما يختاره رجالات الدين,تجاه المجتمع و حتى باقي الدول المجاورة و البعيدة,بل حتى التي تتبنى المسيحية,و هنا ظهرت فئات و تجمعات اقتصادية و نخب ثقافية اصطدمت مبكرا بدينية الدولة المسيحية الرومانية,بل و مجمل الدول الأروبية قبل الثورة الفرنسية و النهضة الثقافية,التي مهدت للتحولات السياسية التي عرفتها أروبا,مما حتم إعادة النظر في النظم السياسية,و البحث عن بديل مناهض للتجربة التيوقراطية,التي كانت الحضارات العتيقة,و التي عاشت مغلقة في الشرق,مما حدا بأرسطو إلى اعتبار الإستبدادا ملائما لطبيعتها,و ما كان لليونان تصور احتكام الرومان لآليات الديانة المسيحية,كصيغة مناقضة لمجرى التاريخ العقلاني كما اعتقده رجالات الغرب الأروبي منذ اليونان,هكذا استطاع الفكر الأروبي,فرض رهاناته الجديدة على الكنيسة,بأن تتجنب الممارسات السياسية,و تترك مجال الدولة بعيدا عن رجالاتها و أساقفتها,مما سمح للديانة المسيحية بمراجعة ممارساتها التاريخية في ضوء التحولات التي عاشتها أروبا,و هو ما عرف بالإصلاح الديني,كتأويل للمقدس ليصير في خدمة الإنسان روحيا,بدل أن يعتبر الإنسان خادما له و خاضعا في أمور دنياه و آخرته له,بوساطات بشرية استغلت الدين لتحقيق سلط موازية,سرعان ما تحولت إلى سلط فعلية,كلفت كثيرا من الجهد و الأرواح,دون نسيان أن هناك رهبانا و علماء,ساهموا بمجهودات تاريخية,للحد من سطوة الديني و الكنسي على السياسي.
2الدعوة و الدولة في الإسلام
بدأ الإسلام روحيا,لكنه كان مضمرا لغاية الدولة,بفعل عدم وجوده في ظل دولة قائمة,فمكة لم تكن خاضعة بشكل مباشر لدولة مؤسسة سياسيا,بحكم وجود نظام قبلي,له أعرافه,التي اندمجت مع العبادة الوثنية,المختلفة هي الأخرى عما عرف بتعدد الديانات اليونانية مثلا,بل كان الإنسان العربي,يقر بوجود الله,و يعيش داخله اليهود و النصارى,كموحدين,رغم قول المسيحية بألوهية المسيح,و قول اليهودية بأبوة الله لعزير,غير أن الإسلام بالمدينة لم يخض في صراعات ضد أهل الكتاب,بل اكتفى بوضع أسس الدعوة,أي التوحيد و الحث على مساواة البشر لبعضهم,و لم تتبلور الرؤية السياسية للإسلام إلا بعد الهجرة إلى المدينة,هناك دخل في جدالات دينية مع أهل الكتاب,مستبعدا أي حوارات سياسية,بحكم عدم إلمام العرب بما هو سياسي مقارنة باليهود و النصارى,و هنا بدأت التصنيفا السياسية للأعداء و الخصوم,فقد كان المسيحيون أقرب إلى المسلمين,امتنانا لما قام به ملك الحبشة تجاه المسلمين الفارين من سطوة سادة قريش,الذين أرادوا تحريض ملك الحبشة عليهم,فرفض رغم هداياهم,أما اليهود,فقد كانت جدالاتهم للمسلمين مؤججة للغضب,بما أثاروه من إشكالات حول النبوة,و الله,رغم اعتراف الإسلام بعلمهم,و سبقهم,غير أنهم لم يستصيغوا ظهور نبي من خارجهم,وهنا يبدو أن النبي عليه الصلاة و السلام,أدرك قوة الخصومة و خطرها على المسلمين بعده,و لذلك حسب المصادر الشيعية,فإن النبي عقد البيعة لعلي,فيما عرف بغدير خم,لكن بعد الوفاة,اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة,فلحق بهم المهاجرون,و في خضم النقاشات عقدت البيعةاتفاقا لتظل في قريش,فسمي أبو بكر خليفة للمسلمين بدعم من عمر و عائشة زوجة النبي,مما ولد رفضا من طرف شيعة علي إبن أبي طالب,حكيم بني هاشم رضي الله عنه,فقد كان في نظر الكثير من الصحابة أجدر الناس بها,و أدرى بخطط اليهود و الأقدر على مجادلتهم و تسفيه خططهم,و باختصار فإن السلطة السياسية في صيغة الخلافة,اعتبرت ثابتا دينيا في الفكر الشيعي,فالمسلم ملزم بالإنتصار للإمام,و تصديق ما لمح إليه,فالخلافة لا تصح إلا بوصية مكتوبة أو مشهود لمستحقها,و من ينكث العهد لا يصح إيمانه,غير أن الصحابة و في مقدمتهم أبو بكر و عمر,أتوا ما عرف بحديث أحادي,رووه عن النبي,قيل فيه لا تجتمع النبوة و الخلافة في بيت واحد,و أضاف لها في خطبة تسلم الخلافة,قوله ,أيها الناس وليت عليكم و لست بخيركم,فمن كان يعبد محمدا,فمحمد قد مات,و من كان يعبد الله,فالله حي لا يموت,هنا تبدو صعوبة التمييز في الإسلام بين الديني و السياسي,رغم أن المسلمين فعلوا التمييز بدون إعلانه .
خلاصات
من الصعب خلق تشابه بين تاريخ الأديان,بغية تسطير مسار واحد لها,حتى إن تقاربت مبادئها,و من غير المجدي استنساخ إصلاح ديني,أو استيراده من ديانة أخرى ,لإصلاح محتوى ديانة مغايرة أو حتى مشابهة,بدون الإحاطة بمختلف الإجتهادات التي تعرفها الديانة الواحدة,و رصد إمكانات التطوير من داخل النسق نفسه,ما دامت المجتمعات العربية عاجزة على فرض التحديث الثقافي مجتمعيا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البقاع شرق لبنان: منطقة استراتيجية بالنسبة لحزب الله


.. بعد مقتل حسن نصر الله.. هل كسرت إسرائيل حزب الله؟




.. تباين| مواقف هاريس وترمب من العمل في ماكدونالدز


.. عواصف وفيضانات غمرت مناطق متعددة في ولاية فلوريدا جراء ضرب إ




.. أمين عام المجلس الإسلامي العربي يتهم إيران بتسليم إحداثيات -