الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن الشرف.. وأشياءه الأخرى

كريم كطافة

2005 / 4 / 18
كتابات ساخرة


في التاسع من نيسان، وبعد رفع سدادة بالوعة الوطن، وحصول ذلك الهياج الماراثوني لروائح وعطن وعفونة السنين، حلقت في سماء الوطن نجوم كثيرة، كان الأبهى فيها والأكثر تداولاً في سوق الأخلاق وبلا منازع، نجم الشرف. عمل عليه منظرون كثر لم يكتفوا بتعداد مناقب وآثار فحسب، بل قدموا براءات اختراع لنظريات جديدة، تقول بإمكانية خروج الزهرة من الغائط..!! ربما الحق معهم، لأن النظرية صحيحة علمياً.
وبعد هبوب رياح الديمقراطية والحرية والسوق الحر، اثر تراجع عواصف الحرب، وبدلاً من تحرير سعر صرف العملة الوطنية( حيث لا عملة وطنية أصلاً، كان بدلها ورق مطبوع لا يسمن ولا يغني)، تم تحرير سعر صرف الشرف. ومنذ ذلك الحين لم تعد لمفهوم الشرف حقوق ملكية فكرية أو أخلاقية أو حزبية. أصبح مفهوماً نزقاً، مشاغباً، متمرداً على كل أطر التعريف، لا يريد أن يكون إلا طويلاً وعريضاً ومطاطاً وفضفاضاً وملعوب بخلقته لعب. عليه، كثر الشرفاء مكتفي الواحد منهم بشيء من تلك الهالة المتشظية في الآفاق، على قاعدة تقول: ليس من المعقول أن يسيطر فرد على كل الشرف ويترك باقي الأمة بلا شرف. وهو أمر أقرب إلى منطق نظرية التوافق المعاصرة أو لنقل عدالة التوزيع. هكذا، غدا الجميع شرفاء وماكو أحد أحسن من أحد.. القاتل الذي أطلق رصاصتين فقط في ساحة الإعدام على جثة العراقي المسجاة، كان شريفاً، لأنه اكتفى بالرصاصتين بينما زملاءه لم يكتف الواحد منهم بمخزن من الإطلاقات.. والمسؤول الحزبي الذي مرر من بين يديه آلاف التقارير التي أرسلت ألوف العراقيين إلى المقابر الجماعية، كان شريفاً، لأنه كان يشعر مع كل تقرير بنغزة في القلب وفي رواية أخرى بوخزة في الضمير.. والشرطي-اللص (وهذه وظيفة انتشرت في تلك السنين العجاف) الذي كان يسرق في الليل ويستقبل الضحية في النهار، كان شريفاً، لأنه كان لا يتوان عن تسجيل الدعوة ضد مجهول، على الأقل جبراً لخاطر الضحية، وكان ذلك أرحم من عدم تسجيل أي دعوى، بل هو حتى يواسي الضحية وهناك من الشرفاء اللصوص من يعيد للمسكين الضحية شيئاً من أسلابه.. والموظف المرتشي، كان شريفاً، لأنه كان يتبع منهج فلسفي خاص بالرشوة يقول: من كل حسب جيبه. لذلك كان يكتفي بورقة أو اثنتين أو عشرة على هوى الجيب، على خلاف موظفين غير شرفاء كانوا لا يكتفون إلا بتعرية الضحية وذويه ربي كما خلقتني.. وأعضاء قيادة البعث كلهم كانوا شرفاء، لأن قائدهم الأعلى كان دكتاتوراً يحصي عليهم أنفاسهم.. ومن مآثر شرفهم أنهم كانوا جميعاً ضد الدكتاتور، إنما بقلوبهم، منسجمين تماماً مع منطق تلك الآية القرآنية حول المعارضة بالقلب.. وأخيراً وربما ليس آخراً، أن حارس البالوعة الأول كان هو الآخر شريفاً، لأنه لم يفعل ما فعله بالعراقيين إلا دفاعاً عن شرفهم. وهذا ما يحاول كل محامي من عرمرم محاميي العروبة من الماء إلى الماء تثبيته في دليل البراءة.
