الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثلية الجنسية .. حق من حقوق الإنسان

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2013 / 4 / 27
حقوق مثليي الجنس


بعد نشر موضوع هوموفوبيا، تلقيت مكالمة تليفونية من صديق قديم يقيم في أوربا ودار بيننا نقاش طويل حول موضوع المثلية الجنسية. فكرته الأساسية أن المثلية الجنسية ليست مشكلة أساسية أو رئيسية ولا تخص إلا أقلية بسيطة من الشباب والشابات المنتمين للبرجوازية، ولذلك فإن طرح هذه القضية على الساحة الفكرية والثقافية في هذه الظروف لا يمكن أن ينظر إليه إلا كنوع من الإستفزاز وإثارة المشاكل في مجتمع ممتلئ حتى الحافة بالمشاكل والعقد النفسية والإجتماعية ولا تنقصه المواضيع المثيرة لردود الأفعال العنيفة. وفي رأي هذا الصديق أن المشكلة هي حرية التعبير والتمثيل الديموقراطي وتطبيق القانون. وفي النهاية تحول النقاش إلى ما يشبه حوار الطرشان، ففي كل الدول العربية والإسلامية هناك قوانين تحرم المثلية وتحكم بالسجن أو الجلد أو الإبعاد وأحيانا بالموت على المثليين والمثليات، وهذه قوانين جائرة ويجب تغييرها وليس تطبيقها، ولكنه يرد بأن الديموقراطية هي تطبيق إرادة الشعب، فإذا كانت غالبية الناس تدين المثلية، فالأقلية يجب أن تخضع لقانون الأغلبية. فالمجتمع الذي لا يسمح بالحب ولا يسمح بأن يمسك الشاب أو الشابة بيد صديقه أو صديقته في الشارع هو مجتمع لا يمكن أن ينتج إلا قوانين جائرة وغير عادلة في نظر الأقلية، وفي النهاية فإن تغيير المجتمع لا بد أن يتم تدريجيا وعلى خطوات ولا يجب التسرع وإرعاب الناس وتخويفهم بطرح أفكار متطرفة وبعيدة عن إهتماماتهم وهمومهم اليومية.
بطبيعة الحال، المجتمع الذي لا يؤمن بحرية الآخر والذي تحكمه العادات والتقاليد لا يمكن أن يتخيل قوانين تزلزل معتقداته وما تعود عليه منذ عدة قرون، ولكن في نفس الوقت الحرية لا تتجزأ فهي حرية الجميع أو لا حرية لأحد. بالإضافة أن المثلية ليست رأيا أوإعتقادا وإنما ممارسة وحرية أساسية لإمتلاك المواطن لجسده وحرية التصرف فيه، وهذا لا يمكن أن يخضع لقوانين الأغلبية والأقلية. هناك مفاهيم وقيم إنسانية عامة ملخصة فيما يسمى بوثيقة حقوق الإنسان، وهذه القيم والمبادئ لا تخضع للرأي الشخصي للأفراد أو الجماعات ولا تخضع للإستفتاء او التصويت، الحق في الحياة الكريمة والحق في حرية التعبير والإعتقاد والحركة والحق في العلاج والتعليم والعدالة والحق في تكلم لغته وممارسة ثقافته .. إخ هي حقوق غير قابلة للتجزئة أو المساومة. ففي الديموقراطيات المعاصرة، رأينا الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، عندما وصل إلى السلطة سنة 1981، أول ما قام به هو إلغاء عقوبة الإعدام، رغم أن أغلبية المجتمع الفرنسي في ذلك الوقت كانت مناهضة لفكرة الإلغاء، ولكنه أتخذ هذا القرار بصفته رئيسا للدولة الفرنسية ومسؤول عن هويتها الثقافية والإنسانية ودستورها يسمح له بإتخاذ مثل هذا القرار، لأنه قرار عام ويتعلق بحقوق الإنسان العامة ولا يدخل في مجال العلاقات الإجتماعية. بينما في 2013 ومنذ عدة أيام، كان لا بد من موافقة البرلمان الفرنسي على القانون الجديد الذي يسمح بالزواج بين المثليين والمثليات، لأنه قانون يتعلق بالأحوال الشخصية والأسرة والأطفال والميراث إلخ، ولابد من إتفاق الجميع على ضرورته أو عدم ضرورته، وقد صدر هذا القانون لأن المجتمع الفرنسي كان جاهزا لتقبله والتصويت عليه بالإيجاب ( 52٪ مع القانون 43٪ ضد القانون 5٪ بدون رأي محدد، حسب إستطلاع مجلة الإكسبرس بعد التصويت على القانون ) وذلك لأن حرية المثليين والمثليات مضمونة أساسا في الدستور الفرنسي وليست محلا لرأي الأغلبية أو الأقلية كما هو الحال فيما يتعلق بمؤسسة الأسرة والزواج.
وفي هذه الحالة، فإن إثارة هذا الموضوع والذي لا يخص الأقلية المثلية فقط، هو ضرورة ملحة وحتمية لخلق مجتمع جديد مبنى على إحترام الآخر مهما كانت توجهاته الفكرية أو الدينية أو شكله أو لغته أو جنسه، مجتمع مبني على العقل والحوار والحياة الآمنة الخالية من الرعب والخوف. وإذا كان المجتمع العربي الإسلامي لا يتقبل هذه الفكرة الآن، ولكي تصبح إمكانية قابلة للتحقيق غدا - أقصد بعد عشرين عاما- فلا بد من البداية الآن وطرح أساسيات المجتمع الذي نريده.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أهالي الأسرى: عناد نتنياهو الوحيد من يقف بيننا وبين أحبابنا


.. أطفال يتظاهرون في أيرلندا تضامنا مع أطفال غزة وتنديدا بمجازر




.. شبكات | اعتقال وزيرة بتهمة ممارسة -السحر الأسود- ضد رئيس الم


.. الجزيرة ترصد معاناة النازحين من حي الشجاعة جراء العملية العس




.. طبيبة سودانية في مصر تقدم المساعدة الطبية والنفسية للاجئين م