الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستقطاب في مواجهة الأكثرية الشعبية

احسان طالب

2013 / 4 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


بعد ما يزيد على السنتين من ثورة شعبية عارمة فجرها حراك مدني سلمي اتخذت الثورة السورية مسارات متباينة، وتشعبات تأثرت حيويا بالتدخلات الخارجية عربية كانت أم إقليمية. منع ذلك التشتت والتطور غير المحسوب قيام كيان سياسي جامع يحمل مسؤولية تمثيل الثورة السورية ويكون قادرا على طرح مشروعها السياسي والفكري الوطني الشامل. غلب الطابع الإسلامي على جل التشكيلات والمجالس والهيئات السياسية الموجودة داخل الساحة السورية وعجزت القوى الليبرالية العلمانية الديمقراطية عن بناء كيان يمثلها ويجعلها مؤهلة لاستلام زمام القيادة ويتيح لها فرصة الممارسة السياسية الفعلية دون الاكتفاء بالنقد والتنظير.
يفتقر التيار الديمقراطي النخبوي لدعم شعبي عريض حيث ما زال نخبويا ونظريا، ويأخذ على مشاهيره وأكابره تجاوز الواقع السوري الموسوم بأكثرية إسلامية سنية وسطية، حيث يرفض كثيرون الخوض في تصنيفات يظنون أنها متضادة مع مفاهيم الوطنية والمواطنة، ويعرضون النظرية الديمقراطية عرضا نخبويا لا يلتفت لوجود أكثرية انتخابية غير منسجمة مع نخبوية ترى المجتمع السوري المنشود أشبه ما يكون بمدينة أفلاطون الفاضلة حيث تتربع النخب على عروش السياسة والمجتمع وتسوس الشعب وفق ما تراه وتعتقد أنه مناسبا وصالحا للدولة والمجتمع. تقترب تلك الرؤية كثيرا من منطق ومفهوم الديمقراطية الحزبية أو المركزية وهي رؤية يسارية إيديولوجية قرّ في وجدانها فكر شمولي يفترض فصلا طبقيا بين الشعب والنخب ولا يرى الديمقراطية سوى من منظور طوباوي بطرياركي يعطف على الشعب ويعمل لتأمين حقوقه و متطلباته دون تدخل مباشر من الشعب ويرجع الأمر لنخب تمارس مقاليد التحكم والإدارة.
لا يريد أغلبية الديمقراطيون السوريون العلمانيون الاعتراف بوجود أكثرية وأقلية في سوريا ويرفضون تماما التعرض لعمق الانتماءات الدينية والمذهبية الشائعة بين السوريين كأي مجتمع طبيعي آخر في أي بقعة من بقاع الأرض بما فيها مجتمعات الدولة الروسية الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي الشيوعي، حيث ينظر هناك للديانة المسيحية كواحدة من أهم روابط المجتمع الروسي وركيزة من ركائز التماسك المجتمعي.
في البرنامج أو الوثيقة التي نشرها الأستاذ ميشيل كيلو بجريدة السفير -20-4-2013 ( القطب الديمقراطي السوري كما أتصوره) يطرح بديلا ديمقراطيا عن كل التكتلات والتشكيلات القائمة على الساحة السياسية السورية، ليكون في مواجهة تيارات الإسلام السياسي الذي يخشى من سيطرته على سوريا كما حصل في تونس ومصر حيث تمكنت من ترتيب أمورها وتنظيم صفوفها بصورة فاقت قدرة أي تيارات أخرى ما دفع بها إلى سدة الحكم. يظهر الداعون للقطب الديمقراطي خشيتهم من حرف مسار الدولة السورية المنشودة وتحولها لدولة دينية تضيع فيها الحقوق وتخنق الحريات، وما ينتج عن ذلك المسار من خوف وجودي على الأقليات وحقها في الوجود وضياع خصوصيتها المذهبية والعرقية. وفقا لذلك التصور المتفق على ما يكتنفه من خشية يحق للمتابع طرح العرض التالي: عرفت سوريا حياة سياسية وبرلمانية متقدمة بدأت بانتخابات برلمانية 1942 ونجم عنها تمثيل متوازن لكافة أطياف المجتمع السوري، وجرى في سوريا قبل انقلاب 8 آذار 1963 خمس انتخابات تشريعية امتدت على ما يقرب من ربع قرن. وبدءا من حكم الحزب الواحد وانتقالا لحكم الرجل الواحد منذ الانقلاب على الانقلاب عام 1970
حدثت استفتاءات هزلية صورية جاءت نتائجها فوز القائد التاريخي الضرورة الخالد والأبدي بنسبة لا تقل سوى بضع أعشار عن المائة في المائة، وتلا ذلك انتخابات تشريعية متعددة كانت نتائجها تكتب قبل فرز الأصوات ولا يصل خلالها أي معرض لقبة البرلمان.
فسوريا ليست منبتة عن الديمقراطية ومارسها الشعب السوري كلما كان ذلك متاحا، وبدأت الثورة السورية مدنية سلمية ديمقراطية شارك فيها كل أطياف السوريين بنسب متفاوتة وفي ظل العسكرة وتحول الثورة إلى حالة حرب أو تحرير لا يجوز إغفال حقيقة توفر سوريا على أكثرية وأقلية بانتماءات عرقية ودينية ومذهبية والمطلوب تحويلها لأكثرية وأقلية سياسية وليس مذهبية أو عرقية ولا يكون ذلك أبدا بإغفال الواقع أو تجاهل حالة اضطهاد وتهميش الأكثرية لما يزيد على أربع عقود، كما أنه منطق غير ديمقراطي بعد تلك السنوات الطويلة انزلاق النخب نحو التفكير بديمقراطية مركزية وتنحية ديمقراطية ليبرالية تعترف بمنطق الأكثرية والأقلية، ولا يعني ذلك مطلقا أن تكون الانتخابات سببا لاستبداد ديني أو استبداد الأكثرية العددية وإلا سيكون ذلك التصرف معالجة الخطأ بالخطأ.
ما يطمح إليه القطب الديمقراطي هو أمنيات غير واقعية وخروج عن السياق الديمقراطي التاريخي ومعالجة خشية سيطرة تيار الإسلام السياسي على الشارع السوري بتفكيك مفهوم الديمقراطية وحصره بديمقراطية نخب سياسية كانت أم فكرية.
الاستقطاب في وجه تيارات سائدة بهدف الاستئثار بالقيادة والتمثيل يوحي بقدر لا يخفى من الإقصاء ودعوة لتهميش القطاعات الشعبية وتجاوز لجهود بعضها أثمر في تحقيق جزء ولو يسير من مطالب الشعب والثوار وفيه تجاهل لتيار له قاعدته الشعبية وهو تيار الإسلاميين الشعبيين الوسطيين الحاملين العبء الأكبر من تبعات الثورة وهم أكثر طبقات السوريين تضحية بدمائهم وديارهم وأرزاقهم، إنه منطق متعال على الناس ومتقوقع في برج عاجي ضيق الأفق، فالحرص على قيم المواطنة والحريات العامة والخاصة وحفظ حقوق الأقليات لا ينبغي بناؤه على حطام بنيوية المجتمع السورية القائمة راهنا والتي كانت تاريخيا بنية للتعايش والسلم والوئام الأهلي والاجتماعي، ولم تعرف صورا أو حالات واضحة للاحتقان والاحتراب كما تشهده المدن والأرياف السورية اليوم، فغياب الدولة عن دورها وتحول وظيفتها وتغيير أولوياتها أوصل الحالة السورية إلى ما هي عليه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا