الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حول البطالة في عصر الامبريالية

توما حميد
كاتب وناشط سياسي

2013 / 4 / 28
ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي


من المعروف ان البطالة هي ظاهرة ملازمة وضرورية لأسلوب الانتاج الراسمالي. وتعتبر البطالة بخلاف تناقضات مثل التسبب في التغير المناخي واغتراب الانسان احد تناقضات النظام الاقتصادي الرأسمالي التي يمكن التحكم بها الى حد ما، اي يمكن التاثير على نسبتها على الاقل لحد الان من خلال ممارسات الطبقة البرجوازية و سياسات حكوماتها ومؤسساتها العالمية والمحلية. لست بصدد الحديث عن هذه الظاهرة في ظل النظام الرأسمالي من وجه نظر الماركسية بصورة عامة. اعتقد ان الادبيات الماركسية وحتى مداخلات الكتاب في موقع الحوار المتمدن واضحة ولكن اود ان اتحدث عن طبيعة البطالة في عالم اليوم بالذات ومايميزها عن اي فترة سابقة من تاريخ الرأسمالية.
لفهم طبيعة ظاهرة البطالة في الوقت الحاضر يجب الحديث عن فترة معينة من تاريخ تطور الرأسمالية اي السبعينات من القرن العشرين. في هذه الفترة حدث تغير هام على النظام الاقتصادي الرأسمالي. الكثير من المحللين و السياسيين والكتاب والباحثين وخبراء الاقتصاد يشتركون في رأي ان تغيرا هاما طرأ على النظام الرأسمالي في تلك الفترة ولكن الاراء مختلفة عن طبيعة هذا التغير. قبل ان اشرح طبيعة هذا التغير من وجهة نظري والذي باختصار هو توقف اجورالعمال في اكبر مركز راسمالي، اي الولايات المتحدة عن الزيادة وفرض ظروف الانتاج الامبريالية على الطبقة العاملة في المراكز الرأسمالية العالمية اتطرق الى وجهات النظر البرجوازية الشائعة.
هناك وجهات نظر برجوازية عديدة حول طبيعة هذا التغير التي تنطلق كلها من وجهة نظر الرأسمال وهي بطبيعتها تتحدث عن مظاهرالتغير الجوهري الذي حدث في السبعينات وليس عن التغير نفسه كما ان حلولها تنطلق من مصلحة الرأسمال. كل تلك الميول البرجوازية تدعو الى العودة الى "الرأسمالية الحقيقية" التي هي ضرب من الخيال، فالرأسمالية الحقيقية هي مانجده امامنا اليوم. اهم وجهات النظر تلك حول طبيعة هذا التغير هي التي تقدمها المدرستان البرجوازيتان الاساسيتان وهي المدرسة الكينزية و المدرسة النيوكلاسيكية التي تطرقت اليها في مقال اخر. انصار الكينزية يعتقدون بان هذا التغير المهم كان وصول التاتشرية و الريغانية الى الحكم وتقليص تدخل الدولة في تنظيم الاقتصاد واعطاء دور اهم للرأسمال المالي مقابل الرأسمال الصناعي والغاء الكثير من القوانين التي نظمت عمل البنوك والرساميل والاحتكارات الكبيرة مما فتح المجال امامهم بالقيام بالمضاربات وباستثمارات محفوفة بالمخاطر وغيرها من السلوكيات التي ادت الى الازمة الحالية والى اثقال كاحل الدولة بالديون. والحل هو تدخل اكثر للدولة في تنظيم الاقتصاد وفي فتح مشاريع قطاع عام توظف نسبة من الطبقة العاملة التي ليس بمقدورالقطاع الخاص توظيفهم اما من خلال المزيد من الديون في وقت الازمة بالنسبة للذين لايعتبرون الدين العام مشكلة او من خلال زيادة معينة في الضرائب وخاصة على الاغنياء بالنسبة للذين يعتبرون الدين المتراكم على الدولة مشكلة كبيرة.
من الصحيح ان وصول التاشرية والريكانية الى الحكم كان امر هاما والظواهر الاخرى مثل ازالة القوانين وبروز دور الرأسمال المالي هي مسائل حقيقية ولكن وصول الريكانية والتاتشرية الى الحكم هو تغير فوقي وهو انعكاس لتغير في البنية التحتية اي في العلاقة بين العامل والرأسمال. ومن جهة اخرى في الفترة الاخيرة اي بعد انفجار الازمة الحالية في نهايات 2007 شهدنا نوع من تدخل واسع للدولة في الاقتصاد وقد جربت الدولة في الكثير من البلدان اجراءات متعددة منها تخفيض معدل الفائدة و ضخ المزيد من الاموال الى السوق و انقاذ البنوك وفتح مشاريع قطاع عام كما في الولايات المتحدة كجزء من خطة تحفيز الاقتصاد وضمان الرهون العقارية من قبل الدولة قبل القيام باجراءات التقشف وترشيق مؤسسات الدولة ولكن لم تحل اي من مشاكل الاقتصاد الرأسمالي بما فيها البطالة. ان نسبة البطالة في امريكا قبل بدء الازمة كانت 4.6 بينما في الوقت الحاضر هي 7.6%. في الحيقية البطالة انخفضت الى هذه النسبة نتيجة توقف الكثر من الناس عن البحث عن العمل. اذا اخذنا بنظر الاعتبار عدد العمال المحبطين، اي الذين توقفوا عن البحث عن العمل وعدد المجبورين على العمل في اعمال جزية ( اي عدد ساعات في الاسبوع اقل مما يرغبون بها) والذين يعملون في فترات متقطعة من السنة فان نسبة البطالة في الولايات المتحدة تصل الى 18%. وفي اسبانيا بلغت نسبة البطالة 27.1% في حين ان نسبة البطالة في قمة الكساد الكبير في الولايات المتحدة كانت 25%.
بالطبع هناك جدال واسع حول طبيعة هذه الاجراءات التي قامت بها الدولة و اسباب عدم فعاليتها من وجهة الكنزيين ومعارضيهم منها كان يتوجب على الدولة توجيه الاموال لانقاذ المواطنين اصحاب البيوت وليس البنوك او الى المزيد من مشاريع قطاع عام بدلا من دعم البنوك والشركات الكبرى. ومن الصحيح ان بعض الاجراءات لاتؤدي الى النتائح المرجوة فمثلا ان تدخل الدولة في انقاذ البنوك وشركات التحوط والاحتكارات الكبيرة من الافلاس والانهيار من خلال دفع المليارات من اموال الضرائب لها كان يهدف اضافة الى منع النظام من الانهيار الى زيادة التوظيف على اساس ان هذه المؤسسات عندما تحصل على هذه الاموال ستقوم باستثمارها والى توظيف الملايين من العمال وبالتالي الى انتعاش الاقتصاد ولكن في الواقع ان هذه السياسة لم تؤدي الى زيادة الوظائف حيث ان دفع الاموال الى تلك المؤسسات ادى الى انتعاش في قيمة اسهمها وانتعاش البورصة ولكنها لم تقم باستثمار تلك الاموال وخلق الوظائف، ليس لقلة الاخلاق بل نتيجة قوانين اقتصادية محددة. من السخرية ان اكثر اموال التي دفعتها الدولة الى تلك المؤسسات تم توظيفها في سندات الدولة نفسها ( اي ان الدولة تدفع الاموال المديونة الى تلك المؤسسات لتستثمرها في سندات الدولة نفسها لكي تعيد الدولة في النهاية دفعها لهم مع ارباح). اذ ليس كل من يملك رأسمال يوظفه ويسعى من اجل تحقيق الربح من خلال شراء قوة العمل. لقد تقلصت فرص الاستثمار امام الرأسماليين الى حد واصبح الاستثمار من الخطورة بحيث يقوم الكثير منهم بتوظيفها في سندات حكومات موثوقة من الناحية المالية مثل المانيا رغم ان هذا يعني ان صاحب الرأسمال يخسر 1% من ثروته سنويا نتيجة انخفاض نسبة الفائدة والتضخم. ولكن بنظري رغم كون تلك الجدلات في محلها من وجهة نظر الطبقة الحاكمة ومن الممكن ان النتائج لكانت مختلفة الى حد بسيط لو كانت الاجراءات بشكل اخر الا ان كل ماقمت بها الحكومات كان ضروريا من وجهة نظر الرأسمال. لو لم يتم انقاض البنوك والشركات الكبرى لانهار الاقتصاد الرأسمالي. كما ان عدم القيام بمشاريع قطاع عام بشكل اوسع يعود الى الديون الهائلة التي تراكمت على الدولة في المراكز الرأسمالية العالمية وزيادة الضرائب على الرأسماليين والشركات الاحتكارية قد يدفعها الى ترك البلد والتوجه الى الدول التي تفرض ضرائب قليلة وغيرها.

من جهة اخرى انصار المدرسة النيوكلاسيكية وخاصة الذين ليسو في موقع السلطة يعتقدون بان المشكلة هي ان الرأسمالية في الوقت الحاضر هي رأسمالية مشوهة نتيجة تدخل الدولة وترهلها ووجود قوانين كثيرة تشوه عمل السوق ونتيجة وجود النقابات التي تفرض شروط كثيرة على الرأسمال وحصول الطبقة العاملة على الكثير من الحقوق اكثر مما يتحملها النظام. اذ يقف البعض منهم ضد حزم انقاذ البنوك ويدعون الى خفض الضرائب وتقليل الاجور والقضاء على النقابات وعلى اي نضال عمالي و العودة الى "الراسمالية الحقيقية" التي تعتمد على اليات السوق والتي تمكن الرأسمال من التفرد بالعامل كفرد. اي بمعنى اخر يطالبون بالمزيد من التاتشرية والريكانية. فحسب هذا المعكسر اذا دعنا السوق يعمل فكل شيئ سيكون على مايرام!. اذ سيقوم الرأسماليون بما هم جيدون فيه، اي الاستثمار وتوظيف الناس. ولكن تاريخ الرأسمالية الحديث يدحض هذا الافتراض اذ ان افضل فترة في تاريخ الرأسمالية من ناحية استقرارها ومن ناحية المكاسب التي حققت للطبقة العاملة والجماهير بشكل عام بما فيها نسبة بطالة متدنية وشهد الاقتصاد نمو متواصل وبمعدل عالي كانت الفترة بين الحرب العالمية الثانية والسبعينيات من القرن الماضي التي شهدت تدخل كثيف من الدولة وكانت هناك الكثير من القوانين التي نظمت الحياة الاقتصادية وكانت هناك نقابات وحتى احزاب يسارية قوية. كما ان حاليا الدول الاسكندنافية التي لاتزال الدولة تتدخل في الاقتصاد اكثر من بلد مثل امريكا و الكثير من الدول الاخرى هم في وضع افضل.
والبعض من اليسار القومي والستاليني في الغرب وحتى في العالم العربي يعتقد بان النظام الرأسمالي قد انهار بالفعل او وصل الى وضع لايحسد عليه نتيجة التوقف عن كونه نظاما راسماليا لانه توجه للاستثمار في انتاج الخدمات وليس في الانتاج البضاعي مما يؤدي الى تحول قسم كبير من العمال الى العمل في الخدمات، اي بمعنى اخر ادى الى قلة عدد العمال الذين ينتجون فائض قيمة وارتفاع عدد ابناء البرجوازية الصغيرة غير المنتجة بل المستهلكة لفائض القيمة. او لان الولايات المتحدة والمراكز الرأسمالية الاساسية مدينة للخارج او لانها لاتستطيع توفير غطاء لعملتها الوطنية او انها فقدت سيادتها الوطنية واستقلالها!
رغم انني لست متفائلا بمصير البشرية تحت حكم النظام الرأسمالي ولكن هذا النظام لم ينهار بل لايزال يحكم كل زاوية من زوايا العالم. عندما ينهار نظام اقتصادي واجتماعي لابد ان يحل محله نظام اخر وهو امر لم يحدث في اي بقعة من العالم. بنظري البشرية في ظل النظام الرأسمالي سوف يحكم عليها اما بالهلاك من خلال الجوع والفقر والمرض والحروب والتقهقر المعنوي نتيجة للازمة الاقتصادية التي لايوجد اي دليل بان النظام الرأسمالي قادر على تجاوزها او من خلال الهلاك نتيجة الكوارث الطبيعية الناتجة عن التغير المناخي اذا تمكن النظام من الانتعاش والنمو والذي لابد ان يعتمد على زيادة هائلة في الاستهلاك.
ان كل المشاهدات من مثل زيادة الاستثمار في الخدمات وزيادة الديون المتراكمة على الدولة وغيرها هي كلها صحيحة ولكنها كما قلت هي نتائج لتغير في البنية التحتية الذي هو سبب الازمة الحالية ايضا. اولا مايهم هذا الميل اليساري القومي هو ليس العامل ومصير البشرية بل السيادة الوطنية وقوة العملة وغيرها. ثانيا هؤلاء ينسون ان هناك شيئ اسمه العولمة. ينسون عندما نتحدث عن عدد العمال الذين يعملون في الانتاج مقابل الخدمات يجب اخذ بنظر الاعتبار عدد العمال العاملين في الانتاج البضاعي في الصين والهند وبنكلادش واندونيسيا والفيتنام والعشرات من الدول الاخرى. ان 60% من البضائع التي تصدر من الصين الى امريكا هي من انتاج الاستثمارات الامريكية نفسها. من المهم معرفة ان ليس كل فائض القيمة تحقق من قبل الراسمالي المنتج للبضاعة بل ان قسم منها يحققها الرأسمالي الذي يمول المشروع والرأسمالي الذي ينقل ويخزن ويسوق البضاعة. ان جزء كبير من القمية الفائضة للبضاعة المصدرة من الصين الى امريكا تحققها اسواق وول مارت الشهيرة. وهذه هي احدى المسائل الاساسية التي تشتكي منها البرجوازية الصينية. وينسون ان القوة الانتاجية في الوقت الحاضر هي اضعاف القوة الانتاجية قبل السبعينات مما يعني انه لايمكن توظيف كل الرأسمال في انتاج البضائع وهذه هي احدى مشاكل الرأسمالية العالمية. ثالثا ان هذا الميل لايعطينا اي تحليل مقنع حول تلك الظواهر. لماذا تضطر الدولة في امريكا الى تركيم دين بقيمة 17 ترليون او يضطر الرأسمال الى الاستثمار في الخدمات وغيرها غير اعطاء تفسيرات اخلاقية مثل غباء القادة او خيانة الحكومات مثلها مثل التفسيرات الاخلاقية التي تعطى حول انهيار الاتحاد السوفيتي مثل خيانة خروشوف وقيادة الحزب الشيوعي لقضية الثورة الاشتراكية وغيرها من الترهات.
في الحيقية كل التفسيرات البرجوازية للازمة والبطالة وغيرها فيها جانب اخلاقي حيث يلقي باللائمة في المطاف الاخير على شخص معين او شريحة صغيرة من المجتمع مثل رئيس معين او مدراء او مجالس ادارة البنوك والاحتكارات مثلما يلقي البعض باللائمة على العمالة المهاجرة وغيرها. لذلك فالكثير منهم يعتقدون بانه اذا تدخلت الدولة في تنظيم الاقتصاد ووضعت قواعد معينة على عمل مدراء ومجالس ادارة البنوك والاحتكارات او غلقت الحدود امام الهجرة سيكون كل شيئ على مايرام! انهم ينسون ان كل مايقوم به مدراء ومجالس ادارة البنوك والاحتكارات هو ادء وظيفتهم في ظل قوانين نظام اقتصادي معين، اي تعظيم ارباح مؤسساتهم والنظام الاقتصادي وقوانينه هي التي تعطي اهمية للراسمال المالي مقابل الرأسمال الصناعي ويدفع بهؤلاء المدراء ومجالس الادرات بالقيام بمايقومون به. اي المسالة هي مسالة نظام وليست مسالة افراد وحتى شرائح معينة في المجتمع.
في الحيقية في السبعينات من القرن العشرين حدث امر أهم من كل مايقال من قبل مفكري البرجوازية بما فيه طبع النقود بدون غطاء او انسحاب الدولة من الحياة الاقتصادية او التوقف عن الاستثمار في الانتاج البضاعي وهو ان لاول مرة في تاريخ امريكا كاكبر مركز للرأسمالية توقفت اجور العمال عن الارتفاع. ففي الفترة بين 1820 -1970 اي لمدة 150 سنة كان هناك ارتفاع مستمر في الاجور بموازاة الزيادة المستمرة في القوة الانتاجية. ونفس الشيئ حدث تقريبا ولكن بدرجات متفاوتة في المراكز الرأسمالية العالمية الاخرى. لمدة 150 سنة كان هناك زيادة مستمرة وبشكل سنوي في القوة الانتاجية رافقتها زيادة مستمرة في الاجور وان لم تكن بشكل سنوي. فبعد كل عقد على الاقل كانت الاجور اعلى من العقد الذي سبقه. اي ان الطبقة العاملة شاركت الرأسمال الى حد ما في جني ثمار الزيادة في القوة الانتاجية. لقد حدث هذا الامر في الولايات المتحدة بشكل خاص لانه كان هناك نقص مزمن في عرض القوة العاملة ولذلك قام الرأسمال المستثمر في امريكا بتشجيع الهجرة في البداية من اوربا ومن ثم من كل انحاء العالم عن طريق دفع اجور اعلى من اي مكان اخر في العالم. لقد كانت امريكا لفترة طويلة هي المركز الصناعي العالمي كما هي الصين اليوم. وقد ساعدها في ذلك تفوقعها التكنلوجي في مراحل معينة كما ان رغم مشاركتها في الحرب العالمية الا ان اراضيها وبنيتها التحتية لم تتعرض للتدمير مثل ماحدث لليابان والمانيا وغيرها.
ان الزيادة في القوة الانتاجية بعد السبعينات حدثت بوتيرة اكبر ولكن في السبعينيات من القرن العشرين توقفت الاجور عن الارتفاع لانه حدث خلل كبير بين العرض والطلب على قوة العمل لعدة اسباب ولكن اهمها دخول الكومبيوتر في الصناعة بشكل مكثف حيث اصبح بامكان عامل واحد في بعض الفروع الانتاجية القيام بوظيفة عشرات بل مئات العمال والامثلة كثيرة لااجد حاجة للدخول فيها. والسبب الثاني الذي ادى الى زيادة في عرض قوة العمل كان زيادة عولمة الاقتصاد العالمي. العولمة كانت دائما صفة من صفات الاقتصاد الرأسمالي وكانت موجودة قبل السبعينات من القرن العشرين وحتى في سنوات الحرب العالمية الثانية كان دائما هناك راسمال مستثمر في الدول "العدوة". ولكن في السبعينات اخذت العولمة مديات لم نشهدها من قبل وخاصة مع فتح الصين والكثير من الدول الاخرى حدودها امام الرأسمال العالمي وتوقيع مجموعة من الاتفاقات الدولية التي ادخلت العولمة في مرحلة جديدة. والرأسمال بعكس اليسار القومي لايهمه الهيبة والعزة الوطنية وغيرها من المفاهيم القومية بل يهمه الربح، لذا وجدنا انتقال هائل للرأسمال من امريكا ومن المراكز الرأسمالية المتقدمة الاخرى الى دول مثل الصين والهند وغيرها بسبب رخص القوة العاملة في تلك الدول ونتيجة المنافسة الشرسة بين المراكز الرأسمالية الاساسية مثل امريكا و اليابان واوربا بعد تعافي اليابان والمانيا من اثار الحرب العالمية الثانية. والسبب الثالث كان استمرار الهجرة الى امريكا. والسبب الرابع كان دخول المرأة الى سوق العمل بشكل واسع. والخامس كان ضعف الطبقة العاملة ومنظماتها والقوة الشيوعية عالميا وداخل امريكا نفسها.
ان زيادة في عرض قوة العمل بحيث فاق الطلب في امريكا ادت الى ركود الاجور. اذ ان الاجور الحقيقية في امريكا اليوم اقل من الاجور في عام 1973. وهذا اجبر الطبقة العاملة التي تعودت على ارتفاع اجورها وعلى مستوى معين من المعيشة على مر قرن ونصف القرن على القيام بامرين: اولا زيادة ساعات العمل والدفع بعدد اكبر من افراد العائلة للدخول في سوق العمل. ففي اخر ثلاثة عقود زادت عدد ساعات العمل التي يؤديها العامل في امريكا بمعدل 20% في وقت ان عدد ساعات العمل في معظم دول اوربا انخفضت حتى انفجار الازمة الحالية بمعدل 20% في نفس الفترة. والامر الثاني هو ان الطبقة العاملة في امريكا اضطرت الى اللجوء الى الدين بشكل لايوجد له مثيل في العالم عدا كوريا الجنوبية. زيادة الدين وساعات العمل ادت الى اجهاد الطبقة العاملة والانسان الامريكي واغترابه وظهور الكثير من الامراض الاجتماعية التي يمكن التطرق اليها في مكان اخر. من جهة اخرى ان هروب الرساميل الى الدول الاخرى اجبرت الحكومات المتعاقبة على تخفيض الضرائب من اجل تشجيع الرساميل على البقاء داخل البلد. ان توقف الاجور عن الارتفاع ومايعنيه من انخفاض الطلب على البضائع وخاصة الغالية المصنعة داخل امريكا وانخفاض الضرائب ادت الى الكثير من المشاكل التي تعاني منها الدولة اليوم والتي هي ليست موضوع هذا البحث.
ماذا يعني توقف الاجور عن الزيادة؟ يعني كما قلت ان ظروف الانتاج الامبريالية قد فرضت على الطبقة العاملة في الدول الامبريالية نفسها. وهذا هو اهم تغير حدث منذ السبعينات من القرن العشرين.
انا اتحدث عن الامبريالية ليس من وجهة نظر اليسار القومي او اليسار الهامشي بل من وجهة النظر الماركسية ومن منظور لينين ومنصور حكمت للامبريالية. لينين ومنصور حكمت نظرا الى الامبريالية كعلاقة بين الرأسمال والعمل الماجور. في نظر لينين لقد كانت مسالة الاحتكار وتغيب الية العرض والطلب اساسية في تحديد هذه العلاقة بين الرأسمال والعمل الماجور. وتقوم الامبريالية بنظر لينين بتصدير الرأسمال الاحتكاري. اما اضافة منصور حكمت لموضوع الامبريالية هي مسالة ان تحديد العلاقة بين الرأسمال والعمل الماجور وبالتالي اجور وحقوق العمال في الدول المتاخرة التابعة للامبريالية ليس من خلال العرض والطلب بل من خلال القمع السافر وحقيقة عالمية النظام الرأسمالي الامبريالي اي ان من مصلحة كل الرأسمال الاجتماعي الحفاظ على قوة عمل رخيصة في الدول التابعة للامبريالية من خلال القمع ومسالة عدم وجود برجوازية وطنية تقدمية في عصر الامبريالية.
فالامبريالة حسب مفهوم لينين ومنصور حكمت هي اعلى مراحل الرأسمالية. وهي مجموعة علاقات الانتاج اي العلاقة بين كل الرأسمال الاجتماعي والعمل الماجور وبين البرجوازية والطبقة العاملة على مستوى العالم. انه نظام لاستغلال وقمع كل الطبقة العاملة من قبل كل الطبقة البرجوازية.
في ظل الرأسمالية في المرحلة الامبريالية التي تحكم كل زوايا الكرة الارضية، العالم بشكل عام مقسم الى دول متطورة امبريالية مهيمنة والتي تمكنت لاسباب تاريخية من تحقيق مستويات عالية من تراكم الرأسمال. والى دول متاخرة وتابعة فيها الرأسمال وظروف استثمار الرأسمال والعلاقة بين العمل الماجور والرأسمال هي تابعة للامبريالية. في الحيقية في ظل الامبريالية كل بلد او مجموعة بلدان لها موقع معين. ولكن بشكل عام الدول المتطورة تعمل كمصدر لتصدير الرأسمال و بضائع مصنعة التي تحتوي على قيمة مضافة عالية مثل الالات المتطورة والدول الفقيرة هي مصدر للمواد الاولية وقوة عمل رخيصة. في الدول المتاخرة الظروف التي تحتها يتم انتاج فائض القيمة هي ظروف امبريالية وتحت هيمنة الرأسمال الاحتكاري وهذا يعني ان الاستغلال المفروض على الطبقة العاملة وكمية القيمة الفائضة المنتجة من وحدة قياسية واحدة من العمل الماجور لايمليها العرض والطلب بل القمع والدكتاتورية. من اجل المحافظة على حد عالي من الاستغلال، البرجوازية في الدول المتاخرة تحتاج الى الدكتاتورية السافرة لقمع الطبقة العاملة. لذلك الديمقراطية البرلمانية تتناقض من نمط الانتاج الامبريالي في الدول المتاخرة التابعة للسيطرة الامبريالية . والدكتاتورية هي صفة كل النظام الرأسمالي التابع بغض النظر عن اي جناح من البرجوازية يحكم ي تلك الدول وهي في مصلحة كل الرأسمال المحلي والعالمي. هنا الامبريالية تعني توفير الشروط العامة لانتاج واعادة انتاج كل الرأسمال الاجتماعي في الدول المتخلفة وعلى مستوى العالم.
كما قلنا تحت حكم الرأسمالية الاحتكارية، تتوقف الية العرض والطلب عن العمل الى حد كبير لذا فان مقدار الاستغلال المفروض على الطبقة العاملة والكادحين في اي مجتمع تحدد من قبل توازن القوى بين الطبقة العاملة والطبقة الحاكمة.