هكذا وعلى مدى سنتين توطنت آذاننا على سماع مقولة البعثي الشريف والبعثي غير الشريف أو البعثي الصدامي والبعثي غير الصدامي.. وبما أن البعثي الشريف أو غير الصدامي هم كلهم بما فيهم صدام نفسه، ظل البعثي غير الشريف أو غير الصدامي مفقوداً، هلامياً، غامضاً ومشكوكاً بوجوده أصلاً. لا المحكمة المشكلة خصيصاً له عثرت عليه ولا حتى اللجنة التي قالت بالاجتثاث عثرت عليه. وعلى ذكر لجنة الاجتثاث؛ ومنذ انبثاق سرها، قعد لها ركبة ونص حزب طويل عريض بصلعة بهية لامعة قيل أن اسمه كان في بداية اللعب (حزب الشرفاء)، لكن ومع تطور العملية السياسية وتفشي الشرف على نطاق واسع، أصبح بحاجة إلى تمييز نفسه، لذلك سيكون اسمه من الآن (الحزب الوطني العراقي الموحد)، تمييز هذا الحزب بقصر برامجه قياساً إلى البرامج الطويلة والمملة لبقية الأحزاب، حتى أن برنامجه الحالي لا يتعدى جملة واحدة، هي: اجتثاث الاجتثاث..!! على وزن المنولوج الفلسفي القديم (تهافت التهافت)، لأن رئيس الحزب كان مولعاً بالفلسفة العربية الإسلامية، وهو دائماً يستحضر أجواء وحيثيات أول وآخر معركة فلسفية قبل أن يغلقوا باب الاجتهاد بالشمع الأحمر، تلك التي حمى وطيسها بين (ابن رشد) و(الغزالي).
من مآثر الحزب الجديد، أنه إلى جانب بعض هيئات القتل والخطف والتفخيخ المقدس، وبعد دخول أحد أحفاد شريف مكة على خط الشرف الجديد، بدأوا ببرنامج كذلك قصير لكنه طموح، أسموه: تحفة النفس الشريفة في التمييز بين الإرهاب والمقاومة الشريفة..!!
أما كيف تتوصل النفس الشريفة إلى هذا التمييز، فالجميع وبعد الاتكال على الله، قرروا: أن المبدأ الأكثر شيوعاً (ليس من الشيوعية في كل الأحوال) للفرز بين المقاومة الشريفة وغير الشريفة هو مبدأ (إنما الأعمال بالنيات)، أولاً أن هذا المبدأ هو مبدأ رباني غير بشري وبالتالي هو غير قابل للخطأ، وثانياً أنه قطعي الدلالة باتفاق جميع المفسرين.
واعتباراً من الآن، ولكثرة الشرفاء سيولد مصطلح جديد مركب هو شريف عادي وشريف قح..!! الشريف العادي هو كلنا، جماهير الحل السلمي لأزمة بلدنا المحتل، أما الشريف القح؛ فهو الذي يعمل وفق مبدأ (إنما الأعمال بالنيات). مثلاً، حين يقتل البشر من أبناء بلده بالجملة والمفرد في الشوارع والمساكن والمؤسسات، في مجازر صغيرة وكبيرة تكاد تكون يومية، هو شريف قح..!! لماذا؟ لأنه كان يبتغي أولاً مرضاة الله وثانياً كان يستهدف رتلاً أمريكياً مر من هنا قبل يومين.. والمكان الذي يدخله رتل احتلالي بالضرورة يصبح غير آمن.. وأن من يخطف الأطباء والأساتذة والصحفيين من عراقيين وأجانب ويخطف الأطفال من مدارسهم هو شريف قح..!! لماذا؟ لأنه يبتغي الحصول على مال يمول به عمليات المقاومة الوطنية الشريفة.. إذ لولا هذه الوسيلة لربما (لا سامح الله) سيضطر لاستجداء الدعم المالي من الاحتلال هل هذا معقول..!؟ وأن من يخرب البنية التحتية للدولة الجديدة من شوارع وسكك حديد وكهرباء وأنابيب نفط ومستشفيات ومؤسسات حكومية وغيرها هو شريف قح..!! لماذا؟ لأنه يبتغي تحريك الدماء في عروق العراقيين الخاملين للنزول إلى ساحة الجهاد.. إذ يجد المواطن بيته أظلم ورزقه أدهم وأطفاله يبحثون في القمامة، عندها ستتحرك الدماء في عروقه حسب النظرية الشريفة للمقاومة الشريفة.. وأن من يستهدف الشرطة والحرس الوطني هو شريف قح..!! لماذ؟ لأن هؤلاء عملاء يريدون تثبيت الأمن والاستقرار للبلد، الأمر الذي سيجبر المحتل على الرحيل سريعاً بعد أن تنتفي أعذاره المعلنة.. بينما خطط الشرفاء القحيين وحسب أوامر ربانية وصلتهم بالموبايل؛ هي تثبيت الاحتلال في البلد أطول مدة ممكنة ليتسنى للأخوة الجيران تدبير أحوالهم، وفي كل الأحوال الله أوصى بسابع جار.. ما بالك بالأول والثاني إلى حد الخامس.. لكل هذه الوقائع التي تفقأ العين والقلب.. أفكر أنا الآخر بطلب الانتماء إلى جبهة الشرفاء القحيين.. ما رأيك أنت عزيزي القارئ..؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان