الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيليا

سميح مسعود

2013 / 4 / 27
الادب والفن


دخلت إلى الغرفة ألتي خصصت لي في فندق شيليا وسط مدينة باتنة الجزائرية ، ألقيت نظرة سريعة عليها ، ووقفت على الشرفة لبرهة ، ثم أعدت تركيز انتباهي على اسم الفندق ، اثارني إسمه ، لم أسمع به من قبل ، لاحظت أنه ينبض بإيقاع يبعث في النفس الراحة والسكينة .

فجأة وجدت فوق منضضة جانبية نشرة إعلامية مزخرفة برسومات وصور كثيرة ، فيها نبذة تعريفية بالفندق والمدينة ، عرفت منها أن " شيليا " اسم أعلى قمة من جبال الأوراس ، إنها ليست مجرد صخور وتراب وشجر ، بل هي حاضنة لأحداث تاريخية شديدة الوطأة ، تستوطن ثنايا الذاكرة الجمعية ، موشومة بلحظات مضيئة لأنها كانت فيما مضى صلة وصل بين الثوار، امتزجت أرضها أثناء الثورة بدماء الشهداء .

نظرت إلى قمة شيليا عن بعد ، رأيت الغيوم تركع أمامها ، وتتدلي بين طيات جنباتها ، هالني كثافة الشجر فيها ، مساحات واسعة من الاشجار الباسقة ، تمتد كسجادة خضراء على اتساع المدى دونما انتهاء.

تخيلت نفسي صاعداً إلى أعلى قمة شيليا ،أحسست بأنني في كل خطوة أخطوها للأعلى أقترب من أردان الغيوم ... توقفت عن الصعودعندما أرخى الليل أستاره عليها .

استهواني سماع المزيد عن أخبارها التاريخية ، اتسعت دائرة معلوماتي عنها ، نقلتني إلى أجواء مشحونة بالإثارة... تصفحت بإدراك سجلات صور ببريق خاطف عن الانسان والمكان ، تقترب من أحاسيس كل الناس، تتردد فيها أسماء الشهداء والأبطال ، مكتوبة بحروف نافرة براقة فوق أوراق أشجار الأرز والزيتون ، تشكل لوحة بديعة مزدانة بالخطوط والألوان ، تشع منها أضواء جميلة.

اردت التعرف على شيليا عن قرب ، وفي ذات يوم وجدتني متجهاً إليها ، كان ذلك مع الساعات الأولى من يوم ربيعي تشابكت فيه وامتزجت أشعة الشمس الأولى ... أقلتني سيارة اندفعت في مدينة بتنة من شارع إلى أخر، باتجاه محدد خارج زحام المدينة ، كنت أنظر حولي بتأمل واسع للارض والشجر والزهور والأعشاب ، استمتعت بكل ما أرى ، كل شئ حولي كان جميلاً يوحي بالتأمل .

أخذت باستنشاق الهواء العليل الذي يسري بين الأشجار، ينساب هنا وهناك ، زادني حيوية ونشاطاً ، واستمتعت بمنظر الأشجار وهي تمتد في تسلسل متواصل في جميع الجهات في أدق ترتيب يدهش الناظر إليها ... شجرة تلو أخرى على اتساع المدى تلتحف الارض بظلالها .

مع تواصل إندفاع السيارة إلى أعلى قمة ، كانت تتكررالأشجار بكثافة زائدة ، يزداد بريقها اللامع مع أشعة الشمس التي تسبح حولها ، تزيد الأشعة من جمال براعمها وأوراقها النضرة وأغصانها الملساء .

كان طبيعياً جداً أن أسمع زقزقة الطيور وهي تتقافز فوق فروع الأشجار تارة ، وتختفي تحت ظلالها تارة أخرى ... ترسم صورة تزدان بألوان ريشها الجميلة ، من الصعب أن تزول من الذاكرة .

تمتد الطريق صعوداً إلى أعلى دون انقطاع في رحب أرض واسعة ، السيارة تتسلق الجبل بسرعة فائقة ، لا تقيدها الأمكنة ، تتخطى منعطفات طرق كثيرة وهي تتجه نحو أعلى قمة في جبال الأوراس .

في لحظة لا تنسى وصلت قمة شيليا ، ألقيت نظرة عليها ، أدرت بصري حولها ، كانت معي ، شديدة القرب مني ، أسندت رأسي على صخرة كبيرة وقلت بصوت عالٍ : "هاهي شيليا " ... أدرت بصري يمنة ويسرة ، متعطشاً إلى رؤية كل شئ حولي ... شعرت برائحة طيبة تهب من كل ذرة تراب حولي على امتداد مساحات شاسعة ، أدخلت البهجة والسرورإلى نفسي .

التقيت قمة شيليا بالعناق ، أحسست وسط الأشجار التي تحيطني بصدى أصوات تنبعث من ماضي الأيام ، أعادتني إلى أحداث واقعية كثيرة حدثت من قبل ... معارك وانتصارات مجبولة بخشخشات الرصاص .

ها أنا أسترجع ذكرى تلك الأحداث بانفعال، أغمض عيني وأتخيل تفاصيل مشاهد من تلك الأحداث ، يشتد فيها القتال ضد المحتل ... تبلغ المعارك ذروتها بلحظات غير عادية من أجل تحرير الأرض ، ومن أجل تزيين قمة شيليا بأكليل من الغار .

شعرت في تخيلاتي أيضاً ، أنني على مقربة من أماكن منقوشة في جنبات قلبي وأحاسيسي العميقة، تمتد على سفوح جبل الكرمل الذي كنت أراه في طفولتي بمسقط رأسي حيفا ، وتمنحني فسحة أمل في أن أضمه في عيني في قادم الأيام .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو يوثق اعتداء مغني الراب الأميركي ديدي على صديقته في فند


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز جسديًا على صديقته في




.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي