الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في تجربة حزب العدالة و التنمية في الممارسة السياسية في حادثة سير تاريخية

الدير عبد الرزاق

2013 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


وسط أجواء ترقب سادت الوطن العربي منذ انطلاق شرارة الإحتجاجات العربية التي أسميها حادثة سير تاريخية، و التي أتت على الأخضر و اليابس، و بعد هدوء العاصفة و سقوط أنظمة متجذرة في السلطة، أفرزت لنا صعود تيارات إسلامية، و المغرب لم يستثنى من هذا الحراك و عاش حالة ترقب رهيبة، فبعد ميلاد حركة 20 فبراير التي ستجهض لاحقا، درست الدولة المغربية جيدا الوضع في عمومياته، و إذا تأملنا جيدا أن الإحتجاجات في المغرب بدأت بشكل رسمي في 20 فبراير، و الخطاب الملكي جاء في 9 مارس، دلالة الزمن أساسية في فهم التاريخ و السياسة، و في خطوة استباقية من أعلى سلطة في البلاد لاحتواء الإحتجاجات، و الرفع من سقف المطالب يحسب للدولة المغربية، التي تعاملت بذكاء في امتصاص إحتجاج الشعب، و لم تترك الوقت الكافي لتطوره، و سارعت بتعديلات دستورية،
في وقت كانت فيه حركة 20 فبراير محتجة في الشارع تتشكل من أطياف مختلفة من الشباب، و جماعة العدل و الإحسان كانت حاضرة بقوة و بمواقفها المعهودة، وتم طرح الدستور الجديد وسط تباين المواقف، و مقاطعة عدة فعاليات التي اعتبرته ممنوحا، و مر الإستفتاء و تم التصويت بنعم بنسبة كاسحة من نسبة الأصوات المٌعَبَر عنها، و وسط هذه القبضة الحديدية للمخزن المغربي في إدارة الوضع، كان التكتيك السياسي يقتضي صعود حزب "المرحلة" الذي سيقدم خدمات جليلة للمخزن ، من خلال لحظتين:
1: إمتصاص ضغط الشارع المغربي.
2: حزب ذات مواصفات خاصة، لا يهيج الشارع من جديد، و له أرشيف نظيف، و إذا كان إسلاميا، سيكون هدية كبيرة للمخزن، نظرا أن جماعة العدل و الإحسان و بمواقفها و قاعدتها الجماهيرية قادرة على خلق الإستثناء آنذاك.
أمام هاتين اللحظتين ليس هناك أفضل من صعود حزب العدالة و التنمية الذي كان تخرجة مخزنية، لنتساءل بهدوء:
هل كانت العدالة و التنمية قبل الثورات العربية بإمكانها تصدر قائمة المشهد السياسي و إكتساح المقاعد البرلمانية ، و قيادتها الحكومة؟
هذا سؤال يتناساه الرأي العام، و نحن نعرف أن الطريق في ظروف سياسية لما قبل 20 فبراير كانت تجعل قيادة العدالة و التنمية للحكومة المغربية حلما مستحيلا، لاعتبارات من داخل الطبيعة السياسية المغربية، و التكتلات و التحالفات و التداخلات و التدخلات.
ارتكب حزب العدالة و التنمية خطأ استراتيجي في التموقع السياسي الإستباقي، بسبب ضعف الرؤية السياسية و القراءة الجيدة لمنطوق التاريخ ، فأصبح الحزب آلة حدباء فوق أكتاف المخزن، و عندما يأتي عضو الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية المغربي، و هو أستاذ العلوم السياسية عبد العالي حامي الدين و يكتب مقالا يعنونه ب" الإصلاح إرادة و إصرار"* ، العنوان نفسه يحتاج إلى إصلاح، و الإصلاح رؤية و تصور سياسي نظري و عملي واضح يبتعد عن الشعارات و المفاهيم المبتذلة، التي شبع منها الشعب المغربي حتى أصيب بالتخمة.
عندما يكون شعار حزب العدالة و التنمية في حملتهم الإنتخابية محاربة الفساد، و يأتي وزيرهم في تهريجه السياسي و يقول "عفا الله عما سلف"؟؟؟ لم يكونوا يدركون أو لديهم تجربة في العمل السياسي في الطبيعة السياسية المغربية، فتاهوا كما يتيه شخص غريب في الصحراء. أي فساد يتحدثون عنه؟؟؟
اللعبة صارت واضحة أمام عجز في إنتاج خطاب سياسي حقيقي يواكب ما سماه أستاذنا حامي الدين التحولات الجارية في المغرب، و نحن لا نراها كذلك في ظل مشهد سياسي بعيد كل البعد عن الممارسة السياسية، اللهم التغزل بالأمين العام و وزيرنا المحترم، الذي نال شهرة لم ينلها مهرج كوميدي، ـ عفوا ـ أقصد مهرج سياسي.
يفتح أستاذنا التحولات في المغرب على فرضيتين، و يتبنى فرضية أقرب إلى خطاب العدالة و التنمية، الإشكال هو أنه عندما نتحدث عن الإنتقال الديمقراطي، فأستاذنا حامي الدين يقدم لغما مفاهيميا غير واضح المعالم، أي إنتقال يتحدث عنه؟
الديمقراطية ليس فيه إنتقال، و إنما ممارسة تنظم أولا العمل السياسي في بعده المؤسساتي، و هذا ما يتم تحاشيه، سنجلس في مقاعد جامعة العلوم السياسية ليشرح لنا أستاذنا حامي الدين مفهوم الدولة، فقد استعصى علينا الأمر في ظل قيادة حزب العدالة و التنمية للدولة، و لست أدري إن كانوا فعلا إقتنعوا أنهم يقودون دولة أم أن الدولة تقودهم، و بعبارة أوضح، هل هم من يسيرون مؤسسات الدولة أم أن مؤسسات الدولة تسيرهم؟؟؟
الإنتقال يفترض وجود ثنائية من ... إلى..، و الديمقراطية لا نريدها أن تنتقل بل نريدها أن ترسب ، و نقوم بتقويتها بدروس ليلية حتى يتقوى مستواها، و آنذاك يمكن أن نضمن إنتقالها إلى سن التمدرس، لأنها مازالت في الحضانة.
نسجل أن الربيع العربي كشف عورة المشهد السياسي المغربي الهش، و الذي ليس لديه شخصية سياسية، أحزاب تحتاج إلى الإصلاح الذي عنون به أستاذنا مقاله ، و لكن إصلاح في العقليات السياسية، العدالة و التنمية كانت نجمة مضيئة في سماء حالكة، قدمتها صناديق الإقتراع "مهدي منتظر" للشعب المغربي ، من أجل محاربة الفساد الذي كان شعارهم في الحملة الإنتخابية، و
لا يجوز القول برنامج سياسي، فأستاذنا أدرى بثقل مفهوم البرنامج السياسي و ماهيته.
يؤكد أستاذنا أن حزبهم قدم عرضا سياسيا، و هو الإصلاح في إطار الإستقرار، أي عرض هذا؟؟؟ و أي سياسة هذه؟؟ و أي إصلاح هذا؟؟ و أي إستقرار هذا؟؟
لم يمنحهم الشعب المغربي المرتبة الأولى لسواد عيونهم، و لا لبرنامجهم السياسي، و لا لقدرتهم على إخراج المغرب من النفق المظلم بترسبات ماض مظلم، و حاضر كله إشكالات و أسئلة مستعصية، و مستقبل في كف عفريت، و إنما تكتيكات في لعبة سياسية يمسك زمامها المخزن المغربي.
المرحلة لم تخدم توجهات الحزب و فلسفته، و إنما خدمت الأشخاص اللذين أبانوا عن لهفتهم غير المحسوبة على إعتلاء المشهد السياسي، و تناسى الحزب أن الأحزاب التقليدية في المغرب تجيد اللعبة السياسية بذكاء، و تجيد المكر السياسي، إلى جانب حبل المخزن السياسي الطويل.
فالظرف التاريخي لم يستفيدوا منه، حتى موقفهم من 20 فبراير كان متناقضا و غير مفهوم، و ما يحسب لبعض الأطر في حزب العدالة و التنمية هو الخروج للشارع في موقف تاريخي، و في المقابل القيادة كانت تنتظر و تترقب ما ستفرزه الإحتجاجات من أجل تبني موقف يستفيد من الأحداث.
منحهم الشعب المرتبة الأولى إنطلاقا من مبدأ أحلاهما مر، و أستاذنا حامي الدين يعرف أكثر منا فقدان الشعب الثقة في أحزابه التي لم تعد تطربه، و صارت مكشوفة في عريها الفاضح.
ما شفع لهم هو أنهم لم يحكموا يوما، و أرشيفهم نسبيا غير ملطخ بملفات، اللهم بعض الحالات، و الشعب أعطاهم فرصة في وقت عصيب، الكل فقد الأمل، و شعارهم الإنتخابي كان محاربة الفساد.و عجزوا عن تحديد الفساد مفاهيميا و ممارسة، ليس لضعف قدرتهم، و لكن لقلة تجربتهم السياسية في الممارسة السياسية المغربية، و كانت عندهم صورة أفلاطونية، بمعنى لديهم تصورا و صورة قبلية عن الممارسة السياسية في المغرب، و عندما وجدوا أنفسكم داخل الفرن، قدموا أنفسهم شواء طريا لخصومهم السياسيين اللذين تحينوا الفرصة منذ زمان للإنقياد عليهم.
أي معارضة أستاذنا حامي الدين كنتم تريدون، و الظرف التاريخي كان مناسب أن تعلنوا أنفسكم معارضة حقيقية، لا أن تركنوا في أماكنكم و تنتظرون أن يقدَم لكم تاريخ مبتذل تركبون فوقه و بشروط و إملاءات و معايير مسطرة مسبقا.
قلتم أن الديمقراطية لن تتحقق إلا عبر نهج تدافعي مستمر؟؟؟؟
يا سيدي الديمقراطية ليست نهجا و لا تحتاج إلى تدافع مستمر من أجل تحقيق الإصلاحات و إستئصال الفساد من المؤسسات، و إنما هي فلسفة حياة إجتماعية و سياسية و إقتصادية، هي تَمَثل في كل مناحي الحياة، هي ثمرة نجنيها من تصورات و مواقف صلبة و واضحة و قوية اتجاه النظُم، الفساد سيدي يحتاج إلى آليات و موقف و شخصية و معرفة دقيقة به، و بحاملي فيروس الفساد، من أجل وصف علاج دقيق له، أما أن تتحدثون عن الفساد في السماء أو جسم عديم اللون و المذاق، هذا بعيد كل البعد عن الممارسة العملية لفن السياسة.
السياسي الحقيقي أستاذي هو من يجد العلاج للدول المريضة، و أنتم ليس معكم علاجا سوى خطب فارغة ، وسط عجز كان منتظرا لأصالة الفساد في المؤسسات التي ترعاه، و لم تستطيعوا تبني تصورا واضحا منه، اللهم الحديث عن الفساد كائنا ميتافيزيقيا.

* مقال للأستاذ عبد العالي حامي الدين عضو المكتب السياسي لحزب العدالة و التنمية المغربي،نشره في جريدة القدس العربي، العدد 7326 تحت عنوان: الإصلاح إرادة و إصرار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الحالة الرابعة لنزع حجاب المتظاهرات.. هل تتعمده الشرطة ا


.. استشهاد طفلين وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا




.. طلاب جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني


.. نتنياهو: سنواصل الحرب حتى تحقيق أهدافها كافة بما في ذلك تنفي




.. باتيل: إذا لزم الأمر سنحاسب مرتكبي الجرائم بقطاع غزة