الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمة العربية إلى أين؟

فاطمه قاسم

2013 / 4 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


جيد جداً أن يعود الاهتمام من فبل السياسيين و المفكرين على حد سواء إلى الانتباه من جديد إلى مفردات ما تم تسميته بسرعة اسم الربيع العربي، و أن هذه العودة من الواضح انها لا تنطلق من نظرية المؤامرة، و هي نظرية ثابتة وأصيلة في الفكر العربي، و إنما من منطلق القراءة الاكثر عمقا وشمولية لأحداث هذا "الربيع العربي "بعد اكثر من سنتين، و خاصة أن هناك قلق متزايد بخصوص تجربتين هما التجربة المصرية و السورية، و الأخطار الكبيرة التي ماتزال تتفاقم، وعدم وضوح المستقبل ، و عدم بروز اي طرف قادر على أن يقدم ملامح حاسمة للمستقبل.
و قبل ان أطرح مساهمتي في الإجابة عن الأسئلة، دعوني أوجه نقداً شديداً إلى أولئك الذين يتذرعون بعدم استقرار ملامح الوضع بعد أكثر من سنتين، بالتذكير بالذي جرى في الثورة الفرنسية، بصفتها النموذج الأهم في حجم التغيرات الشاملة التي حدثت على مستوى كيان أمة، فأذكر في هذا المصدر أن الزمن السياسي و التاريخي الذي حدثت فيه الثورة الفرنسية يختلف جذرياً عن الزمن السياسي و التاريخي الذي نعيش فيه الآن، لجهة سرعة الاتصال و تكنولوجيا المعلومات و قدرة الأطراف القريبة و البعيدة على التأثير، بالإضافة إلى شكل المصالح الاقتصادية و التحالفات السياسية، و بالتالي فإنه ليس من المفيد اعتبار أن الثورة الفرنسية التي استقرت فيها الأوضاع بعد سبع سنوات أو أكثر، أن هذا بالضرورة يجب أن يتطابق مع ما يحدث في النماذج العربية القائمة الآن و خاصة في مصر و سوريا.
و السؤال الآن:
هل الدولة القومية التي تجسد الكيان السياسي لأمة من الأمم مثل الأمة المصرية أو الأمة السورية مستهدفة أم لا؟
و بناء عليه هل النظام الإقليمي العربي القائم الآن و لو بالحد الأدنى مستهدف بالتغير الحاد إلى درجة خطر الزوال؟
لقد كان أكبر خطر واجهته الدولة القومية العربية بعد الحربين الأولى و الثانية هو قيام دولة إسرائيل، حيث تم اقامة الحواجز لمنع التواصل الجغرافي بين الشمال العربي و الجنوب العربي، و لكن ذلك الخطر أمكن تقليصه إلى حد بعيد من خلال صيغ متعددة توصل إليها سياسيين و مفكرين الأمة، من خلال حصار إسرائيل عبر فكرة الدولة القومية، و عبر النظام الإقليمي العربي، فقد تضامنت الأمة في كل دولها القومية تقريباً أما هذا الخطر، سواء عبر مواجهة أثار الهزائم الكبيرة، حرب فلسطين عام 1948، و حرب حزيران عام 1967، كما تضامنت الأمة في المواجهات التي قامت سواء في حرب عام 1973 أو في دعم ظاهرة الثورة الفلسطينية المعاصرة، و بغض النظر عن كل الثغرات و السلبيات، فإن نفوذ الحركة الصهيونية و دولة إسرائيل لم يتغلغل كما كان متوقعاً، بل عاشت إسرائيل معزولة عن محيطها العربي، و حتى السلام الذي تم عقده معها ظل سلاماً بارداً، أي أنه لم يستقر في اعماق المجتمعات العربية القائمة، بل ظل حالة خارجية تفرضها بعض أشكال العلاقات الدولية فقط.
و لكن الشيء الذي حدث قبل أكثر من سنتين هو أشبه بحدث او وعد غامض لا تأكيد عليه بأي طريقة من الطرق، و هو أشبه بحدث اسطوري لم يره الناس من قبل و لا يعرفون حتى الآن كيفية التعامل معه، و نحن تخطيء كثيرا عندما ندعي او تدعي بعض الاطراف بأن ما يجري في المنطقة الآن كان بعيداً عن اهتمام العديد من الأطراف الدولية ومصالحها، فالكثير من هذه الدول تناقضت مع بعضها، بل تصارعت مع بعضها على أرض بلادنا وبوجودنا في بعض الأحيان، و أن الحديث عن البدائل كما هو موجود كان مطروحاً في ألاف من التقارير و الدراسات و التوصيات الصادرة عن مراكز البحث السياسي التي تعمل لصالح هذه الدول مباشرة.
و هذا شيء آخر مختلف عن نظرية المؤامرة، هذا شيء يدخل في صلب المصالح لتلك الدول الكبرى، خاصة و أن الاضطرابات التي جرت في المنطقة، و ممارسات الإرهاب، و تجارب الإسلام السياسي، قد كلفت تلك الدول ميزانيات ضخمة، و أزمات مالية كبرى، و من الطبيعي أن يتم البحث عن بديل، و كيف يتم ايجاد هذا البديل، و كان الإسلام السياسي جاهزاً ينتظر أن يعرض عليه الدور، و قد جرب بنجاح في افغانستان، و جرب بنجاح في الضغط على بعض الدول القومية العربية في مصر، و الجزائر، وفي سوريا، و ثبت أن لديه جاهزية حين تدعوه الأطراف الدولية للعب الدور المطلوب، لدرجة أنه كان هناك رهانات تقال بصوت مسموع في أميركا و أوروبا تقول" دعونا نجرب الطرف الجاهز القادر على القيام بالمهمة".
أريد أن أذكر هنا:
أن النموذجين المصري و السوري يستحقان التركيز عليهما، لأن الدولة القومية العربية، و النظام الإقليمي العربي كان يتركز لفترة طويلة من الزمن على محور ثلاثي رأسه السعودية و جناحاه مصر و سوريا، و خاصة بعد الذي جرى للعراق و الذي جرى للجزائر في التسعينات، فهذه الدول الثلاثة السعودية مصر و سوريا هي التي تحمي ما تبقى من النظام الإقليمي العربي، و تضع هوامش قوية في السلم و الحرب و بالتالي يجب أن نهتم كثيراً بالمصير الذي ينتظر هذه المناطق الثلاثة، و كيف أن النظام الإقليمي العربي قد يزول فعلياً عن الوجود إذا تعرضت هذه الدول إلى الانهيار، و استبدلت بدول صغيرة متصارعة على خلفيات طائفية و عرقية، ربما لو حدث ذلك – لا سمح الله – فسوف تعود الأسطورة الصهيونية إلى الانبعاث من جديد، لأن إسرائيل بتحالفاتها التاريخية القوية، و بدعمها اللامحدود من الغرب، قد تصبح هي الطرف المقرر الذي يتنافس الأطراف الصغار على الاستقواء به ضد بعضهم.
أقول ذلك:
لأن هناك ميلاً في الفكر السياسي العربي السائد الآن إلى تسطيح الامور وتبسيطها ، و إلى الاستسلام للهروب عبر الشعارات دون الخوض في التفاصيل، و بعد أكثر من سنتين على اندلاع هذه الأحداث – مهما كان اسمها – فإن الأخطار ما تزال محتدمة بقوة، و لا نرى حتى الآن في العديد من المحافل السياسية و الفكرية العربية ما يبشر بخير، فقد أصبح الكثيرون يتوقفون بعمق، و يهتمون بالتفاصيل ليخرجوا بنتائج قد تعفيهم وتعفي شعوبهم من كارثة قد تؤدي الى الزوال ، و مساهمتي هذه هي جزء من تعميق هذا الانتباه، فلا أحد يملك الحقيقة الكاملة و الموضوع متعلق بمصير أمة، و هو موضوع يخصنا جميعاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف


.. ناشطون يستبدلون أسماء شوارع فرنسية بأخرى تخص مقاومين فلسطيني




.. قطر تلوح بإغلاق مكاتب حماس في الدوحة.. وتراجع دورها في وساطة


.. الاحتجاجات في الجامعات الأميركية على حرب غزة.. التظاهرات تنت




.. مسيرة في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وعقد صفقة تبادل