الدول الرأسمالية المتقدمة مرت خلال مرحلة الرأسمالية الكلاسيكية اي راسمالية ماقبل المرحلة الاحتكارية حيث كانت الطبقة العاملة قادرة على انجاز توازن قوى معين ضد البرجوازية بحيث ان البرجوازية ليس لديها قوة مطلقة وللطبقة العاملة بعض الحقوق والحريات التي لايمكن القضاء عليها بسهولة والبناء الفوقي السياسي في تلك الدول هو الديمقراطية البرلمانية البرجوازية. ولكن الدول المتخلفة دخلت مرحلة الرأسمالية عندما كانت الرأسمالية عالميا في المرحلة الاحتكارية: القمع والاحتكار حل محل الديمقراطية البرجوازية والمنافسة ولذلك فان الطبقة العاملة في تلك الدول هي في موقع ضعيف في مواجهة البرجوازية. في تلك الدول البرجوازية قادرة على فرض استغلال سافر على الطبقة العاملة من خلال انظمة قمعية. بهذا الشكل الرأسمالية في الدول المتخلفة تضمن وجود وتراكم الرأسمال بمعدلات ربح عالية من خلال الدكتاتورية، اي ان النظام السياسي الفوقي هو الدكتاتورية. وكان بامكان البرجوازية ككل( في الدول المتخلفة وعالميا) حتى الان من الابقاء على معدلات عالية من الاستغلال في الدول المتخلفة وعلى البناء الفوقي السياسي المطلوب اي الدكتاتورية. ان ظروف الانتاج الامبريالية تخدم كل البرجوازية بما فيها البرجوازية في الدول المتخلفة لذا لايوجد برجوازية معادية للامبريالية. ان مسالة البرجوازية الوطنية التقدمية هو وهم.
من جهة اخرى، مع الوقت يميل معدل الربح تحت الرأسمالية الى الانخفاض، لذا فان الابقاء على الدول المتخلفة كمصدر لقوة عمل رخيصة والابقاء على الاجور منخفضة من خلال فرض اجراءات صارمة التي تمنع العمال من النضال من اجل تحسين ظروف العيش والعمل مسالة مهمة لمنع معدل الربح من الانخفاض. اي ان من مصلحة الطبقة البرجوازية في الدول المتقدمة ايضا ان تضمن ان حصة الطبقة العاملة من الانتاج وزيادة القوة الانتاجية في الدول المتخلفة هي في حدها الادنى. لهذا فان الادعاءات الغربية بصدد الديمقراطية هي فارغة.
منذ السبعينات ان ظروف الانتاج الامبريالية بدأت تفرض تدريجيا على الطبقة العاملة في المراكز الرأسمالية العالمية وفي مقدمتها امريكا. في الدول المتقدمة فرض ظروف الانتاج الامبريالية يعني ان الاجور لاتزداد بموازاة الزيادة في القوة الانتاجية وان المستوى المعيشي يتراجع بدلا من ان يتحسن، رغم الزيادة في القوة الانتاجية. هذا لايتم من خلال القمع السافر بل من خلال ميكانيزمات اخرى.
كان للعولمة دور حاسم في هذا الامر. كما ان الاحتكار في بعض الميادين الانتاجية والخدمية يمكن البرجوازية من تحقيق تراكم الرأسمال عن طريق نزع الملكية من الطبقة العاملة اي ان حتى الاجور القليلة التي يحصل عليها العامل يتم انتزاعها عنه من خلال الخدمات التي تحدد اسعارها الاحتكارات مثل خدمة الهاتف او سعر الوقود او سعر مواد الاكل وغيرها ومن خلال خلق فجوة كبيرة بين القيمة التبادلية والقيمة الاستعمالية للبضاعة مثل اسعار البيوت ممايخلق فقاعة عندما تنفجر وتصبح القيمة التبادلية قريبة او مساوية للقيمة الاستعمالية يفقد عدد كبير من العمال ثروتهم التي حققوها من خلال الاجور وتتركز في ايدي قلة قليلة. كما ان قوة منظمات الطبقة العاملة و القوى الشيوعية لها دور في تحديد سرعة فرض ظروف الانتاج الامبريالية على الطبقة العاملة اذا ان سرعة فرض هذه الظروف في فرنسا مثلا حيث المنظمات العمالية قوية هو اقل بكثير من الولايات المتحدة مثلا التي فيها الطبقة العاملة متشرذمة الى حد كبير.
ان فرض ظروف الانتاج هذه ترافقها تغير في البناء الفوقي السياسي ليس بمعنى فرض الدكتاتورية السافرة بل تفريغ الديمقراطية البرلمانية البرجوازية من محتواها بشكل تدريجي. فالحكومات والنظام الديمقراطي البرجوازي اصبح يمثل مصالح الاحتكارات والرأسماليين الكبار اكثر فاكثر والانسان العادي انتبه الى هذا الامر لذل تجد ان نسبة المشاركة في الانتخابات عادة ماتكون واطئة. ولحد الان، استغلال الطبقة العاملة في الدول المتقدمة لم يصل الى الحد السافر الموجود في الدول المتخلفة كما ان البناء الفوقي ليس الدكتاتورية ولكن هناك ميل بهذا الاتجاه.
باختصار، منذ السبعينات وبسبب العولمة بالدرجة الاولى، بدلا من ان تحقق الطبقة العاملة في الدول التابعة بعض من الحقوق التي حققت في الدول الرأسمالية المتقدمة يتم القضاء على الكثير من مكاسب الطبقة العاملة في الدول المتقدمة نفسها وتفرض عليها ظروف الانتاج الامبريالية. ان مقياس لسيادة ظروف الانتاج الامبريالية في الدول المتقدمة هو الانفراج بين زيادة القوة الانتاجية للعامل وبين اجره. اي عدم مشاركة الطبقة العاملة في ثمار زيادة القوة الانتاجية.
ان الميل نحو فرض ظروف الانتاج الامبريالي في الدول المتقدمة يعني ان ظروف معيشة وظروف عمل الطبقة العاملة بما فيها نسبة البطالة مرتبطة ارتباطا وثيقا بظروف الطبقة العاملة في بقية الدول بما فيا الصين وافريقيا وافقر دولة اخرى. لذا فان النضال الطبقي يجب ان يكون نضالا امميا اكثر من اي وقت مضى ويجب ان يكون شاملا. ان النضال من اجل حقوق الطبقة العاملة في امريكا مرتبطة بالنضال ضد القمع والدكتاتورية في امارات الخليج والدول الاخرى مثلا. وفي الوقت الذي لايوجد فيه برجوازية وطنية تقدمية تناضل من اجل تحسين ظروف الطبقة العاملة في الدول المتخلفة، فان اي تحالف مع اي من الاجنحة البرجوازية في الدول المتخلفة مثل الاسلام السياسي هو ليس بالضد من مصالح الطبقة العاملة في الدول المتاخرة فقط بل في الدول الرأسمالية المتقدمة ايضا. في الدول الغربية اهم نضال اصلاحي هو النضال من اجل ضمان مشاركة الطبقة العاملة في ثمار زيادة القوة الانتاجية عن طريق تقليص عدد ساعات العمل وزيادة الاجور بالتزامن مع النضال من اجل تحميل الرأسمال التكاليف البيئية الناتجة عن الاستثمار بشكل غير متكافئ، اي الاستثمار المكثف في الدول التي تتمتع بقوة عاملة رخيصة ومن ثم شحن البضاعة الى الدول السمتهلكة لها بشكل لايخدم حتى الدول الفقيرة.
من جهة اخرى ان النضال الاصلاحي ضد الاستغلال في موقع العمل يجب ان يرافقه نضال في كل الميادين التي تضمن تراكم الرأسمال من خلال نزع الملكية من الطبقة العاملة بما فيها النضال من اجل قوانين تمنع خلق الفقاعات الاقتصادية واحتكار الخدمات والسلع الاساسية مثل الغذاء والوقود.
من جهة اخرى ان المنظمات العمالية الاصلاحية التقليدية مثل النقابات هي في ازمة ولم تعد قادرة على النضال لاصلاح ظروف الطبقة العاملة. تحت تاثير العولمة تلك المنظمات مستعدة بقبول باجور اقل للعمال مقابل الابقاء على الرأسمال داخل بلدانها. وهي في الكثير من الاحيان تتبنى اكثر المواقف رجعية مثل الوقوف ضد الهجرة وغيرها في محاولة للحد من البطالة مثلا. اليوم الطبقة العاملة بحاجة الى احزاب سياسية شيوعية عمالية تقوم بنضال شامل في الميدان الاقتصادي والسياسي والاجتماعي اكثر من اي وقت اخر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة